| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
على الرغم من حملة التهويل التي يشنها الرئيس دونالد ترامب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإصراره بأنه فاز في الانتخابات الرئاسية على منافسه الديموقراطي جو بايدن، إلا أن الوقائع على الأرض تثبت ما هو عكس ذلك، إذ إن حملة ترامب الرئاسية رفعت 17 دعوى قضائية في الولايات الخمسة التي تأخرت عملية الفرز والعدّ فيها، وخسرت خمس دعاوى، وانسحبت على أثر خساراتها من ولايات نيفادا واريزونا وجورجيا، وأكملت مواجهاتها في ميتشيغن و خصوصاً بنسلفانيا.
على أن الولايات الثلاثة التي تراجعت منها حملة ترامب، كانت كافية لتثبيت الأصوات الانتخابية الـ 270 التي يحتاجها بايدن لرئاسته، وهو ما يجعل من نتائج المواجهات القضائية المتبقية في ميتشيغن وبنسلفانيا - حتى لو قلب نتائج القضاء لمصلحة لترامب وهو أمر غير محتمل - مواجهات بلا تأثير على فوز بايدن وخسارة ترامب.
وانتقال السلطة من رئيس لخلفه في الولايات المتحدة عملية لا تتطلب اعتراف الرئيس الحاكم بنتائج الانتخابات ولا تنازله لمنافسه، بل هي عملية تسير من تلقاء نفسها بإشراف مجالس انتخابية محلية وحكومات الولايات الخمسين، من دون أن يكون للحكومة الفيديرالية القدرة على وقفها أو قلب نتائجها، بل أن أقصى ما يمكن للرئيس الأميركي فعله هو أن تقوم حملته الانتخابية بتقديم دعاوى أمام المحاكم للطعن في عملية الفرز أو العد، بصفته مرشح، على أمل أن تقوم المحاكم بإبطال عدد كافٍ من أصوات منافسه لقلب النتائج، وهو ما لم يسبق حصوله في التاريخ الأميركي، ومن غير المتوقع حصوله اليوم.
ومع حلول الرابع عشر من ديسمبر المقبل، تلتئم الوفود من الولايات الخمسين في المجمّع الانتخابي. ويتم اختيار كل وفد حزبي بحسب حزب الرئيس الفائز في الولاية. ويدلي أعضاء الوفود بأصوات ولاياتهم، فيتم تثبيت الرئيس المنتخب دستورياً. ويمنح الدستور الرئيس الحاكم، في حال خسارته الانتخابات، مهلة شهر لاخلاء البيت الأبيض.
في هذه الحالة، تنتهي الصلاحية الدستورية لترامب منتصف يوم 20 يناير، وهو الوقت نفسه الذي يكون الرئيس المنتخب بايدن قد فرغ من الادلاء بالقسم الدستوري، فيصبح رئيساً.
تقليدياً، يحضر الرئيس المنتخب إلى «بلير هاوس» المقابل للبيت الأبيض والمخصص لاستضافة زعماء الدول ممن يقومون زيارات رسمية، وهناك، يتم تلقين الرئيس الجديد «الشيفرة النووية» وإبطال شيفرة الرئيس السابق. ثم يعبر الرئيس المنتخب جادة بنسلفانيا إلى البيت الأبيض ويتناول وجبة الفطور مع الرئيس الحاكم، وينتقل الرجلان وزوجتيهما في السيارة الرئاسية الى مبنى الكابيتول، حيث يدلي المنتخب بالقسم الدستوري وينتهي من إدلائه مع حلول منتصف اليوم.
في تلك اللحظة، تتلاشى صلاحيات ترامب ويصبح بايدن الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة. ثم تقلّ الطائرة الرئاسية ترامب الى منزله الخاص، وتنقل السيارة الرئاسية بايدن من مبنى الكونغرس الى البيت الأبيض، عبر جادة بنسلفانيا، حيث يرتجل الرئيس من السيارة ويمشي قليلاً ليحيي المؤيدين، وينتهي به المطاف في البيت الأبيض، الذي يدخله رئيساً.
وإن واصل ترامب عملية رفضه التنازل والمشاركة في مراسم انتقال السلطة، يمكنه البقاء في البيت الأبيض حتى إدلاء بايدن قسمه الدستوري. في تلك اللحظة، يعتبر «الحرس السري» المولج حماية الرؤساء أن الرئيس السابق صار مواطناً عادياً وشخصاً دخيلاً في البيت الأبيض، ويتم إخراجه عنوة. إما السيناريو الأكثر توقعاً، فهو أن يقوم ترامب بمغادرة البيت الأبيض قبل موعد انتهاء صلاحياته بساعات، أو ربما بأيام قليلة.
ترامب يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات في الولايات الخمسة التي خسرها لمصلحة بايدن، أي بنسلفانيا وميتشيغن وأريزونا ونيفادا وجورجيا، مع تلويحه بالذهاب الى القضاء في ولاية ويسكونسن.
وقامت الحملة الجمهورية برفع 17 دعوى قضائية في الولايات الخمسة، بحجة حرمان المراقبين التابعين لها من دخول مراكز الفرز والعد، وبحجة قيام هيئات الفرز باحتساب أصوات غير قانونية، خصوصا عبر البريد، وصلت بعد موعد إغلاق الصناديق، أو أوراق مخالفة بحجج مختلفة، مثل عدم تطابق توقيع الناخب مع توقيعه الموجود في سجلّات حكومة الولاية.
وفي حال حكمت أي محكمة بوجود مخالفات، يمكنها إصدار حكم يمنع حكومة الولاية من المصادقة على النتائج النهائية، وهو ما يؤخر تعيين وفد المجمّع الانتخابي، وتالياً لا تتوفر الأصوات الـ 270 المطلوبة للمصادقة على رئاسة بايدن في جلسة المجمّع الانتخابي.
وتتنوع مواعيد المصادقة على النتائج في الولايات، إلا أن الولايات الخمسة التي ينازع ترامب عليها قضائياً، فمواعيد المصادقة فيها هي يوم غد الجمعة في جورجيا، ويوم الاثنين في كل من بنسلفانيا وميتشيغن، والثلاثين من نوفمبر في اريزونا، والأول من ديسمبر في نيفادا.
ونظرياً، مازال ترامب قادراً على التشكّي قضائياً في هذه الولايات حتى آخر لحظة قبل اقرارها النتائج، لكن انسحاب الرئيس من الولايات الثلاثة يشي بادراكه باستحالة فوزه فيها، وتالياً حتمية تثبيت فوز بايدن.
شكوى ترامب المتبقية في ميتشيغن تتمحور حول مقاطعة واين، التي تقع فيها مدينتي ديترويت، الأكبر في الولاية والتي يسكنها 83 في المئة من الأفارقة الأميركيين المؤيدين تقليدياً للديموقراطيين وبايدن، ومدينة ديربورن، التي يسكنها 20 ألف ناخب عربي اقترعوا بنسبة 80 في المئة لبايدن.
واحتجاج ترامب على نتائج مقاطعة واين يشبه احتجاجاته في الولايات الاخرى، والتي خسر معظمها حتى الآن، وهي تطلب شطب آلاف الأصوات بحجة عدم شرعيتها.
وكان بايدن تفوق على ترامب بواقع 323 ألف صوت في هذه المقاطعة. وتفوق المرشح الديموقراطي على الرئيس الجمهوري بواقع 150 ألف صوت في عموم الولاية. هذا يعني أنه لو حكمت أي محكمة بتجميد نتائج واين كاونتي، يمكن تعطيل المصادقة على نتائج الولاية.
أما شكاوى ترامب الثمانية المتبقية في بنسلفانيا، فبتهم مشابهة لبقية الولايات، رغم أن فوزه فيها لا يؤثر في موضوع خسارته السباق.
ورغم أن خسارته قاربت أن تصبح ناجزة قانونياً مع مصادقة حكومات الولايات الخمسة على نتائجها تباعاً وخسارة ترامب المعارك القانونية، في ولايات كافية لعرقلة انتصار بايدن، من المستبعد أن يرضخ ترامب أو أن يعلن قبوله نتائج الانتخابات، والسبب أنه ينوي الترشح في 2024، وأي اعتراف بالخسارة يجعله فريسة منافسيه المرشحين الجمهوريين أثناء الانتخابات التمهيدية داخل الحزب.
لذا، من المتوقع أن يواصل ترامب إصراره على أنه الفائز، وأن مؤامرة سرقت منه ومن أنصاره الانتخابات، وسيعود الى البيت الأبيض للانتقام. ومع اقتراب موعد نهاية صلاحياته الدستورية، يخرج ترامب من البيت الأبيض بعيداً عن الأضواء، ويواصل تغريداته وهجماته على بايدن والمؤامرة التي يزعمها.
وآمال ترامب في قلب النتائج في المحاكم كانت متدنية أصلاً، وتشير دراسة صادرة عن مركز أبحاث «الصوت العادل»، أنه بين 2000 و2015، تم تقديم 27 حالة طعن في 4687 سباقاً انتخابياً في عموم البلاد، أدت ثلاثة منها فقط الى تغيير نتيجة انتخابات حاكم ولاية واشنطن في 2004، وقلب انتخابات مقعد أمين السر في حكومة ولاية فيرمونت في 2006، ومقعد مجلس الشيوخ في ولاية مينيسوتا في 2008.
وبلغ معدّل تحوّل الأصوات في عملية إعادة العد 282 صوتاً فقط، أي ما نسبته 0.019 في المئة من إجمالي الأصوات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق