| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
قبل نحو 70 يوماً من موعد انتهاء صلاحياته الدستورية، يدأب الرئيس دونالد ترامب ومناصروه على تصوير تسلسل الأمور بشكل يوحي وكأنه باقٍ في الرئاسة إلى أن تثبت المحاكم العكس، وغرّد أمس، معلناً تحقيق «تقدم كبير» في المعركة من أجل فرز الأصوات، واعداً بالنتائج الأسبوع المقبل.
لكن الواقع غير ذلك، إذ حسب القوانين الأميركية، يلتئم «المجمّع الانتخابي» يوم 14 ديسمبر، وينتخب كل وفد حسب النتائج التي صادقت عليها حكومة ولايته، يلي ذلك تصويت رمزي في الكونغرس للمصادقة على النتائج. وبعد المصادقة على انتخاب جو بايدن، الذي تظهر النتائج غير الرسمية أن مجموع الأصوات التي سيحصل عليها بعد مصادقة حكومات الولايات على النتائج سيتعدى الـ 270 المطلوبة، ينص الدستور على أن صلاحية ترامب تنتهي منتصف 20 يناير، في اللحظة التي يدلي فيها الرئيس المنتخب، بالقسم الدستوري.
ودأبت العادة أن يحضر الرئيس المنتخب صباح 20 يناير إلى «بيت بلير»، المقابل للبيت الأبيض والذي ينزل فيه رؤساء الدول أثناء زياراتهم الرسمية لواشنطن، فيزوده كبار مسؤولي البنتاغون بـ«الشيفرة النووية»، وينتقل بعدها مع زوجته إلى البيت الأبيض لتناول طعام الفطور مع الرئيس والسيدة الأولى، ثم يتوجه الأربعة معاً إلى مبنى كابيتول هيل حيث تجري مراسم القسم.
ومع حلول الظهر، يخسر الرئيس صلاحياته الدستورية ويتحول إلى مواطن عادي، ويعود من الكابيتول هيل، الرئيس الجديد وزوجته، إلى المكتب البيضاوي ليجد - تقليدياً - رسالة من الرئيس السابق عبارة عن صفحة مكتوبة بخط اليد ومتروكة على المكتب الرئاسي.
ومن غير المرجح أن يشارك ترامب بأي من مراسيم انتقال السلطة، إذ هو في الغالب سيتمسك برواية التزوير الانتخابية التي حرمته ولاية ثانية، وسيتمسك بمحاولات وقف عملية انتقال السلطة، أولاً أمام المحاكم للطعن بنتائج الانتخابات ومحاولة نقضها وتغييرها لمصلحته، وثانيها التعبئة الشعبية عبر منصات وسائل التواصل لإثارة فوضى وبلبلة تحمل أركان الدولة على عدم تجاوزه، وثالثها - على ما يبدو - محاولة الاستعانة بالجيش لفرض بقائه في الحكم، وهي المحاولة التي أدت لخروج وزير الدفاع مارك إسبر من الحكم، ليل الاثنين، مستخدماً على ما يبدو الأسابيع الأخيرة في السلطة في تصفيات الحسابات داخل إدارته.
وقال ترامب على «تويتر»: «تم إنهاء خدمة مارك إسبر. يسعدني أن أعلن أن كريستوفر ميلر، مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب والذي يحظى باحترام واسع، سيكون القائم بأعمال وزير الدفاع بأثر فوري».
لكن تعيين وزير دفاع بالوكالة، يضعف من قدرة ترامب على اتخاذ قرارات كبيرة من التي يبدو أنه يسعى إليها لفرض بقائه في الحكم.
من ناحيته، أعطى وزير العدل بيل بار موافقته على إجراء تحقيقات حول احتمال حصول مخالفات في انتخابات الثالث من نوفمبر.وشدد على أن هذا الإذن الموجه إلى المدعين العامين الفيديراليين لا يشير إلى أن وزارته تملك أدلة حول وجود عمليات تزوير فعلية.
وبعد إصدار بار لهذه الأوامر، أعلن المسؤول عن الدائرة المكلفة الجرائم الانتخابية ريتشارد بيلغر، استقالته من منصبه.
لكن لا تبدو فرص ترامب في الطعن بنتائج الانتخابات، في المحاكم، كبيرة، وهو لم يرفع حتى الآن قضايا مرفقة بدلائل دامغة، بل بإشاعات عن التزوير، وروايات تظهر أن مطلقيها لا يعرفون كيفية سير النظام الانتخابي، أو يعرفون ويحاولون التضليل.
ترامب يعترض على الاقتراع بالبريد، مشيراً إلى أنه يمكن لأي شخص أن يرسل أصواتاً وهمية بدلاً من التصويت شخصياً، لكنّ الأميركيين، الذين يذهبون إلى مراكز الاقتراع على الأقل مرّة كل سنتين، يعرفون أن التزوير أصعب عبر البريد منه شخصيا، فالتصويت البريدي يشترط أن يقوم الناخب بطلب ورقة الاقتراع من حكومة الولاية، وأن يرفق برقم الضمان الوطني، ورقم الهوية أو إجازة القيادة. ثم تقوم حكومة الولاية بإرسال ورقة الاقتراع باسم الناخب إلى عنوان بيته، فيقوم الناخب باختيار المرشحين، ويوقع إفادة عدم تزوير، ويضع الوثائق داخل الظرف الذي أُرسل إليه ، ثم إما يسقط الظرف في صناديق حكومية تعود للولاية، أو في صناديق البريد، وهو وكالة حكومية فيديرالية.
أما التصويت شخصياً، فلا يحتاج فيه الناخب إلى إبراز بطاقة هويته، بل يكتفي بإعطاء اسمه وعنوانه إلى مأمور القلم، الذي يطالع السجلات، فإن وجد الاسم والعنوان، يسمح للناخب بالاقتراع.
وعادة يصوّت الجمهوريون شخصياً بكثافة أكثر. هذه السنة، وبسبب وباء كورونا المستجد، لجأ الديموقراطيون إلى الانتخاب البريدي، ما جعل عملية التصويت أسهل، فارتفع عدد من أدلوا بأصواتهم إلى مستويات تاريخية.
ولأن الحزب الديموقراطي أكبر وأكثر عدداً من نظيره الجمهوري، تؤدي الزيادة في الانتخاب إلى فوز الديموقراطيين، وهو ما تحسّب له ترامب، فاستبدل مدير البريد بموالٍ له، حاول تأخير نقل الأصوات إلى ما بعد انقضاء موعد قبولها في مراكز الفرز، فثارت ثائرة الديموقراطيين، فتراجع المدير عن تغييراته، وأدى التصويت لانتصار بايدن على ترامب.
ترامب الآن يحاول تصوير الاقتراع الشخصي على أنه «أصوات شرعية»، والبريدي على أنه «أصوات غير شرعية»، ويسعى لإقناع الأميركيين والمحاكم بذلك، وهو إن نجح، يشطب أصوات البريد، ويفوز بولاية ثانية.
لكن لا الأميركيين ولا محاكمهم يصدّقون ترامب، إذ أن الأميركيين معتادون على الاقتراع كل سنتين، بما في ذلك عبر البريد، ولا ترى غالبيتهم المشكلة التي يحاول الرئيس إثارتها، كذلك لا ترى المحاكم مشكلة، ما يعني أن حظوظه في تفصيل نتائج على قياسه شبه منعدمة.
بعض الجمهوريين، من أمثال الرئيس السابق جورج بوش الابن والسيناتور والمرشح السابق للرئاسة ميت رومني، قبلوا النتائج وهنأوا بايدن، لكن البعض الآخر ما زالوا يخشون أن يؤدي سيرهم ضد ترامب إلى خسارتهم شعبياً، فيلتزمون الصمت، أو يدلون بتصريحات مبهمة يحاولون الإيحاء فيها أنهم يقفون إلى جانب ترامب، فيما هم فعلياً لا يقولون ذلك، مثل زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل، الذي قال إن طلب ترامب إعادة العد والذهاب إلى المحاكم «في صلب حقوقه».
وأردف ماكونيل أن النظام الأميركي قادر على حل هذه المشاكل. لكن السيناتور لم يتلفظ بكلمة تزوير أو أصوات مزيفة، وهو ما يعكس افتراقه الضمني عن ترامب، وربما مراهنته أن مرور الوقت ليس في مصلحة الرئيس.
حظوظ ترامب في البقاء لولاية ثانية شبه منعدمة، كما حظوظ اعترافه بخسارته، وهو ما يعني أن الرئيس الأميركي سيتمسك بروايته الخرافية. لكن هذه الضوضاء لا تغير في سير العملية الانتقالية، وهو ما يعني أنه مع حلول 20 يناير، سيخرج ترامب من البيت الأبيض، وقد يخرج خلسة من الباب الخلفي، ويعود إلى كونه مواطناً عادياً، لكنه مواطن يصرّ على أنه فاز في انتخابات العام 2020، حتى لو أن «فوزه المزعوم» لم يمنحه ولاية ثانية بسبب كثرة التآمر المفترض ضده!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق