واشنطن - من حسين عبدالحسين
تسهم مواقف حلفاء الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط في ضعضعة العلاقة، المهزوزة اصلا، بين واشنطن ودمشق، وتدفع اصحاب القرار الاميركي الى الاعتقاد بأن العقوبات الاقتصادية الاميركية باقية على سورية، وان «سياسة الانخراط»، التي تبنتها ادارة الرئيس باراك اوباما مطلع العام، اصبحت فارغة من اي معنى.
والحلفاء الثلاثة الذي يحضون الادارة الاميركية، باستمرار، على عدم الانفتاح على سورية، لا بل معاقبتها، هم اسرائيل والعراق ومصر. ولم تنفع عودة الحرارة الى العلاقات السعودية - السورية في تحسين الموقف السوري في عيون الاميركيين.
كذلك، غالبا ما يتحدث ابرز مسؤولي الادارة، عن الانفتاح الفرنسي على سورية بكثير من السخرية، اذ علق مسؤول رفيع المستوى على تصريح ادلى به وزير الخارجية برنارد كوشنير اثناء زيارته لدمشق، ذكر فيه ان مبعوث السلام جورج ميتشيل سيعود الى سورية.
وقال المسؤول الاميركي في مجلس خاص: «صار الفرنسيون يحددون مواعيد رحلات ميتشيل». كذلك سخر من الديبلوماسية الفرنسية مع سورية: «اعطاهم الفرنسيون (للسوريين) كل شيء من دون مقابل يذكر... اين ترسيم الحدود؟ واين الغاء المجلس السوري - اللبناني الاعلى؟ حتى السفارة السورية في بيروت من دون فائدة».
بيد ان انقلاب موقف حليفة اميركا الاولى في المنطقة، اي اسرائيل، كان له التأثير الاكبر في التخفيف من الاندفاعة الاميركية نحو سورية، التي شهدت ارسال 6 وفود اميركية مدنية وعسكرية رفيعة المستوى الى دمشق، من ضمنها زيارتان قام بهما ميتشيل.
اسرائيل، منذ بدء عملية السلام في العام 1991، ومنذ ما قبل توقيع رئيس الحكومة الراحل اسحق رابين اتفاقية اوسلو مع الفلسطينيين، وضعت نصب اعينها سيناريو «السلام مع سورية اولا»، حسب معظم الباحثين والديبلوماسيين السابقين الاميركيين.
ويكرر سفير اميركا السابق لدى اسرائيل مارتن انديك، وهو صاحب علاقات جيدة بكل من دمشق والدوحة، ان الحكومة الاسرائيلية ستحاول تفادي الضغط الاميركي عليها من اجل سلام مع الفلسطينيين بمحاولة التوصل الى سلام مع السوريين.
كما يلاحظ العارفون بشؤون العاصمة الاميركية، ان رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والسناتور الديموقراطي عن ولاية ماساتشوسيتس جون كيري، رمى بثقله خلف محاولة ابرام سلام اسرائيلي - سوري، ترافقه اعادة العلاقة بين واشنطن ودمشق الى حالتها ما قبل اغتيال رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في فبراير 2005.
الا ان الموقف الاسرائيلي انقلب تماما منذ انتخاب بنيامين نتنياهو، رئيسا لحكومة اسرائيل، حسب مصادر متابعة في العاصمة الاميركية.
وتهمس اوساط السياسة الاميركية، بالقول، ان السفير الاسرائيلي مايكل اورن، الذي تم تعيينه في يوليو في واشنطن، اقام مأدبة عشاء اخيرا في منزله، دعى اليها كيري وعقيلته، الا ان السناتور الديموقراطي ربط تلبيته الدعوة بتوجيه دعوة مماثلة الى السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى. هنا انتفض الاسرائيليون ورفضوا هذا الشرط، ثم ابلغ «اصدقاء اسرائيل» كيري ان صداقته بالدولة العبرية صارت في حكم المهتزة.
ولأن العلاقة المتوترة بين كيري و«انصار اسرائيل»، تقلق الاول، عمد في الفترة الاخيرة الى محاولة اصلاحها، فرفض استقبال نائب وزير الخارجية السوري، اثناء زيارة فيصل المقداد لواشنطن، مع ان وزارة الخارجية هي التي رتبت لقاءات المقداد. ولاحقا، قام كيري بالغاء خطاب كان ينوي القائه الاسبوع المقبل اثناء الاجتماع السنوي للوبي «جاي ستريت باك»، المعادي لـ «ايباك»، والمتمسك بسياسة «الانخراط مع سورية وحزب الله وحماس».
في هذه الاثناء، لفت انظار المراقبين الاميركيين محاضرة القاها احد كبار الصحافيين الاسرائيليين اثناء مؤتمر عقده احد مراكز الابحاث في عطلة نهاية الاسبوع الماضي. الصحافي هو عضو في حزب العمل ويتمتع بعلاقة وثيقة بزعيمه وزير الدفاع ايهود باراك، المناصر للسلام مع سورية اولا. الا انه اثناء محاضرته الاخيرة، قال ما يلي، «ان بشار الاسد يؤمن، على عكس والده، ان سياسة الممانعة ناجحة وتأتي بثمارها، لذا، فالسلام معه غير ممكن، وعلى اسرائيل ان تركز انظارها على السلام مع الفلسطينيين اولا».
حليف اميركا الثاني في المنطقة، العراق، اسهم هو ايضا في اطاحة الآمال السورية المعقودة على استعادة العلاقات مع واشنطن. ولأن اول التكتيكات السورية في مواجهة الاتهامات العراقية الموجهة اليها بالضلوع في تفجيرات 19 اغسطس في بغداد كان الادعاء بان رئيس حكومة العراق نوري المالكي يسعى الى «تسييس» الموضوع، فان الزخم الذي اعطته الاحزاب الكردية، حليفة اميركا الرئيسية في العراق، اسهم في دعم موقف المالكي واضعاف الموقف السوري في عيون المسؤولين الاميركيين.
وعلمت «الراي» ان الملف الذي قدمته بغداد للاميركيين، اثناء زيارة المالكي اول من امس، تضمن قرائن تشير الى تورط سوري في عدد كبير من التفجيرات في العراق، بما فيها عملية اغتيال رئيس مجلس الحكم السابق عز الدين سليم، وان الرد الاميركي للعراقيين جاء على الشكل التالي: «حتى لو لم تعثر اجهزة الاستخبارات على قرائن كافية تشير الى تورط سوري في تفجيرات 19 اغسطس، فان الاتجاه العام يشير الى تدفق مقاتلين من سورية الى العراق والى تورط سوري في عمليات عديدة اخرى، وهو ما سيقنع لجنة التحقيق ومجلس الامن بضرورة انشاء محكمة دولية خاصة بالعراق، تحت طائلة مسؤولية اثارة حفيظة العراقيين في حال اعترضت دول كبرى عليها».
اما حليفة اميركا الثالثة في المنطقة، اي مصر، فهي ما زالت - حسب المصادر الاميركية - على موقفها القائل بأن الاسد «لم يتعاون حتى اليوم في اي من المطالب التي قدمها العالم اليه، وفي طليعتها تسهيل سورية للمصالحة الفلسطينية او لقيام حكومة لبنانية، ما يجعل الانفتاح على النظام في سورية امراً مستبعداً».
وحدها الرياض قدمت يد العون الى الاسد. لكن حسب المصادر الاميركية، «للسعوديين علاقة خاصة مع الادارة الاميركية، لكن هذا لا يمنع التباين في بعض السياسات الخارجية، وهذا واضح في الاختلاف في بعض الرؤى بين واشنطن والرياض نحو سورية والعراق وعملية السلام ولبنان».
وتكرر المصادر ان «الاسد لم يحسن حتى اليوم تلقف الرسائل الاميركية نحوه، وهو يعتقد ان باستطاعته تكرار سيناريو العام 1991 عندما توصلت واشنطن ودمشق الى اتفاق اقليمي شامل». وتضيف: «المشكلة ان الاسد حاول استغلال زيارة كل وفد اميركي اليه اعلاميا للتباهي امام خصومه في لبنان والمنطقة، لكنه لم يتنبه الى ان في كل زيارة اميركية الى دمشق استهلاك للرصيد الذي سلفه اياه الرئيس اوباما على مسؤوليته من اجل فتح صفحة جديدة وبدء تعاون على اسس مختلفة عن الماضي».
وتقول المصادر ايضا: «حتى زيارة المقداد كانت مقررة قبل اسبوعين من حصولها، وحاولت سورية استغلالها اعلاميا، والسيد المقداد لم يصارح الاعلام ان ما سمعه في واشنطن كان لهجة شديدة في الكونغرس، ونقاط لم تتغير عما قاله المسؤولون الاميركيون اثناء زياراتهم لدمشق».
وتختم «ان الولايات المتحدة وافقت على سلسلة خطوات للحوار مع سورية، منها اعادة السفير، لكن السوريين لم يحسنوا التعامل مع الايجابية الاميركية، ما جعل مشروع الانفتاح يتعثر، ونحن لسنا في عجلة من امرنا لاعادة السفير، ولا للقيام بخطوات ايجابية اخرى، قبل ان نرى من السوريين افعالا لا اقوال».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق