واشنطن - من حسين عبدالحسين
قام الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب بالتسريب للإعلاميين، أنه ينوي تعيين أنتوني بلينكن وزيراً للخارجية، وميشيل فلورنوي وزيرة للدفاع، وجايك سوليفان مستشاراً للأمن القومي، بينما أكد جو بايدن عبر «تويتر»، انه «سيكون رئيساً لا يرى ولايات زرقاء أو حمراء».
وإن صحت التسريبات، فهي تشي بأن بايدن لن يواصل سياسة باراك أوباما الخارجية، التي كان يديرها الحمائم المؤيدون لـ «تسوية كبرى» مع إيران، بل ينوي الانقلاب على سياسة الرئيس الديموقراطي الأسبق، واستبدالها بسياسة يقودها «الصقور».وسبق لبلينكن أن عمل رئيساً للموظفين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ حين كان بايدن رئيسها بين 2006 و2008. يومها، كان المرشح الديموقراطي للرئاسة السيناتور أوباما يعاني من ضعف في تجربته في السياسة الخارجية، خصوصاً أمام مرشح مخضرم في شؤون الدفاع والخارجية مثل منافسه الجمهوري السيناتور الراحل جون ماكين. ولتغطية ضعفه، قام بترشيح بايدن كنائب رئيس. وكان سبق لبايدن الديموقراطي أن عمل مع ماكين الجمهوري على شؤون السياسة الخارجية، وهكذا نجح أوباما في تفادي موضوع تفوق ماكين عليه في شؤون الخارجية والدفاع وابان انخراط بايدن في حملة أوباما الرئاسية الأولى، انخرط معه بلينكن، وبعد فوز أوباما، عيّن بايدن، بلينكن مستشاره لشؤون الأمن القومي. وقام أوباما بتسليم ملف العراق لبايدن مع هدف سحب القوات، فصار بلينكن فعليا هو أعلى مسؤول يدير الملف العراقي في العاصمة الأميركية.
لكن بلينكن لم يكن حراً في خياراته، اذ إن السياسة كانت تأتي من أوباما، الذي أمر بلينكن بالتمسك بورثة سلفه جورج بوش الابن في العراق، أي رئيس الحكومة السابق نوري المالكي. ورغم امتعاض بايدن وبلينكن من المالكي، مضى الرجلان في تسويقه على أنه «شخصية مستقلة عن ايران»، والدليل رفضه طلب طهران الانضمام الى لائحة شيعية موحدة لانتخابات مجلس النواب، وقيامه بالحاق الهزيمة بلائحة الشيعة العراقيين المؤيدين لايران.
ومن المبررات التي ساقها بلينكن يومذاك، أن الولايات المتحدة والعالم كانا يسعيان لاخراج ايران من السوق النفطية، وأن واشنطن بحاجة لأن يضخ المالكي، النفط العراقي لاستبدال الايراني من دون رفع السعر عالميا.
لكن تجربة التزام المالكي والانسحاب من العراق في نهاية العام 2011، التي فرضها أوباما، ما لبثت أن انهارت في يونيو 2014 بعدما تبين أن فساد حكومة المالكي أدى لانهيار الجيش العراقي في الموصل وسقوطها بأيدي تنظيم «داعش». وقتذاك، برز بايدن وبلينكن مجدداً كصقور ممن عارضوا سياسة أوباما بالانسحاب والركون الى المالكي، ورددوا العبارة المعروفة لفريق أوباما «قلنا لكم ولم تسمعونا».
وفي الولاية الثانية لأوباما في 2012، انتقل بلينكن من مكتب نائب الرئيس ليصبح عضواً في مجلس الأمن القومي. وكانت الكيمياء بين أوباما وبلينكن، مفقودة منذ ما قبل انهيار جيش المالكي أمام «داعش» بسنتين، اذ بعدما ركن أوباما البوارج الحربية الأميركية أمام الشواطئ السورية لضرب نظام الرئيس بشار الأسد على اثر مجزرة غوطة دمشق الكيماوية، تراجع الرئيس الأميركي السابق عن «خطوطه الحمر» التي كان رسمها للأسد، وسكت كل أركان ادارته عن التراجع، باستثناء بلينكن، الذي علا صوته في الاجتماع، وقال متوجهاً لأوباماً بعبارته التي ذاعت على كل لسان في العاصمة الأميركية «القوة العظمى لا تُخادع».
وبسبب موقفه وصعود الفريق الموالي لأوباما ولسياسة الانفتاح على ايران، خبت الكيمياء بين بلينكن وجناح سوزان رايس وروبرت مالي وفيليب غوردن، وهو الجناح الذي دفع للوصول للاتفاقية النووية مع ايران، والذي دعا لإعادة العلاقات مع الأسد بحجة أن هذا هو الخيار الوحيد المتاح في سورية.
وكان مالي وغوردن جددا، في مقالة في صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أسبوعين، دعوتهما بايدن، لا الى العودة للاتفاقية النووية فورا فحسب، بل الى رفع كل العقوبات التي فرضها ترامب على طهران بتهم رعاية الارهاب أو تجاوز حقوق الإنسان، بما فيها التي لا ترتبط بالملف النووي.
وفي أيام أوباما الأخيرة، تم «نفي» بلينكن من مجلس الأمن القومي وتعيينه تعييناً سياسياً، أي شبه رمزي، كمساعد لوزير الخارجية جون كيري.
وان صدقت التسريبات أن فلورنوي ستكون وزيرة دفاع بايدن، فإن ذلك سيعزز من «قوة الصقور» في السياسة الأميركية.
وفي مارس الماضي، في ندوة عبر الإنترنت استضاف فيها «مركز أبحاث هادسون» فلورنوي، التي سبق أن عملت في قيادة وزارة الدفاع، أعربت المسؤولة السابقة عن معارضتها لرفع العقوبات عن النظام الايراني، مع تمسكها بوجوب اصدار استثناءات للحاجات الانسانية، مثل الدواء ومستلزمات مكافحة وباء فيروس كورونا المستجد.
وقالت: «لا أعتقد أنه يجب علينا رفع العقوبات عن النظام (الايراني) بالنظر إلى سلوكه السيئ المستمر، واستمراره في استهداف الأميركيين في العراق وما إلى ذلك».
أما سوليفان، فهو ورث منصب بلينكن في 2012 وعمل مستشاراً للأمن القومي لبايدن في ولايته الثانية نائباً للرئيس. وأوفد البيت الأبيض، سوليفان، الى جانب وكيل وزير الخارجية السابق بيل بيرنز، الى مسقط، حيث أجريا المفاوضات السرية مع الايرانيين والتي أدت للتوصل للاتفاقية النووية في اكتوبر 2015.
وقامت بين الرجلين علاقة صداقة. ومنذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى السلطة واعلانه نيته الانسحاب من الاتفاقية، نشر المسؤولان السابقان مقالات متعددة دعيا فيها للبقاء في الاتفاقية، وحذرا من أن عقوبات أميركية احادية قد لا تؤثر في الاقتصاد الايراني.
لكن الرجلين أعجبتهما قوة العقوبات في ما بعد. وورد في آخر مقالة نشراها معا أن «على ايران ألا تتوقع عودة أميركية تلقائية الى الاتفاقية النووية من دون مفاوضات».
وبما أن طهران سبق أن أعلنت أنها لن تفاوض قبل رفع أميركا العقوبات بالكامل والعودة الى مطلع 2016، هذا يعني أن عودة أميركا معقدة، خصوصا أن واشنطن اليوم لا ترى نفسها أمام ضغط تخصيب ايراني لليورانيوم كما في 2015، اذ ان الايرانيين يلتزمون عدم تجاوز الاتفاقية خوفا من خسارتهم الأوروبيين وروسيا والصين، وهو ما يعني أن أميركا يمكنها مواصلة العقوبات من دون خوف انفلات موضوع التخصيب الايراني.
ومع نهاية عهد أوباما ونائبه بايدن، عينت وزير الخارجية السابقة والمرشحة الديموقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، سوليفان مسؤولاً للسياسة الخارجية في حملتها الرئاسية، وهو المنصب نفسه الذي منحه المرشح للرئاسة بايدن، لسوليفان.
وكان متوقعاً أن كلينتون، ومعها سوليفان، سينتهجان سياسة خارجية أقرب الى «الصقور»، حتى لو التزما الاتفاقية النووية. لكن بما أن ترامب أخرج أميركا من الاتفاقية، لا داعي للاعتقاد أن سوليفان سيدفع للعودة إليها مع تسلم بايدن مهامه.
في السياق، نقلت وسائل إعلام، عن مصادر قريبة من بايدن، أنه من المتوقع أن يعين ليندا توماس غرينفيلد سفيرة لدى الأمم المتحدة.
وأورد موقع «أكسيوس» الإلكتروني ان تعيين غرينفيلد، وهي امرأة سوداء شغلت منصبا ديبلوماسياً رفيعاً في إدارة أوباما، يهدف إلى رفع الروح المعنوية والمساعدة في الوفاء بتعهد بايدن باختيار حكومة متنوعة.
وعملت غرينفيلد مساعدة لوزير الخارجية لشؤون أفريقيا في عهد أوباما من 2013 حتى 2017. وقادت السياسة الأميركية تجاه أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء خلال أحداث عصيبة مثل تفشي فيروس إيبولا على نطاق واسع في غرب أفريقيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق