الاثنين، 1 يوليو 2019

«ارتجالية» ترامب في السياسة الخارجية ترهق الحكومة الأميركية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

فيما كان الديبلوماسيون الأميركيون يستعدون للمشاركة في سلسلة من اللقاءات التي كان سبق ان طلبوها من نظرائهم في العواصم الأوروبية، واعدوا «نقاط كلام» تؤكد ان الشركة الصينية للاتصالات تشكل خطرا على الأمن القومي للولايات المتحدة وأوروبا بسبب ارتباطها بالجيش الصيني والاستخبارات، أدلى الرئيس دونالد ترامب بتصريح قال فيه انه لا يعتقد ان «هواوي» تشكل خطرا أمنياً، وهو ما نسف ستة أسابيع من المجهود الديبلوماسي الأميركي المضني لتسويق سياسة مقاطعة الشركة الصينية. وقالت مصادر في الإدارة الأميركية لـ«الراي»، إن «استدارات ترامب في الديبلوماسية تشكل واحدة من اكبر التحديات للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ولمصداقيتها، وتاليا للأمن القومي برمته». 
وأشارت إلى أن استدارات ترامب الدولية متعددة وكثيرة، ان في المفاوضات التجارية مع الصين، أو في المفاوضات النووية مع ايران وتعزيز الحشود العسكرية الأميركية في الخليج. 
ويقول المسؤولون، بامتعاض، إنه يصعب القيام بديبلوماسية «الترقيع وإصلاح الهفوات وتبرير الاستدارات». 
وسبق للرئيس الأميركي أن أعلن أن «هواوي» تشكل خطراً، وتوعد الصينيين بفرض تعرفات جمركية ما لم يتم التوصل معهم الى اتفاقية تجارية على اسس جديدة. لكن أثناء مشاركته في قمة العشرين في أوساكا اليابانية، التقى ترامب نظيره الصيني شي جينبنغ، وقال ان «هواوي» ليست خطراً على أميركا، وانه لا ينوي فرض تعريفات جمركية بل يود التفاوض، وهذه استدارة مقارنة بمواقف ترامب السابقة. 
هكذا، راح الديبلوماسيون الأميركيون يعملون على إلغاء مواعيدهم الأوروبية، وصار المطلوب منهم شرح سياسة ترامب الجديدة المناقضة لسياسته السابقة. 
ومثل الصين، قبلها في الخليج، رفع ترامب سقف المواجهة، واعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية مع ايران، واوعز بوضع الحرس الثوري الإيراني على لائحة التنظيمات الإرهابية، ووافق على إرسال قاذفات استراتيجية وتعزيز القوة البحرية في الخليج ردا على تقارير استخباراتية أشارت إلى قيام إيران بالاستعداد لسلسلة هجمات، وراح يتوعد بتدمير إيران بالكامل... 
ثم، بين كل تصريح حربي وآخر، كان ترامب يطلق تصريحات عن انتظاره الإيرانيين واستعداده للتفاوض معهم من دون شروط، ولم يتراجع الا بعد ان سمع تصريحات من طهران اتهمه فيها مسؤولون بانه «مريض نفسيا»، وهو ما اثار حفيظته، وخفف من اندفاعته في اتجاه مفاوضات كيفما اتفق مع الإيرانيين. 
ومثل ارتجاليته في ملفي الصين وإيران، كذلك تجاه كوريا الشمالية، التي تواعد ترامب للقاء زعيمها و«إلقاء التحية عليه» في تغريدة، من خارج جدول الأعمال أو سياق الديبلوماسية بين البلدين. وكانت الديبلوماسية حول استغناء بيونغ يانغ عن اسلحتها النووية وصلت طريقا مسدودا حملت وزير الخارجية مايك بومبيو على الخروج من آخر جولة مفاوضات من دون نتائج، وإبلاغه البيت الأبيض أن على واشنطن انتظار أن تعود بيونغ يانغ إلى المفاوضات، وإلا، لا حاجة للمزيد من الاستعراضات الديبلوماسية معها. 
لكن ترامب، الذي يعشق الكاميرات، رأى فرصة إعلامية ضخمة للقيام بزيارته «التاريخية» الى الحدود بين الكوريين، الشمالية والجنوبية، فالتقى كيم، لا للمصافحة وإلقاء التحية فحسب، بل عقد لقاء تناول فيه الزعيمان شؤونا تتعلق بتحسين العلاقات، على اعتبار أن كوريا الشمالية ستتخلى عن النووي وتنخرط في المجتمع الدولي. لكنه حديث، حسب المصادر الأميركية، سابق لأوانه، ولا مبرر للانخراط فيه أصلاً، طالما أن بيونغ يانغ لم تصدر اشارات تشير الى نيتها الاستغناء عن النووي. 
هو رئيس متعب لمساعديه وديبلوماسييه. إلمامه بالتفاصيل شحيح، ومعلوماته حول الدول والشؤون الدولية أشح. يتصرف وكأنه يقوم بإنتاج دعايات للتلفزيون، فيجبر الحكومة على اللحاق بما يقوله والتظاهر انه يعبر عن سياسات الدولة، فيما هي سياسات ليست موجودة، وأقصى ما يمكن المسؤولين القيام به هو إصدار بيانات والسعي للتظاهر وكأن ما يعبر عنه ترامب هو نتيجة سياسات مدروسة وناجزة، وهي ليست كذلك.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008