بقلم حسين عبد الحسين – واشنطن
قبل نحو مئة يوم من انتخابات الكونغرس المقررة في 2 تشرين الثاني المقبل، يستمر نزيف الحزب الديموقراطي في مقابل مكاسب يحققها خصمه الجمهوري. وعلى الرغم من ان الصورة النهائية لم تكتمل بعد، الا ان اكثر التوقعات ترجح خسارة الديموقراطيين مجلس النواب وحفاظهم على مجلس الشيوخ، وهو ما سيفرض تعديلات على بعض سياسات الرئيس باراك اوباما.
يطلق على هذه الانتخابات تسمية "النصفية"، لا لأنه يتم انتخاب نصف الاعضاء، اذ ان الاميركيين سينتخبون اعضاء مجلس النواب كافة والبالغ عددهم 435، بالاضافة الى 34 من اصل 100 من الشيوخ. تسمية "النصفية" مردها الى ان موعد الانتخابات يأتي في منتصف ولاية الرئيس الاولى. هكذا، يحاول البعض تحويلها الى استفتاء على نسبة التأييد الشعبي للرئيس بعد سنتين على انتخابه.
في الارقام، يشغل الديموقراطيون حاليا 256 مقعدا، متقدمين بـ 77 مقعدا على الجمهوريين الذين يشغلون 179. اما في مجلس الشيوخ، فيتمتع الحزب الديموقراطي باكثرية 59 مقعدا، مخلفا وراءه 41 لغريمه الجمهوري.
في الاستطلاعات، يظهر حتى الان ان الديموقراطيين سيخسرون 30 مقعدا لمصلحة الجمهوريين، الذين يحتاجون بدورهم الى 39 مقعدا لاستعادة الاكثرية في مجلس النواب، التي خسروها في العام 2006 عندما امتطى الديموقراطيون الموجة الشعبية العارمة لمعارضة الحربين في العراق وافغانستان، ولتأييد اوباما، الذي بدا في اوجه زعيما ملهما للاميركيين وللعالم.
موجة اوباما انحسرت اليوم. الاستطلاعات تظهر تقهقر تأييده الشعبي. المراقبون يتوقعون ان تتدنى شعبية الديموقراطيين اكثر فيخسرون الـ 39 مقعدا، وتاليا الاكثرية، ومركز رئيس مجلس النواب، الذي تشغله نانسي بيلوسي.
وسيحاول الجمهوريون، الذين لا يتمتعون بشعبية كافية لكنهم يستفيدون من تململ شعبي من الديموقراطيين، إلحاق هزيمة بخصومهم في مجلس الشيوخ حيث يحتاج الحزب الجمهوري إلى اقتناص تسعة مقاعد لاستعادة الاكثرية، على ان الترجيحات تشير الى احتمال انتزاع الجمهوريين ستة مقاعد فيتقلص بذلك التفوق الاكثري الحالي للديموقراطيين.
الجمهوريون يدركون ان استعادة تسعة مقاعد، في انتخابات واحدة، هو امر بعيد المنال، وان يكن غير مستحيل. على انهم سيحاولون في كل الاحوال إلحاق ما يعتبرونه "هزيمة معنوية" بالديموقراطيين في مجلس الشيوخ، وهذه تكمن بإزاحة زعيم الاكثرية الحالية السناتور عن ولاية نيفادا هاري ريد المترنح شعبيا. ثم سيحاول الجمهوريون اقتناص المقعدين الذين كان يشغلهما كل من اوباما، في ولاية ايلينوي، ونائبهجو بايدن، في ولاية ديلاوير. وعلى الرغم من ان حظوظ المرشحين الديموقراطيين في هاتين الولايتين تحسنت أخيراً، الا ان الاستطلاعات ما زالت تشير الى تأخرهم.
خسارة الحزب الديموقراطي لمجلس النواب تمثل تكراراً لما واجهه الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي وصل الى البيت الابيض على ظهر موجة شعبية عارمة، اطلق عليها الخبير تشارلي كوك في حينه تسمية "تسونامي"، وساهمت في فوز حزبه بأكثرية الكونغرس. الا ان كلينتون، كما اوباما، لم تسعفه شعبيته المتهالكة بعد سنتين من انتخابه، اي في العام 1994، في الحفاظ على الاكثرية.
واذا ما تكرر سيناريو كلينتون، الذي فاز بولاية ثانية بسهولة في العام 1996، فان اوباما سيبقى في الحكم حتى 2016، حتى لو اقتنص الجمهوريون الاكثرية في تشرين الثاني المقبل، وحافظوا عليها او عززوها في انتخابات 2012.
وهناك اعتقاد سائد بأن خسارة الديموقراطيين للكونغرس تكون عموما من مصلحة اعادة انتخاب رئيسهم في 2012، اذ – على عكس اليوم – حيث يحمل الاميركيون الديموقراطيين المسؤولية كاملة عن تردي الاوضاع الاقتصادية، سوف ينال الجمهوريون نصيبهم من اللوم، في الانتخابات الرئاسية والتشريعية بعد عامين، في حال استعادتهم الاكثرية.
اما في اسباب الهزيمة المحتملة للديموقراطيين، يجمع الخبراء على ان استمرار الضعف الاقتصادي وزيادة العجز – وتاليا الدين العام – يشكلان السببين الرئيسيين للغضب الشعبي في وجه الحزب الديموقراطي.
ويقول الخبراء انه على الرغم من ان اوباما، والكونغرس الذي رافقه، قاما بتشريع اكبر عدد من القوانين للاصلاح الاقتصادي والاجتماعي في الخمسمئة يوم الاولى من حكم اوباما، الا ان الاميركيين ينتظرون تحسنا فوريا لاوضاعهم الاقتصادية، وذلك لم يحصل بالقياس الى ان نسبة البطالة ما زالت تقارب 10 في المئة.
المزاج الشعبي لا يعكس كثافة نشاط اوباما وكثرة القوانين التي سنها مع الكونغرس، خصوصا الاصلاحات في القطاعين الصحي والمالي، اذ من المتوقع ان تساهم هذه بنمو الاقتصاد الاميركي في الارباع الاربعة من العام 2011. كما يتوقع الخبراء من الحزبين ان تنخفض نسبة البطالة الى 8 ونصف في المئة مع نهاية العام المقبل، وهو ما سيضمن للرئيس الحالي ولاية ثانية. ولسوء حظ اوباما والديموقراطيين، فإن نتائج اصلاحاتهم لم تنعكس تحسنا في الاقتصاد بعد، وهو ما يعرضهم لخسارة اكثرية الكونغرس في تشرين الثاني.
اوباما، بدوره، يبدو انه عقد سلامه مع هزيمة ديموقراطية مرجحة، فهو انتصر في السنتين الاوليتين من حكمه في معارك تشريعية ضارية مع الجمهوريين لم تكن ممكنة لولا حيازته الاكثرية. ويقول مقربون من الفريق الرئاسي ان اوباما نجح بتمرير القوانين "الاكثر ثورية" و"اليسارية" في سني حكمه الاولى تحسبا من انقلاب المزاج الشعبي فيما بعد وخسارة الاكثرية.
اما وقد نجح الرئيس الاميركي في اقرار التشريعات اللازمة من اجل "عودة البلاد الى المسار الصحيح"، فهو مستعد الان "للحكم من الوسط"، وهذا سيكون له التأثير الاكبر في السياسة الخارجية لاوباما، وخصوصا ان فاز الجمهوريون بالاكثرية في الكونغرس. فاوباما، اثناء حملته الانتخابية، اجتاح العاصمة الاميركية بأفكار صنفها كثيرون في خانة "انعدام خبرته" خارجيا، منها فكرة ارساله لوزيري الخارجية والدفاع للقاء نظيريهما الايرانيين، ومباشرة الحوار مع سوريا وكوبا والدول الاخرى التي تصنفها واشنطن في خانة "غير الصديقة"، وتصنيفه المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية بـ" غير الشرعية" وطلب ايقاف تمددها.
لكن الواقع جاء مختلفا، فمهاجمة المستوطنات من دون الضغط على اسرائيل ادت الى نسف المفاوضات التي كانت تحصل قبلا على الرغم من النشاط الاستيطاني. اما طهران، فلم تتلقف اليد الاميركية، بل زادت من شروطها. بدورها، لم تقدم دمشق للرئيس الاميركي ما يمكنه استخدامه في مواجهة الجمهوريين في الكونغرس.
بعد اعادة تمركز اوباما الى الوسط، خرج رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو من اجتماعه الاخير في البيت الابيض وقد "حصل على كل ما يريده"، حسب المتابعين. اما في الملف الايراني، فعطلت طهران الحوار لتبدأ رحلة المواجهة الطويلة التي كانت اولى بوادرها عقوبات أممية واميركية واوروبية على القطاع النفطي الايراني. وفي الملف السوري، صار اقصى طموح اوباما اعادة ارساله السفير الى دمشق، وحتى هذا الطلب المتواضع، قد ينسفه الجمهوريون، وخصوصا ان استعادوا سطوتهم في الكونغرس.
(باحث عراقي)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق