حسين عبدالحسين
حققت قوى التغيير في لبنان انتصارا انتخابيا كبيرا على التحالف الحاكم الذي تقوده ميليشيا "حزب الله" الموالية لإيران، ووصلت "مجلس النواب" وجوه شابة تغييرية مستقلة، مثل الصديقين مارك ضو وميشال دويهي وغيرهما.
كما وسّعت "القوات اللبنانية" كتلتها من 15 إلى 20 أو أكثر لتصبح الأكبر مسيحيا، وربما لبنانيا، ومعها فازت وجوه من الطائفة السنية معروفة بثبات مواقفها السيادية ضد سلاح "حزب الله"، مثل أشرف ريفي، الذي يبدو مرشح المعارضة لرئاسة الحكومة.
لكن انتصار المعارضة اللبنانية من الحزبيين والمستقلين لم يكن كافيا لتشكيل غالبية في البرلمان ومقاعده البالغ عددها 128، إذ أن "حزب الله" ومعاونيه رئيس الجمهورية، ميشال عون، ورئيس "مجلس النواب"، نبيه بري، فازوا بـ 58 مقعدا على الأقل، وفاز زعيم الدروز، وليد جنبلاط، بسبعة مقاعد، وهو ما يضمن إعادة انتخاب بري لولاية سابعة من أربعة أعوام.
بقاء بري رئيسا للبرلمان يضمن استمرار إمساك "حزب الله" بعنق الجمهورية اللبنانية، فيغلق بري البرلمان ويمنع اختيار رئيس حكومة أو تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس للجمهورية في الانتخابات المقررة في أكتوبر، ما لم توائم أي من هذه الخيارات إملاءات "حزب الله" وتوافق على الإبقاء على سلاحه.
وبقاء بري في منصبه يعني أيضا استبداده في إدارة الجلسات والقوانين التي يمكن طرحها، وهو ما يعني تعطيله إمكانية قانون يفرض على "حزب الله" تسليم سلاحه للدولة اللبنانية، وتعطيل التشريعات الإصلاحية التي تتوقعها المنظمات الدولية من أجل مساعدة لبنان في وقف انهياره الاقتصادي المتواصل.
لن يحتاج "حزب الله" للجوء الى العنف، غالبا وسيلته الأخيرة، لمواصلة فرض سطوته ومشيئته على لبنان واللبنانيين.
في العراق، حيث يشكل الشيعة نصف السكان، خسرت الميليشيات الموالية لإيران الغالبية الشيعية فلجأت للعنف. في لبنان، حيث يشكل الشيعة ثلث السكان، حصد "حزب الله" هذا الثلث، أحيانا باستخدام الترهيب والعنف ضد منافسيه الشيعة، ونجح حلفاؤه غير الشيعة في إتمام سيطرته على ما يقارب نصف البرلمان، ولا شك أن جنبلاط سيتكفل بضمان بقاء النظام القائم، لأنه لا يراهن عادة على التغيير ما لم يكن التغيير مدعوما من القوى الكبرى، مثل عام 2005.
على أنه في الصورة اللبنانية القاتمة بعض الومضات التي قد تشكل بارقة أمل.
أولا، تراجعت قوة قبضة "حزب الله" على الشيعة مع تراجع نسبة المقترعين الشيعة بأكثر من عشر نقاط مئوية، في وقت يشير البعض إلى أن حصة معارضي الحزب من أصوات الشيعة ارتفعت من أقل من عشرة في المئة في عام 2018 إلى قرابة الربع اليوم، وهذه التقديرات، إن صدقت، تعني أن الحزب الموالي لإيران لا يزال يبدو قويا، ولكنه فعليا يهتز.
ثانيا، أظهر مسيحيو لبنان أنهم يساندون سيادة الدولة ونموذج لبنان المحايد الذي قدم للبنان سنواته الذهبية العشرين بين 1949 و1969، وهو الحياد الذي يطالب به بطريرك الموارنة، بشارة الراعي، والذي من المتوقع أن تعلنه كتلة القوات والكتل المعارضة للحزب في البرلمان شعارها في البرلمان.
وكانت الانتخابات قدمت فرصة للبنانيين لتكثيف النقاش حول مساوئ سلاح "حزب الله"، السلاح الذي يؤدي للانهيار الشامل الحاصل.
وأشار اللبنانيون إلى ضرورة التخلص من هذا السلاح، وجعل اللبنانيين سواسية أمام الدستور والقوانين (أي غير مسلحين ويفوضون حكومتهم المنتخبة الدفاع عن أمنهم داخليا وخارجيا).
ثالثا، أظهر جزء لا بأس به من اللبنانيين، خصوصا من الموحدين الدروز، وعيا سياسيا وابتعادا عن الإقطاعية والطائفية بدعمهم الوجوه الشابة التغييرية المستقلة. ومثل الدروز، تقدَّم التغييريون بين المسيحيين في الشمال والمتن، وبين السنة في بيروت وطرابلس. وحدهم الشيعة لم ينجحوا في كسر قبضة الميليشيا والإقطاع عليهم.
رابعا، سمحت الانتخابات لتقدم نسوي غير مسبوق في لبنان. صحيح أن صورة لبنان في العالم تظهره في ضوء حسن لناحية حقوق المرأة ومشاركتها في الحكم، إلا أن الواقع عكس ذلك، فالقوانين اللبنانية مجحفة بحق المرأة، وحتى الماضي القريب كانت النسوة المشاركات في "مجلس النواب" أو الحكومة إما زوجات أو أرامل أو بنات أو مستشارات سياسيين ذكور نافذين. مع نجاة عون وحليمة قعقور وبولا يعقوبيان، تتوسع مشاركة اللبنانيات اللواتي يفرضن أنفسهن من خارج المنظومة الذكورية السائدة.
خامسا، انهيار بعض الإقطاع مثل خسارة "الأمير" طلال أرسلان، وبعض أبطال وصاية عائلة الأسد السورية على لبنان من أمثال وئام وهاب وإيلي الفرزلي.
سادسا، أظهرت الانتخابات اللبنانية قبول فئات واسعة من اللبنانيين (في دوائر كان يعتقد البعض أنها مقفلة وإقطاعية ومحافظة) أفكارا تطالب بتحويل لبنان إلى دولة مدنية لا طائفية وتحديث قوانينها القبلية البائدة.
انتخابات لبنان البرلمانية قدمت مفاجآت متواضعة في فوز بعض التغييرين وتراجع تيار المكروه، جبران باسيل، وسقوط أرسلان وأمثاله، وسمحت للبنانيين أن يحلموا بعض الشيء بالتغيير، وأن يرفعوا صوتهم ضد "حزب الله" ويعلنوا معارضتهم لسلاحه الخارج عن الدستور.
لكن رئيس كتلة "حزب الله"، محمد رعد، ذكّر الجميع أنه يرحب بالنواب الجدد في جمهوريته إنما كمعارضين في شؤون الحكم الصغيرة. أما أن يتحدثوا في السياستين الخارجية والدفاعية، وهي ما أسماها رعد سياسات ”صهيونية وأميركية“، فأمامهم الحرب الأهلية، أو ربما العنف وحتى الاغتيالات.
لبنان ليس بخير. عاش أحلاما سعيدة لساعات، لأيام، أو ربما لأسابيع، لكنه ما زال تحت قبضة ميليشيا متسلطة موالية لنظام إسلاموي قروسطوي وتتسب بانهيار اقتصادي اجتماعي سياسي متواصل، وأي انتخابات لبنانية تفضي لإعادة انتخاب بري رئيسا للبرلمان ليست انتخابات تغييرية البتة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق