حسين عبدالحسين
بقي مصير قرار مجلس الأمن رقم 2139 المخصص للأزمة في سوريا معلقاً حتى ما قبل التصويت بدقائق، عندما مر المندوب الروسي الدائم، فيتالي تشوركين، بالصحافيين في طريقه إلى قاعة مجلس الأمن في مبنى الأمم المتحدة، وأجاب على أحد الأسئلة بالقول "بالتأكيد سنصوت لمصلحة القرار"، الذي تم التصديق عليه بالإجماع، على الرغم من الحملة التي شنتها ضده، البعثة الدائمة للحكومة السورية لعرقلته، أو لحمل الروس على ممارسة حق النقض "الفيتو" ضده.
الموافقة الروسية المفاجئة، جاءت بعد طلب الروس تأجيل التصويت 24 ساعة حتى صباح السبت الماضي، لإجراء المزيد من المشاورات مع موسكو. الأميركيون راهنوا على "لا" روسية، وفوجئوا بـ "نعم" في اللحظات الأخيرة.
وفيما يعتقد البعض أن موسكو تراجعت بسبب الضغوط التي يواجهها حلفاؤها في أوكرانيا، سرت الأنباء في العاصمة الأميركية أن المحرك الأول خلف القرار 2139، والذي نجح في انتزاع موافقة روسيا، كان الدبلوماسية الفرنسية.
لا يعرف الأميركيون، حتى الآن، ما دار بالضبط بين الفرنسيين والروس قبل موافقة موسكو على القرار. يقول الأميركيون إنه إبان المصادقة على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في مجلس الأمن، وعد الفرنسيون المؤيدون للقرار، الروس المعارضين، بالوقوف على مصالحهم في موضوع كوسوفو، الإقليم الذي كان ينازع من أجل استقلال تعارضه موسكو. هكذا، بوعود فرنسية، تراجع الروس عن معارضتهم لمحكمة لبنان، فيما وقف الأميركيون يؤيدون، وربما يصفقون تشجيعاً.
هذه المرة حول سوريا، يبدو الأمر مشابهاً. مجهود فرنسي دبلوماسي خارق، خلق مفاجأة روسية، على عكس رغبة ممثلي الرئيس السوري، بشار الأسد في الأمم المتحدة.
مؤشرات الاندفاعة الفرنسية في مجلس الأمن كانت بادية، للأميركيين على الأقل، منذ زيارة الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، إلى واشنطن ولقائه نظيره الأميركي باراك أوباما في البيت الأبيض.
خلف الأبواب الموصدة، كما في المؤتمر الصحافي الذي تلا لقاء القمة بين الرئيسين، كان التباين واضحاً. أوباما تحدث عن "عملية جنيف" والحل السياسي كمسار وحيد لإنهاء الأزمة في سوريا. هولاند، على الرغم من الود في العلاقة بين الاثنين، خالفه صراحة. قال إن مؤتمر جنيف مخصص حصراً لنقل السلطة التنفيذية من الأسد إلى حكومة انتقالية سورية، تتمتع بصلاحيات كاملة. أما الأمور الأخرى، مثل إنهاء حصار قوات الأسد ضد المدنيين السوريين، سيتم فرضها من خلال مجلس الأمن.
بعد الزيارة، استخف الأميركيون بالفرنسيين، واعتبروا أن الروس استخدموا الفيتو بحق ثلاثة قرارات في مجلس الأمن حول سوريا في أقل من ثلاث سنوات، وأنهم لن يمانعوا أبداً استخدام الفيتو للمرة الرابعة والخامسة.
لكن على الرغم من التلكؤ الأميركي، مضى الفرنسيون قدماً في القرار، وضغطوا من أجل وضعه بالحبر الازرق، الذي يضعه على مسار حتمي باتجاه التصويت، منتصف الأسبوع الماضي. وفي دبلوماسية ربع الساعة الأخيرة، وفيما كان العالم والأميركيون يتفرجون، عقد الفرنسيون والروس جلسات مكثفة، توصلاً إلى التصديق على القرار.
الدبلوماسيون الفرنسيون في واشنطن تحدثوا إلى صحافيين في جلسات مغلقة حول القرار. قالوا إن صدوره بالفصل السادس لا يقل شأناً عن الفصل السابع، وأن الفصل السادس ملزم للدول والحكومات، وأن قرارات متعددة، مثل القرار 1559 الذي أجبر الأسد على سحب قواته من لبنان في العام 2005، سبق أن أثبتت فاعليتها. ويضيف الفرنسيون أن القرار 2139 هو الأول حول سوريا، غير القرار 2118 المخصص لنزع ترسانة الأسد الكيماوية.
ويعتقد الفرنسيون أن من شأن القرار 2139 أن يفتح باب تدويل الأزمة السورية ومناقشتها في مجلس الأمن منذ الآن وصاعداً، وهم يسعون إلى إقناع الأمين العام بتعيين مندوب لمراقبة تنفيذه، على غرار القرار 1559، وهو ما يتطلب موازنة مالية وموافقة سنوية من اللجنة السادسة في المنظمة.
على أن أهم ما في القرار 2139، حسب الدبلوماسيين الفرنسيين، يكمن في أنه، للمرة الأولى، خرجت الأزمة السورية من أيدي الثنائي سيرغي لافروف، وزير خارجية روسيا المعطل، وجون كيري، وزير خارجية أميركا المتلكئ.
هكذا، وضع القرار المذكور الدبلوماسية الأميركية، التي كانت تستجدي الروس للضغط على الأسد لقبول هدنة إنسانية من نوع ما، في المقعد الخلفي، ووضع الأزمة الإنسانية السورية في عهدة مجلس الأمن الدولي، الذي، بغياب الدور الأميركي الدولي، يبدو الوسيلة الأفضل لوقف الأسد وممارساته بحق المدنيين السوريين.
أما واشنطن، التي كانت تأمل في أن يتحول "مؤتمر جنيف" إلى "عملية طويلة ومعقدة" فيها أخذ ورد بين النظام والمعارضة، وأن يثمر المؤتمر هدنة على الأرض وتبادل معتقلين وأموراً أخرى غير الانتقال السياسي، فوجدت نفسها من دون مؤتمر جنيف، ومن دون حل سياسي، ومن دون خطة غير انتظار الفرنسيين الذين نشطت دبلوماسيتهم وأظهرت أن النفوذ الدولي لا يحتاج إلى كل القوة التي تملكها أميركا، بل أن النفوذ يحتاج إلى بعض الحذاقة، وثرثرة أقل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق