الجمعة، 1 أبريل 2016

"جاك الدور يا دكتور"

حسين عبدالحسين

لا يبدو الرئيس السوري بشار الأسد ممن يتمتعون بالفطنة، لكنه كان حتما أول من التقط الاشارات الاميركية الروسية حول مستقبله، اذ لم يكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلن تعليق عمليته العسكرية في سوريا، حتى عقد وزير خارجية الأسد وليد المعلم مؤتمرا صحافيا قال فيه ان النظام مستعد للتفاوض مع المعارضة حول الدستور والانتخابات البرلمانية، ولكنه غير مستعد للتفاوض حول الرئاسة.

كان تصريح المعلم لحظة تجلت فيها عقود من رؤية آل الأسد وحزب “البعث العربي الاشتراكي” للدولة ومفهوم الحكم فيها، فالأسد والبعثيون يعتقدون ان الرئاسة أعلى من الدستور، وانها لا تخضع له، بل أن الدستور هو الذي يخضع للرؤساء.

ولطالما قص الرئيس الراحل حافظ الأسد دساتير سوريا واعاد لصقها على قياسه، كانت آخرها بعد مماته في العام ٢٠٠٠، يوم أجبر مساعديه على تخفيض السن الأدنى المطلوب لأي سوري ليصبح رئيسا، فخفّض “مجلس الشعب” العمر المنصوص عليه في الدستور من ٤٠ الى ٣٤ عاما ليتناسب مع عمر نجله وخليفته بشّار. 

على هذا الشكل انتخب “مجلس الشعب” السوري بشار الأسد رئيسا: خفّض السن الدستورية، اقترع له مرشحاً وحيداً، ثم وقف الاعضاء يصفقون للرئيس الجديد حتى تورمت ايديهم. كان انتخاب بشار الأسد عملية شكلية تلت توليه الرئاسة فعليا لحظة وفاة والده حافظ. هكذا يفهم البعثيون وآل الأسد الدساتير والانتخابات، وهو مفهوم كان ممكنا تطبيقه طالما ان ما كان يهم القوى الكبرى، قبل العام ٢٠١١، هو أمن حدود اسرائيل وتجاوب حاكم دمشق مع الطلبات الامنية والاستخباراتية العديدة التي كانت ترده من الغربيين. 

لكن بعد العام ٢٠١١، إنقلب الاهتمام العالمي بسوريا من أمني محض الى إنساني، لا لأن الغرب وعواصم القرار العالمية اصبحت إنسانية، بل لأن الأزمة السورية المندلعة على مدى الاعوام الخمسة الماضية صارت تهدد اوروبا بفيض من اللاجئين، فيما تحول بعض الاراضي السورية الى مرتع للمتطرفين يشنون منها هجماتهم ضد دول اقليمية وعالمية.

ولأن الأسد فشل في الحسم عسكرياً واعادة سوريا الى ما كانت عليه قبل العام ٢٠١١، على الرغم من المساعدات العسكرية والبشرية والمالية التي اغدقتها ايران وروسيا عليه، وجد العالم نفسه بحاجة للانغماس في تفاصيل سوريا السياسية لانهاء الأزمة فيها واعادة توضيبها، كيفما اتفق، بشكل يوقف العنف فيها ومنها.

وبموجب القانون الدولي، يحق لمجلس الأمن تجاوز سيادة أي دولة تشكل خطراً على الأمن الدولي. هكذا، انخرطت الأمم المتحدة ومعها اميركا وروسيا وعشر دول اخرى معنية بالقضية السورية في عملية رعاية التوصل الى حل في سوريا.

وعلى خلفية احداث الربيع العربي التي شهدت مطالبات عالمية، واحيانا قرارات من مجلس الأمن، أدت الى تسمية حكام تونس ومصر وليبيا واليمن، والاطاحة بهم في ما بعد، اعتقد الأسد انه سيبقى في الحكم طالما ينجح حلفاؤه في ابقاء إسمه خارج اي تداول او مفاوضات، وهو أمر اصرت عليه روسيا، ووافقت عليه اميركا.

لكن ابقاء اسم الأسد خارج عملية المفاوضات لا يعني ابقاء الدستور السوري خاضعا لمشيئته، بل ان تعديل الدستور وجعله وثيقة تأسيسية تسمو على سلطات الدولة السورية وحكامها هو الهدف الواضح للعملية التفاوضية، بتأييد اميركا وروسيا والأمم المتحدة.

هكذا، انعدمت اهمية التطرق الى مصير الأسد في المفاوضات بين النظام والمعارضين، بل أن الأسد يتمنى اليوم لو كان مصيره موضع بحث اذ ربما يسمح له ذلك انتزاع بعض التسويات لشخصه وللصلاحيات التي يتمنى التمسك بها.

لكن العملية السياسية السورية صارت تتمحور حول الدستور، وهذا ما يمكنه ان يحول منصب الرئاسة السورية الى موقع رمزي، على غرار العراق ولبنان، واناطة السلطات — وخصوصا الامنية — بالحكومة مجتمعة. كذلك، يمكن لأي دستور سوري جديد ان يحدد حكم الرئيس بولايتين، وان يحتسب ولايتي بشّار الأسد على انهما سبب لعدم اهليته للترشح لولاية جديدة.

هذا هو فحوى النقاش الاميركي الروسي على مستويات ديبلوماسية متعددة، على أمل رعاية توصل المتفاوضين السوريين الى دستور مع حلول شهر آب (اغسطس) المقبل، وقد يكون هذا هو السبب نفسه الذي دفع وفد الأسد الى المماطة والتذرع بانتخابات “مجلس الشعب” للتغيب عن الجولة المقبلة.

“جاك الدور يا دكتور” هو شعار من الثورة السورية يبدو انه تحول الى نبوءة، مع فارق وحيد هو ان العالم يستعد اليوم لارسال الأسد الى اقبية النسيان، بعد ان كان التفكير السائد، حتى الأمس القريب، هو اقتلاعه عنوة.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008