واشنطن - من حسين عبدالحسين
يبدو أن الوساطات التي وظفتها إسرائيل لانهاء عمليات اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على البلدات الإسرائيلية أثمرت العودة الى الهدنة التي كانت سائدة قبل قيام الفصائل الفلسطينية بشن «حرب صغيرة» عليها. وساهمت في الهدنة قنوات متعددة، منها الأمم المتحدة، التي كانت الحكومة الإسرائيلية حمّلتها انذاراً شديد اللهجة لفصائل غزة. كما ساهمت في الوساطات كل من العاصمة الأميركية، وعواصم إقليمية وعربية وخليجية، خصوصاً منها التي تتمتع بعلاقات ونفوذ لدى حركة «حماس» الفلسطينية.
وتنقل المصادر الأميركية عن المسؤولين الإسرائيليين اعتقادهم أن «حماس» لا ترغب في تصعيد يصل الى حرب كاملة، وتعرف أن إسرائيل ترغب في تفادي الحرب كذلك. لذا، عمدت الحركة الفلسطينية، التي تحكم غزة، الى اطلاق أقل من 50 صاروخاً على مدى ثلاث ليالٍ، في استعراض بدا أكثر للاستهلاك الإعلامي منه ليكون حرباً حقيقية.
ولم تؤد صواريخ الفصائل الى وقوع ضحايا في الأرواح، ولا الى أضرار مادية تذكر، بل اقتصرت عواقبها على انطلاق صافرات الانذار، والتوتر لدى بعض الإسرائيليين ممن اضطروا للجوء الى الملاجئ.
وأشار المسؤولون الإسرائيليون الى تصريحات أدلى بها قائد الحرس الثوري الايراني حسين سلامي في مقابلة مع قناة تلفزيونية لبنانية موالية لايران، أن «في الأيام الماضية شاهدتم كيف أن أعمالهم الشريرة لم تبق من دون رد، وكيف وقعت بعض الأحداث داخل الأراضي المحتلة، وبكل تأكيد فإن هذه الأحداث قد تتكرر وتتوسع لاحقاً».
وربط سلامي بين اطلاق الصواريخ في غزة وما أسماها أعمال إسرائيل «الشريرة»، في الغالب في اشارة منه الى التفجير الذي طال منشأة ناتانز النووية. وتصريح سلامي جاء بعد أيام على إشادة وسائل الاعلام العربية الموالية لطهران، بالصاروخ الذي انطلق من الأراضي السورية، وانفجر على بعد 30 كيلومتراً من منشأة إسرائيل النووية في ديمونا الجنوبية.
ودأب الموالون لنظام «الجمهورية الاسلامية» على الاشارة الى أن الصاروخ السوري كان بمثابة رد محور إيران على تفجير ناتانز. بعد ذلك، أضاف سلامي، صواريخ غزة الى لائحة «الردود» الإيرانية.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن نظراءهم الإسرائيليين لا يعتقدون أن «حماس» تنوي الانخراط في حرب«لا سقف لها»، وأن«استعراض الصواريخ هو على الأرجح لارضاء الايرانيين الذين طالبوا بذلك».
كما أبلغ الإسرائيليون، الأميركيين، أن أي حرب في غزة«لا أفق لها»، وأن أقصى ما يمكن لتل أبيب فعله هو الحاق الأذى بمواقع عسكرية تابعة لـ«حماس»وانزال عقاب بالفصائل الفلسطينية، لكن أي عقاب لن يغير الكثير على أرض الواقع، وسيجعل من أي حرب جولة جديدة من المواجهة، ويحتم أن تكون نهايتها العودة الى الهدنة بين الطرفين، على غرار المواجهات العسكرية السابقة.
في سياق متصل، صار من شبه المؤكد في أوساط العاصمة الأميركية أن الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس سيعلن تأجيل الانتخابات الى موعد يتم الاعلان عنه في وقت لاحق. ويتوقع المتابعون أن يأتي الاعلان يوم غد.
وكانت واشنطن أبلغت عبّاس، سراً وعلنا، أنها لن تعلّق على أي قرار يتخذه في شأن الانتخابات، ان قرر المضي في اقامتها أو تأجيلها. وكررت ان الانتخابات هي شأن داخلي، وبذلك، افترقت ادارة الرئيس جو بايدن عن سابقاتها التي دعمت معظمها اجراء الانتخابات على أنواعها في عموم دول العالم، بغض النظر عن هوية الفائز.
في الحالة الفلسطينية، تشير الاستطلاعات الى أن كتلة«فتح»ستجني أصواتا ومقاعد أكثر من كتلة«حماس»، لكن المشكلة تكمن في أن«كتلة فتح»منقسمة الى لوائح متنافسة، واحدة بقيادة عباس واثنتين تنافسانها، واحدة يقودها ناصر القدوة، ابن شقيق الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتشترك معه فيه فدوى، زوجة مروان البرغوثي - الأسير لدى إسرائيل بسبب تورطه في الانتفاضة الثانية، وهو يتفوق على كل السياسيين البقيةن في شعبيته - والثانية يقودها كل من محمد دحلان وساري نسيبة.
ومن المتوقع أن تحصد كل من هذه اللوائح، كتلا انتخابية بأحجام متفاوتة، يشكل مجموعها اكثر من نصف مقاعد المجلس التشريعي، الـ 132. الا أن هذه الكتل المعارضة لـ«حماس»لا تتفق في ما بينها، ما يسمح لها بالفوز بالكتلة الأكبر، وهو ما يقلق عواصم العالم، خصوصاً منها التي تموّل موازنة السلطة الفلسطينية، مثل واشنطن.
وتصنّف واشنطن«حماس»كتنظيم إرهابي، وهو ما من شأنه أن يؤدي لحرمان السلطة الفلسطينية من أي أموال أميركية في حال فوز الحركة الإسلامية بالانتخابات وسيطرتها على السلطة في الضفة الغربية، كما في غزة.
ولتفادي هذا المأزق، وعدت عواصم العالم بالتغاضي عن قيام عبّاس بتأجيل الانتخابات وابقاء الوضع كما هو عليه، وهو ما أثار حفيظة«حماس»وحلفائها في الأراضي الفلسطينية وفي الاقليم.
ومن المتوقع أن يشير عبّاس الى منع إسرائيل، فلسطينيي القدس الشرقية من المشاركة في العملية الانتخابية، كسبب للتأجيل.
وقامت إسرائيل حتى الآن بتعطيل النشاطات الانتخابية التي حاولت بعض اللوائح الفلسطينية تنظيمها في القدس الشرقية. ويقول المسؤولون المحسوبون على عبّاس أنه لو أجرت السلطة الانتخابات من دون القدس، ما الذي يمنع إسرائيل من منع فلسطينيي «المنطقة جيم» في الضفة الغربية من المشاركة في الانتخابات المقبلة، وهكذا، تصبح الانتخابات الفلسطينية، تحت رحمة إسرائيل.
إسرائيل، بدورها، لا يبدو أنها تتحرج من القاء اللوم في تأجيل الانتخابات الفلسطينية عليها، اذ يجمع المراقبون الإسرائيليون على أن بقاء عباس و«فتح» في السلطة، وان من دون انتخابات، أفضل من تكرار سيناريو فوز«حماس» في الانتخابات الفلسطينية وتحويل الضفة الغربية الى قطاع غزة ثانٍ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق