حسين عبدالحسين
باستثناء تصريح وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، والذي قال فيه إن الرئيس السوري بشار الأسد ارتكب جرائم حرب يجب ان يحاسبه العالم عليها، لم يعكّر صفو مزاج الأسد أي من تصريحات او سياسات عواصم العالم حول الأزمة السورية.
في الولايات المتحدة، يسود الانقسام حول كيفية التعاطي مع ايران. البيت الابيض واصدقاء اسرائيل يسعون لزيادة الضغط على إيران، ويأملون في استخدام القوة الاميركية لطرد الميليشيات الايرانية المقاتلة الى جانب قوات الأسد. ووفقاً لتقديرات مستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر، تشكل الميليشيات الموالية لطهران 80 في المئة من إجمالي تحالف الأسد وايران وروسيا، ويشكل إضعاف هذه القوة فرصة لتقليص النفوذ الايراني المقوض لمصالح واستقرار الدول العربية.
وفي سياق الضغط على ايران نفسها، قالت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نكي هايلي، إن بلادها تجري مراجعة شاملة للاتفاقية النووية مع ايران، بحثا عمّا من شأنه أن يشكل اختراقاً للاتفاقية، وتالياً يبطلها ويعيد العقوبات الدولية عليها.
لكن أفعال أميركا تناقض تصريحاتها، فالرئيس دونالد ترامب سبق أن مدد إعفاءات سلفه باراك أوباما على العقوبات التي كانت مفروضة على طهران، ولم يحاول عرقلة توقيع شركة بوينغ عقدا بأكثر من 3 مليارات دولار مع شركات طيران ايرانية، فيما قال ماكماستر في اطلالته نفسها أن سياسة أميركا في العراق وسوريا تقضي بالقضاء على تنظيم "الدولة الاسلامية" حصراً، وهو ما أكده وزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي قال إن بلاده لا تسعى إلى مواجهة مع قوات الأسد وايران في سوريا.
وإذا كانت الولايات المتحدة غير مستعدة لمواجهة الايرانيين بأكثر من تصريح من هنا أو هناك، فإن المسؤولين الاميركيين لم يطلقوا أي تصريح يطالب الأسد بكبح عملياته العسكرية بحق المدنيين السوريين. وعلى الرغم من اتهام البيت الابيض للأسد بتحريك ترسانته الكيماوية في ما كان يبدو نيته لاستهداف معارضيه بأسلحة الدمار الشامل، لم تؤد الاتهامات الاميركية للنظام السوري الى عواقب، ديبلوماسية على الأقل، فالأسد تخلى عن ترسانته الكيماوية بموجب اتفاقية تم تكريسها في قرارات مجلس الأمن، ما يجعل من الأسد في تعارض مع قرارات هذا المجلس، وما يفرض استخدام القوة العسكرية ضده بغطاء دولي. ولا يبدو أن عواصم العالم الفاعلة ترغب في ايقاف الأسد وسلاحه الكيماوي ودمويته بحق السوريين.
حتى لو أن البعض في واشنطن يتمنى خروج ايران من سوريا، فإن غالبية المسؤولين الاميركيين يرغبون في بقاء الأسد، وإن كان بقوة 20 في المئة من قوته الحالية في حال خروج الميليشيات الايرانية. أما الرغبة الاميركية في بقاء الأسد، أو حتى تمدد قوته، فتجلّت في تصريح الناطق باسم التحالف الدولي في بغداد العقيد ريان ديلون، الذي قال إنه "لو ارادت قوات الأسد قتال تنظيم الدولة في البوكمال، وهي لديها المقدرة على ذلك، فهم مرحب بهم". واضاف ديلون ان أميركا لا تسعى للاستيلاء على اراض، بل تسعى حصراً إلى قتل تنظيم الدولة، وأنه لو أراد الأسد قتال الدولة في البوكمال أو ديرالزور أو أي مناطق أخرى "هذا يعني أنه لن يكون علينا نحن (الأميركيين) القيام بالقتال".
ويترافق تواطؤ أميركا مع ايران وتأييدها استعادة الأسد "البوكمال أو ديرالزور أو مناطق اخرى" مع محاولة بعض العواصم الشرق أوسطية تعزيز رواية الأسد القائلة إن الصراع في المنطقة ليس بين ديكتاتوريات وشعوب منتفضة، بل بين الأمن والارهاب، وهي مقولة قديمة يلّوح بها الطغاة دائماً لتخويف الغرب وافهامه ان السبيل الوحيد لانهاء الارهاب في المنطقة، والذي يتمدد الى اوروبا و اميركا، يكمن بإطلاق ماكينات القمع الدموية لدى الديكتاتوريات، ومنح الطغاة حرية القضاء على شعوبها، ارهابية ام لا.
الغضب العالمي ضد الظلم والقمع والتنكيل والمجازر والسجون والتعذيب واستخدام الأسلحة الكيماوية هو غضب تلاشى، وتم استبداله بفزاعة الإرهاب، وهو جو ملائم جداً للأسد، الذي مازال متمسكاً وعاكفاً على تطبيق شعاره منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية في العام 2011: "الأسد او نحرق البلد".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق