واشنطن - من حسين عبدالحسين
وجهت المحكمة العليا الاميركية، ضربة لمناصري الحوار مع من تصنفهم الولايات المتحدة تنظيمات «ارهابية»، مثل «حزب العمال الكردستاني» و«نمور التاميل» و«حزب الله» و«حماس»، اول من امس، اذ حكمت ضد استئناف تقدمت به عدد من الجمعيات لمراجعة قانون سبق ان شرعه الكونغرس ويحظر «تقديم نصائح» الى هذه التنظيمات.
القرار يعني انه لا يمكن للاميركيين «تقديم خدمات» او «العمل بامرة»، حتى لو تطوعا، اي من التنظيمات التي تصنفها واشنطن «ارهابية»، ويعني حصر اي حوار ممكن بين الادارة وهذه التنظيمات بقيام وزارة الخارجية برفع هذه الحركات عن قائمة الارهاب.
ايد القرار 6 قضاة، وعارضه 3، من بينهم سونيا سوتيامور، التي عينها باراك اوباما، وهو ما قد يشي باتجاهات الفريق القريب من الرئيس الاميركي، والقائل بضرورة فتح الحوار مع الدول والتنظيمات، حتى التي تناصب اميركا العداء.
وكانت اصوات من داخل الفريق الرئاسي، تصدرها مستشاره لشؤون الارهاب جون برينان، تحدثت عن ضرورة «التمييز» بين الجناحين السياسي والعسكري داخل تنظيمات مثل «حماس» و«حزب الله»، ومباشرة الحوار مع «المعتدلين» داخل هذين التنظيمين. وانضم الى الفئة المؤيدة للحوار شخصيات بارزة مثل سفير اميركا السابق لدى العراق ريان كروكر، وشخصيات في الكونغرس.
الا ان الخارجية تعارض في شدة اتجاه الفريق الرئاسي الى الحوار مع «حماس» او «حزب الله» على قاعدة ان اي حوار كهذا «يقوض سياسة مكافحة التطرف».
ويصر كبار الديبلوماسيين في الوزارة، على ان «لا فوارق» بين الاجنحة السياسية والعسكرية داخل «حماس» و«حزب الله»، وهذه نظرة تفترق عن رأي اقرب حلفاء واشنطن، مثل لندن، التي يعقد ديبلوماسيوها في لبنان لقاءات دورية مع مسؤولين في «حزب الله».
وجاء في مطالعة الاكثرية التي حسمت قرار المحكمة: «اظهر المحققون كيف تعمل المجموعات الارهابية في شكل منتظم على اخفاء نشاطاتها خلف واجهات خيرية، واجتماعية وسياسية، بل تعمل تنظيمات مصنفة ارهابية على استخدام شؤون اجتماعية وسياسية لاستقطاب عناصر تقوم بعمليات ارهابية، ولتقديم الدعم لهؤلاء الارهابيين ولعائلاتهم ممن يدعمون هذه العمليات».
واضاف: «عبر الخلط بين النشاط السياسي، والعمل الحسن، والهجمات الارهابية، تستخدم حماس منظماتها السياسية والخيرية العلنية كشبكة دعم مالي ولوجستي لعملياتها الارهابية... عندما تقوم التنظيمات الارهابية التي تتمتع بهيكلية ثنائية بجمع تبرعات، تظهر الغايات المدنية والانسانية التي يمكن ان يستخدم المال من اجلها».
وتابع: «لكن هناك اسبابا تدفع على الاعتقاد ان التنظيمات الارهابية لا تفرض حاجزا ماليا شرعيا بين الاموال التي تم جمعها من اجل نشاطات مدنية غير عنفية، والاموال التي يتم استخدامها لدعم عمليات عنفية ارهابية».
حتى مطالعة الاقلية المعارضة للقرار، اشارت الى احتمال تقويض علاقة اميركا مع حلفائها في حال تقديم اميركيين دعم مدني الى تنظيمات تصنفها واشنطن ارهابية. وضربت مثالا على ذلك في «الكردستاني»، واعتبرت ان اي مساعدة يقدمها اميركيون الى هذا التنظيم، قد تزعزع علاقة واشنطن بحليفتها انقرة، لذا يجب تفادي تقديم اي دعم.
كذلك ايدت الاقلية الاكثرية، في ضرورة عدم التمييز بين الاجنحة السياسية والعسكرية لهذه التظيمات، واستندت الى شهادة الخارجية القائلة بان «اي دعم من اي نوع الى التظيمات الارهابية يساهم في المزيد من الارهاب».
الا ان الاقلية اعترضت ضد المبدأ القائل بان «تدريب وتقديم النصائح لتنظيم ارهابي حول كيفية استخدام المنظمات العالمية (مثل الامم المتحدة) من اجل تحقيق غاياته، من شأنه ان يفيد التنظيم ويسهل من نشاطاته الارهابية».
في المحصلة، سيجبر قرار المحكمة العليا التنظيمات غير الحكومية، مثل تلك التي يقودها الرئيس السابق جيمي كارتر، على التراجع عن بعض «انواع الاتصال» مع التنظيمات مثل «حماس» و«حزب الله»، ولكن من غير المرجح ان يحمل القرار لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، التي يرأسها السناتور جون كيري حليف دمشق، على تبني القانون رقم 2278، الذي صادق عليه الكونغرس في ديسمبر الماضي، والذي يمنح الحكومة صلاحية منع بعض الفضائيات، مثل «المنار»، التابعة لحزب الله، و«الاقصى»، التابعة لـ «حماس»، من البث على اقمار اصطناعية اميركية، وتاليا حجبها عن المشاهدين في الولايات المتحدة.
وسيكرس القرار مفاعيل قانون آخر يسمح للحكومة بانزال عقوبة تصل الى 15 عاما في حق كل من يثبت «تقديمه دعما ماديا او موارد» الى اي تنظيم قامت الخارجية بوضعه على لائحة التنظيمات الارهابية.
من جهته (ا ف ب)، اعرب كارتر، الذي يرأس مركز كارتر الضالع في حل النزاعات حول العالم، انه «خائب الامل» بسبب الحكم، معتبرا ان القانون يهدد عمل المنظمات التي تسعى الى ترويج السلام وتحتك بجماعات تمارس العنف. وقال ان «لغة القانون الفضفاضة تجعلنا نتساءل ان كنا سنحاكم على عملنا لتعزيز السلام والحرية».
ونشأت مصطلحات «الدعم المادي» عام 1996 وتم تعزيزها بموجب «قانون الوطنية» الذي اقره الكونغرس في اعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 واعيد تثبيتها مع بعض التعديلات عام 2004.
وافاد مركز الحقوق الدستورية، بان هذه القضية تشكل اول تحد من المحكمة العليا «لقانون الوطنية» وهذا الحكم هو اول قرار يلجم حرية التعبير لمصلحة اعتبارات الامن القومي.
واستخدم القرار عادة لمحاكمة افراد ساعدوا في تنظيم او تمويل هجمات ارهابية.
وفي تلك الحالات، اعترضت جمعية «هيومانيتيرين لو بروجكت»، التي اقرت المحكمة العليا، احتمال محاكمتها بموجب صيغة تأمين الدعم المادي بسبب تقديمها تدريبا على حقوق الانسان او صنع السلام لجماعات من بينها «الكردستاني» و«جبهة تحرير نمور تاميل» على تفسير واسع للصيغة، التي جرمت تقديم «التدريب، الاستشارات التقنية، والموظفين والخدمات» الى مجموعات تعتبرها الولايات المتحدة ارهابية، حتى لو كانت الخدمة المقدمة تهدف الى تعزيز اهداف اللاعنف.
وبات قانون «الدعم المادي» اداة شائعة لدى المدعين الذين حاكموا نحو 150 شخصا بموجبه في الولايات المتحدة وحصلوا على ادانات في نحو 60 قضية، بلغت احكامها السجن المؤبد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق