واشنطن - من حسين عبد الحسين
هل بدأ الحوار غير المباشر بين واشنطن و«حزب الله»؟
وهل يؤدي حوار كهذا الى «انخراط» مباشر في ما بعد والتوصل الى حل لعدد من الازمات في منطقة الشرق الاوسط؟
هذا السؤال بدأ يتردد في كواليس السياسة الاميركية.
الرئيس باراك اوباما يصر على حصر سياسته الخارجية بالانخراط مع «الاعداء» قبل الاصدقاء. قد يخال البعض ان اوباما يرغب في الحوار من اجل الحوار، ولكن الواقع هو ان اي حوار مع «اعداء الامس» يباشره الرئيس الاميركي، يستهلك من رصيده السياسي داخل العاصمة الاميركية. لذا تسعى الادارة الحالية الى «الانخراط» مع اصحاب الحل والربط فقط في المنطقة.
اثناء زيارته الاخيرة الى واشنطن، انشغل رئيس حكومة لبنان سعد الحريري والوفد المرافق له بالموقف الاميركي «المتفهم» لخصوصية الساحة اللبنانية وموقع «حزب الله» فيها ومنع اندلاع حرب مع اسرائيل.
في الوقت نفسه، توصلت الاوساط الاميركية الى شبه اجماع حول عدم جدوى «سياسة الانخراط» مع سورية. وورد في تقرير «خدمة ابحاث الكونغرس»، الذي اشارت اليه «الراي» امس، ان ادارة اوباما قد تجد نفسها «مضطرة للدفاع في شكل متواصل عن سياستها اجراء حوار ديبلوماسي طبيعي مع سورية، خصوصا في ضوء غياب اي تغييرات ملموسة في التصرفات السورية».
واضاف التقرير: «لا يمكن جني الا القليل من المزيد من الانخراط (الاميركي مع سورية)، غير عودة العلاقات الديبلوماسية الى طبيعتها».
واذا كانت واشنطن تتفهم العجز اللبناني عن لجم «حزب الله»، ولا ترى سورية قادرة على ذلك، فيما تعمل يوميا على منع اسرائيل من شن اي حرب ضد هذا الحزب، فما هو الحل الذي تراه الولايات المتحدة لسلاح «حزب الله»، خاصة وان هذا السلاح يساهم، حسب المسؤولين الاميركيين، في ابقاء التوتر قائما في المنطقة.
لا اجابة واضحة عن هذا السؤال، ولكن عددا من المؤشرات في العاصمة الاميركية يشي بأن الحل الانسب الذي تراه الادارة الحالية لمعضلة سلاح الحزب، كما الملف النووي الايراني، هو الحوار معه او مع طهران، او مع الاثنين معاً.
تقول مصادر اميركية: «لاشك في ان الحوار مع ايران اسهل نظريا من الحديث مع حزب الله، الذي تصنفه الادارة منظمة ارهابية... ولكن الاثنين بالاهمية نفسها».
وبالاجابة عن سؤال حول ما إذا كان الحوار الاميركي مع «حزب الله» قد بدأ فعلا، ومن يخوضه من الطرف الاميركي، اجابت المصادر: «ما نستطيع الافصاح عنه هو ان تصنيف حزب الله كمنظمة ارهابية يمنع حكومة الولايات المتحدة من اي لقاء مع مسؤولين في هذا الحزب».
لكن هذا لا يمنع «مواطنين» اميركيين من مباشرة حوار مع هذا النوع من المنظمات، فالرئيس السابق جيمي كارتر عقد لقاء في الماضي مع رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس» خالد مشعل، وطلب عقد لقاء مشابه مع مسؤولين في «حزب الله» الا ان هؤلاء لم يستجيبوا لطلبه.
وعلمت «الراي» ان هذا الواقع دفع بعض المسؤولين الاميركيين الى «تدارس سيناريوات الحوار مع حزب الله في اجتماعات عقدوها مع مواطنين اميركيين مقربين من هذا الحزب». من هم هؤلاء المسؤولون الاميركيون؟
تجزم المصادر الاميركية ان غالبية الديبلوماسيين العاملين في وزارة الخارجية الاميركية غير متحمسين للحوار مع «حزب الله»، لكن هناك مسؤولين آخرين في الادارة معنيون بالسياسة الخارجية كذلك.
اثناء لقاء اوباما بالوفد اللبناني برئاسة الحريري، لم يلفت الانتباه كثيرا حضور مستشار الرئيس لشؤون الارهاب جون برينان.
وسبق لبرينان ان اثار زوبعة سياسية قبل اسبوعين عندما قال في محاضرة ألقاها ان «بعض ما يفعله عناصر في حزب الله هو مصدر قلق» لبلاده، لكن على واشنطن ان تسعى «لايجاد طرق للتقليل من تأثير هذه العناصر داخل هذه المنظمة ومحاولة بناء العناصر الاكثر اعتدالا». ولم يفت برينان الاشارة الى تعاطي مباشر بين الحكومة الاميركية والحزب.
الا ان ما لم يقله برينان هو ان الحوار غير المباشر قائم مع «حزب الله» عن طريق حكومات حليفة ومواطنين اميركيين.
حكومة بريطانيا، على سبيل المثال، تعقد اجتماعات رسمية مع الحزب اذ غالبا ما يجتمع ديبلوماسيوها سرا وعلنا مع مسؤولين كبار في «حزب الله». وكانت بريطانيا اعلنت تغييرا في نهجها العام الماضي عندما قررت الاعلان عن لقاءاتها مع قادة الحزب، ودعت واشنطن الى حذوها في خطوة اولى لمباشرة الحوار المباشر.
وحضر الى العاصمة الاميركية، في حينه، «مواطنون» اميركيون، وقدموا الى وزارة الخارجية دراسة عن ضرورة الحوار الاميركي مع حزب الله. يومها رفضت ادارة الرئيس بوش الحوار «من قريب او من بعيد»، وقال ديبلوماسي ما زال يشغل منصبا رفيعا اليوم ان واشنطن لا تعتقد بوجود تباين بين اجنحة الحزب المختلفة. وعاد «المواطنون الاميركيون» الى بيروت بخفي حنين.
وقامت اطراف اميركية معادية للحوار بتقديم قانون يفرض على الرئيس الاميركي حظر بث الفضائيات «الارهابية»، مثل تلفزيون «المنار» التابع لـ «حزب الله»، داخل الولايات المتحدة. وتم اقرار القانون الذي حمل الرقم 2278 في الكونغرس في 12 ديسمبر الماضي، وتمت احالته الى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، الا انه تعثر هناك بما يعتقده البعض بايحاء من البيت الابيض.
ومع مجيء اوباما، قام برينان وآخرون بتقديم دعوة الى نفس «المواطنين الاميركيين»، الذين حضروا بدورهم الى العاصمة الاميركية، الشهر الماضي، وعقدوا لقاءات رفيعة المستوى - بعضها مغلقة وسرية - من اجل التباحث بموضوع فتح اقنية حوار مع الحزب.
هكذا، سمحت سياسة اوباما القائلة بضرورة «الانخراط» للحوار غير المباشر بين واشنطن و«حزب الله» فيما يأمل انصار الحوار غير المباشر في ان يتحول الى حوار مباشر يوما ما.
يقول ديبلوماسي متقاعد لـ «الراي» ان الولايات المتحدة واسرائيل قاتلتا في الماضي بشراسة كل امكانيات الحوار مع «منظمة التحرير الفلسطينية» بقيادة ياسر عرفات، الى ان توصلتا يوما الى ضرورة الحوار معه، وان الحوار بدأ بطريقة غير مباشرة عن طريق زيارات قام بها المسؤول الفلسطيني حسن سلامة الى مقر «وكالة الاستخبارات المركزية» في ضاحية لانغلي. «التاريخ يعيد نفسه احيانا»، يختم الديبلوماسي المتقاعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق