واشنطن - من حسين عبدالحسين
غير المكاسب الانتخابية التي يمكن أن يكون قد حقّقها قبل أسبوعين من انتخابات الكنيست، ليس مفهوما ما الذي أراد ان يجنيه رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو من إطلالته امام الكونغرس ليشن حملة قاسية ضد الاتفاقية النووية المتوقع التوصل اليها بين مجموعة دول خمس زائد واحد وإيران.
فللمرة الأولى منذ ان لقّن اللوبي الإسرائيلي، المعروف بـ «ايباك»، الرئيس الجمهوري الراحل جيرالد فورد، درسا سياسيا عبر الكونغرس، عندما حاول الأخير الضغط على إسرائيل، يندر ان تمادى أي رئيس أميركي او أعضاء في الكونغرس في انتقادهم للدولة العبرية، التي غالبا ما تخطت حواجز الحزبية وحازت اجماعا أميركيا وتأييدا لا مثيل له في أي من الشؤون السياسية الأخرى.
لكن رعونة الحزب الجمهوري، الذي تواطأ مع نتنياهو ووجه اليه دعوة من دون التنسيق مع البيت الأبيض، فجرت أزمة بين إسرائيل وغالبية الحزب الديموقراطي ومناصريه، وهي أزمة تختمر وراء الكواليس منذ فترة، اذ سبق للرئيس باراك أوباما ان ادلى بملاحظات سلبية بحق نتنياهو في دردشة مع رئيس فرنسا السابق نيكولا ساركوزي، فيما لم يفطن الرجلان إلى ان الميكروفون الذي كان امامهما كان مفتوحا.
وفي العام 2012، لم يخف نتنياهو كراهيته لأوباما والديموقراطيين، فأعلن صراحة تأييده للمرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني.
مع ذلك، تمسك أوباما بأدنى حدود اللياقة، وزار إسرائيل، وكرر لازمة العلاقة الوثيقة بين البلدين. وتشير الأرقام إلى انه منذ تولي أوباما الحكم في العام 2009، حصلت إسرائيل على 21 مليار دولار على شكل منح مالية للمساهمة في المجهود العسكري الإسرائيلي.
نتنياهو، بدوره، لم يفوت فرصة للانقضاض على رئيس أكثر دولة قربا الى إسرائيل، فنسف محاولتين لاستئناف المفاوضات السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولم يزر البيت الأبيض مرة من دون ان يستبق زيارته بإعلان نية حكومته تشييد وحدات سكنية استيطانية في أراض فلسطينية في الضفة الغربية والقدس، الى ان بلغت المواجهة ذروتها مع اعلان قدومه الى واشنطن من دون دعوة او علم رئيسها.
هنا انفجرت المواجهة علنا بين نتنياهو وأوباما، الذي توالى كبار المسؤولين في ادارته على تقذيع الضيف الإسرائيلي وتسليط الضوء على «الوقاحة» التي ارتكبها الزعيم الذي يفترض ان يكون أكثر قربا من الولايات المتحدة. وشن البيت الأبيض حملة لإقناع أعضاء الكونغرس من الحزب الديموقراطي بمقاطعة نتنياهو وخطابه.
وأثمرت حملة فريق الرئيس أوباما، فقاطع خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية أكثر من ربع المشرعين الديموقراطيين، أي أكثر من 60 عضوا من أصل 232 من الغرفتين، من بينهم بعض الأسماء اللامعة مثل السناتور عن ولاية ماساشوستس اليزابيث وارن. ومن لم يقاطع من المشرعين الديموقراطيين وحضر خطاب نتنياهو، خرج بعد انتهائه تجاه أقرب تجمع للصحافيين وأدلى بتصريحات تنوعت بين الهجوم على الخطاب وانتقاد أسلوب صاحبه.
وقالت رئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ دايان فاينستين ان «ما لم يقله (نتنياهو) هو ماذا يحصل في حال لم تحصل الاتفاقية» معتبرة ان رئيس حكومة إسرائيل «لم يقدم أي اقتراح حول ما قد توافق عليه إسرائيل، بل قال فقط لا نوافق، وقدم صورة أشياء رهيبة ممكن ان تحدث».
بدورها، قالت زعيمة الأقلية الديموقراطية في الكونغرس نانسي بيلوسي انها كادت ان تبكي لأنها «حزنت من الإهانة لذكاء الولايات المتحدة ومجموعة دول خمس زائد واحد»، ولأنه أحزنها أيضا «الاحتقار لمعرفتنا حول الخطر الذي تمثله إيران وتعهدنا حظر الانتشار النووي».
هكذا، أطلق خطاب نتنياهو أمام الكونغرس العنان المكبوت لطائفة كبيرة من اليسار الأميركي، فانفلتت المواقع الإعلامية التابعة لهم من عقالها، وراحت تشن هجمات شرسة ضد الحكومة الإسرائيلية الحالية، وتنعتها بقلة الوفاء. وشارك في حملة الحزب الديموقراطي ضد نتنياهو أعداء إسرائيل المعروفون، تصدرهم العرب، والمسلمون، والمؤيدون لإيران، وغيرهم.
ودق نتنياهو إسفين الخلاف بين إسرائيل والديموقراطيين، وفتح الباب – للمرة الأولى منذ قرابة النصف قرن – للمستائين من السياسيات الإسرائيلية لإبداء آرائهم السلبية علنا، التي يبدو انها بدأت مع الخطاب ولكن لا يبدو انها انتهت مع انتهائه.
إذا، غير المكاسب الانتخابية داخل إسرائيل، ليس مفهوما ما الذي سيجنيه نتنياهو من المواجهة مع أوباما والديموقراطيين، غير فتح أبواب انتقاد كانت موصدة حتى الأمس القريب.
وإذا كانت إسرائيل تواجه «تهديدا وجوديا» بسبب البرنامج النووي الإيراني وإمكانية التوصل الى «اتفاقية سيئة»، فهل من الحكمة لنتنياهو مواجهة هذا النوع من الخطر بشن مواجهة ضد رئيس أكثر الدول قربا الى إسرائيل بدلا من استجدائه لعدم التوقيع والقضاء على البرنامج المذكور بوسائل اخرى؟
اما الإجابة فيبدو انها تكمن في استطلاعات الرأي الإسرائيلية التي تشير الى ان حزب نتنياهو، الليكود، يعاني من تأخره ويحتاج الى دعم شعبي. الاستطلاعات نفسها تشير الى ان رأي الإسرائيليين بأوباما هو الأكثر سلبية من بين رؤساء اميركا عبر التاريخ، ما يعني انه حتى يجذب نتنياهو الأصوات، ما عليه الا خلق ازمة مع رئيس أميركا، غير المحبوب لدى الإسرائيليين، فيحصد اعجاب الناخبين واصواتهم، وهو ما حاول موقعه الانتخابي فعله عبر بث الخطاب مباشرة من الكونغرس وجمع عناوين المشاهدين لمراسلتهم.
ولكن حتى في حال عاد نتنياهو رئيسا للحكومة، كيف يعتقد انه يمكن ان يتعايش مع أوباما في السنة ونصف المتبقية من حكم الرئيس الأميركي، خصوصا في وقت تعاني إسرائيل «من اخطار وجودية» حسب تعبير رئيس حكومتها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق