حسين عبدالحسين
أصبح من شبه المؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية وإيران لن تعلنا اتفاقيتهما النووية قبل التوصل، وراء الكواليس، إلى حلول في الملفات الشرق أوسطية الأخرى، خصوصاً في الموضوع السوري.
ومع أن المسؤولين الاميركيين يكررون لازمة وجوب خروج الرئيس السوري بشار الأسد من الحكم، إلا أنهم لا يربطون هذه التصريحات بتواريخ أو توقيتات، فحلفاء واشنطن الحاليين – مثل أنقرة والرياض – يطالبون بالتزامن بين القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" وخروج الأسد، فيما حلفاء واشنطن المستقبليين والمضمرين – مثل طهران وموسكو – يشددون على تقديم القضاء على داعش و"جبهة النصرة" على البحث في حل سياسي. وترفض طهران وموسكو ربط الموضوعين، أي أنهما ترفضان ربط مصير الأسد وضرورة خروجه بمصير داعش وضرورة القضاء عليه.
هكذا، أقنعت طهران واشنطن أن في مصلحتهما التوافق أولاً على القواسم المشتركة، أي القضاء على داعش، وتأجيل الأمور العالقة إلى ما بعد تحقيق الأولى.
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية، جون كيري، يعتقد نفسه مفاوضاً محنكاً، إلا أنه ومن خلفه الرئيس باراك أوباما أظهرا أنهما مبتدئان في شؤون الدبلوماسية، فالمفاوضات مع إيران انطلقت من وجوب تجميدها التخصيب مقابل رفع العقوبات الدولية عنها، ثم تحولت إلى ضرورة إبقاء إيران بعيدة سنة واحدة عن إنتاج سلاح نووي – ولمدة 10 سنوات فقط – مقابل رفع فوري للعقوبات.
ومثلما لقن الدبلوماسيون الإيرانيون نظراءهم الأميركيين درساً في المفاوضات النووية، كذلك التفوا عليهم في الموضوع السوري، فتدرجت واشنطن من اقتناعها بضرورة تعديل القوى العسكرية على الأرض، لإقناع الأسد بعدم جدوى بقائه، إلى اقتناعها بوجوب التركيز عسكرياً على إلحاق الهزيمة بمعارضي الأسد – متشددين ومعتدلين – حتى يتسنى البدء بالحوار السياسي والبحث بمستقبل سوريا.
ومثلما انقلب الموقف الأميركي نووياً، كذلك انقلب في موضوع سوريا. فواشنطن كانت ترفض الخوض في حوار مع إيران حول الأزمة السورية، إلى أن كانت مفاوضات بغداد في أيار/مايو 2012، عندما فاجأ رئيس الوفد الإيراني المفاوض آنذاك، سعيد جليلي، وفود مجموعة دول الـ"5+1" بالقول "وماذا عن سوريا؟"، ليجيبه الحاضرون أن تفويضهم ينحصر بالحديث في الشؤون النووية.
وفي آذار/مارس 2013، عقدت واشنطن وطهران مفاوضات سرية في العاصمة العمانية مسقط، أفضت التوصل إلى اتفاقية نووية مؤقتة بين الاثنين في 24 تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام. لكن محادثات مسقط لم تنحصر بشؤون النووي، بل تناولت العراق وسوريا ولبنان، حسب الأوساط المطلعة.
منذ ذلك الحين، لم تغب الأزمة السورية عن جولات المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، كما بدا جلياً في الجولات الأخيرة من خلال مشاركة عضو "مجلس الأمن القومي"، روبرت مالي، في الوفد الأميركي الذي تضمن مؤخراً وزير الخارجية جون كيري ومساعدته ويندي شيرمان، ووزير الطاقة آرنست مونيز، الذي تم استقدامه على عجل بسبب حضور صديقه منذ زمن الجامعة، وزير خارجية إيران السابق، ورئيس منظمتها النووية حالياً علي أكبر صالحي.
وكانت أميركا حاولت بعد شهرين من جلسة سلطنة عمان تمرير اتفاقيتها غير المعلنة مع الإيرانيين بدعوة طهران، عن طريق الأمم المتحدة، للمشاركة في مؤتمر جنيف الثاني المخصص للبحث في الأزمة السورية، لكن رفض المعارضة السورية، بدعم حاسم من السعودية وتركيا، نسف الحضور الإيراني، الذي كان مبنياً على تقديم محاربة الإرهاب داخل سوريا على كل النقاط الأخرى، ومنها مصير الأسد والعملية السياسية الانتقالية.
وحاولت واشنطن لاحقاً تقديم محاربة التنظيمات المتطرفة في سوريا على البحث في مصير الأسد، فأيدت "مؤتمر موسكو" وأرسلت مبعوثها، دانيال روبنستين، من أجل "لي أذرع" المعارضين السوريين في الخارج وإجبارهم على الاندماج مع معارضة الداخل والمشاركة في موسكو، إلا أنهم رفضوا مرة أخرى، ونسفوا موسكو ومؤتمرها.
هكذا، كان لا بد لواشنطن من العمل على إضعاف معارضي الأسد، وهكذا وجدت "حركة حزم"، التي عملت واشنطن في مرحلة ماضية على دعمها بخجل، وحيدة ومن دون دعم بالسلاح أو المال أمام هجمات "جبهة النصرة" عليها، فحلت حزم نفسها في مؤشر على انهيار جديد للوحدات المقاتلة المعارضة للاثنين: الأسد وداعش.
ويترافق إضعاف معارضي الأسد مع البطء الشديد في إنشاء القوة المؤلفة من 15 ألف مقاتل سوري لمواجهة داعش. ومع أن الرئيس باراك أوباما كان أعلن الصيف الماضي نية بلاده "تدريب وتجهيز" هذه القوة الصغيرة، على فترة ثلاث سنوات، إلا أن توقيع اتفاقية مع تركيا حول إقامة معسكرات التدريب لم يتم حتى 19 الشهر الماضي، في وقت لم يتعد عدد المدربين الأميركيين الذين وصلوا إلى المنطقة عشرة من أصل مئة، ولم يتوفر أكثر من مئة مقاتل سوري ممن تمت الموافقة على إدخالهم في معسكر التدريب، من أصل 2300.
ويبدو أن القوى الإقليمية المؤيدة لثوار سوريا أيقنت أن واشنطن تقف إلى جانب طهران وموسكو في تقديم القضاء على داعش على البحث في مصير الأسد، وان هذه القوى لا ترى في والوعود الأميركية لإقامة قوة سورية أكثر من تصريحات لا معنى لها.
وبما أن القضاء على داعش من دون وجود بديل سوري معتدل يعني أن الأسد وقواته سيملأون الفراغ، ما يعني أن مفاوضات الحل السياسي تأتي حسبما يتصورها الرئيس السوري. فبدأت محادثات القوى الإقليمية المؤيدة للمعارضة لإنشاء قوة عربية – تركية مشتركة لإخراج داعش من شمال سوريا الشرقي، والسماح بإقامة حكومة سورية معارضة في المناطق التي يتم تحريرها. وبضمان حصة المعارضة السورية على الأرض، يصبح التفاوض السياسي مع الأسد أفضل من ربطه بالقوة الموعودة التي تزعم واشنطن نيتها إقامتها.
هكذا، تجبر واشنطن حلفاءها على بسط سيطرة عسكرية مباشرة حتى لا تتحول المواجهة المسلحة في سوريا إلى مواجهة بين الأسد وحلفائه من جهة، والتنظيمات المتطرفة من جهة أخرى، وهو السيناريو الذي سعى إليه الأسد والإيرانيون منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية قبل أربع سنوات، حتى يجد المجتمع الدولي نفسه مجبراً على التمسك بالأسد كقوة محلية وحيدة في مواجهة الإرهاب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق