«سورية مازالت في دائرة الاتهام في اغتيال رئيس حكومة لبنان السابق رفيق الحريري، ومن المستغرب ان تتصرف دمشق وحلفاؤها في لبنان وكأن القرار الظني او حكم المحكمة قد صدر فعلا، وانها خارجه». هذه هي الانطباعات الاولية لدى مصادر اميركية رفيعة، مكلفة متابعة ملف المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، حول الجدال القائم حاليا، في لبنان وسورية.
تقول المصادر الاميركية انها لاحظت «وجود حملة سورية منظمة، في بيروت وفي عواصم العالم، لاظهار وكأن القرار الظني في مقتل الحريري سيتهم حتما حزب الله وحده بارتكاب الجريمة». وتضيف: «نحن، كما السوريين واللبنانيين واطراف معنية اخرى، لا نعلم ما يجول في بال المدعي العام دانيال بيلمار، ربما يتهم دمشق وحزب الله معا، ربما احدهما، او ربما طرف ثالث».
وتؤكد المصادر الاميركية ان كل ما يثار عن «معرفة القرار الظني قبل صدوره هو محض تكهنات، بل حملات اعلامية سورية لبنانية تقصد استباق المحكمة لنسفها».
هذه المصادر المكلفة متابعة كل ما يتعلق بالمحكمة منذ ما قبل انشائها، «فالولايات المتحدة هي اكبر دولة مانحة لعمل المحكمة»، تقول: «كان هناك معارضة سورية لبنانية ضد التحقيق الدولي منذ يوم ارتكاب الجريمة، ثم ما لبثت دمشق ان شعرت ان عدم تعاونها مع العدالة الدولية سيضعها فورا في دائرة الاتهام، فتراجعت عن موقفها، وتعاونت الى حد ما، متأملة في ان يستطيع حلفاؤها، داخل لبنان، تعطيل العدالة».
وتضيف: «حاولت دمشق ولبنانيون، في البدء، مقايضة الموافقة السورية اللبنانية بقبول تحويل المحكمة الى جنائية، اي اسقاط صفة الارهاب عن الجريمة».
وكان مجلس الامن وصف الجريمة بالارهابية يوم ادانته لاغتيال الحريري في 14 فبراير 2005، وهو ما يلقي المسؤولية، لا على المنفذين والمخططين فحسب، بل على من ساهم في اتخاذ القرار السياسي في تصفية الحريري، «اي الحكومات والانظمة».
تقول المصادر: «عندما فشل السوريون وحلفاؤهم في تحويل المحكمة الى جنائية، عطلوا لبنان بالكامل، واقفلوا مجلس النواب، وذهبوا الى حروب محلية واقليمية، والى محاولة دفع حكومة (الرئيس فؤاد) السنيورة الى الانهيار، قبل ان يتوصلوا الى التهديد بالتصفية الجسدية المباشرة لمؤيدي العدالة في جريمة الحريري، كما حصل في مايو 2008».
وتتابع القول: «اقفال لبنان في وجه المحكمة كان خطأ ارتكبته سورية وحلفاؤها، اذ ان اقرار المحكمة بالفصل السابع للامم المتحدة، يعني انها خرجت تماما من ايدي السوريين واللبنانيين، حتى التمويل يستمر في حال توقف حكومة لبنان عن دفع الجزء المترتب عليها».
وتتذكر المصادر انه اثناء المفاوضات على اقرار المحكمة في مجلس الامن في صيف 2007، «عندما رأت سورية ان تعطيلها او نفي صفة الارهاب عنها بات امرا غير ممكن، حصلت دمشق عن طريق روسيا على تنازل قضى باستثناء رؤساء الدول من عمل المحكمة، «ما يعني ان (الرئيس السوري بشار) الاسد لن تطاله العدالة الدولية، حتى لو ثبت تورط نظامه».
بعد توقيع اتفاق الدوحة في صيف 2008، صار التكتيك السوري في مواجهة المحكمة مبنيا على مسارين، حسب المصادر. «اولا، استقطاب المؤيدين للمحكمة للانقلاب عليها سياسيا، تحت وطأة التهديد الجسدي والتذكير بعنف مايو، والتفكير السوري السائد هنا ان افضل طريقة لمواجهة اي حكم دولي هو الاشارة الى ان هناك اجماعا لبنانيا على رفضه».
ثانيا، تعتبر المصادر الاميركية ان الموقف السوري انقلب في هذه الفترة: «في الماضي، كانت اجابات الاسد العلنية تربط المحكمة الدولية بحرب اهلية في لبنان، ولكنه ربما شعر ان هكذا تصريح يشي بتدخل سوري ما او خوف من العدالة، فصار يصر على البراءة السورية». وكان الاسد قال في مقابلة اجراه معه الصحافي تشارلي روز في مايو الماضي «لقد كنا متعاونين جدا مع وفود التحقيق في جريمة الحريري، ولقد ظهر برهان اليوم ان سورية غير متورطة». وعندما قاطع روز الاسد ليلفت نظره ان التحقيق في جريمة الحريري لم ينته بعد، اجاب الرئيس السوري: «لا، لا، لم ينته، ولكننا كنا اكيدين (من براءتنا)، ولكن اليوم الشعب اللبناني يعرف هذه الحقيقة، ان سورية غير متورطة في الاغتيال».
هكذا، تقول المصادر الاميركية، انه «بينما يهدد مسؤولو حزب الله بحرب اهلية في حال صدور القرار الظني، يتصرف الاسد وكأنه استحوذ على صك براءة من السياسيين اللبنانيين الذين يزورون دمشق».
بيد ان الحقيقة في دمشق عكس ذلك. تشير مصادر اميركية الى ان المحكمة الدولية «ما زالت تقلق الاسد، ومعلوماتنا تشير الى انه تعاقد مع ابرز مكاتب المحاماة الدولية للدفاع عنه».
لكن في هذه الاثناء، «بينما يتصرف الاسد بهدوء ويحاول الايحاء بالثقة، يوعز الى حلفائه اللبنانيين بمحاولة قلب الطاولة والتهديد بحرب اهلية في حال لم تدن الاطراف اللبنانية كافة المحكمة، وتصفها بالمسيسة، وتنتقص من مصداقيتها».
هذه الخطة السورية بدأت منذ ما قبل انتخابات مجلس النواب اللبناني في يونيو الماضي عندما «سربت اوساط دمشق اللبنانية الى الصحافي في مجلة دير شبيغل الالمانية اريك فولاث، وهذا غالبا ما يتباهى بصداقته مع الاسد، ان حزب الله هو المتورط في مقتل الحريري، وان سورية بريئة».
وتعتبر المصادر انه كان هناك محاولة اخيرا في الاعلام اللبناني، مصدرها سوري في واشنطن، «الايحاء وكأن المسؤولين الاميركيين يوافقون على البراءة السورية، في محاولة لحث الحريري على حذو ما يفترض اننا صرحنا به».
ويعتبر مسؤولون اميركيون رفيعو المستوى ان الهدف من نشر القصة في مجلة «دير شبيغل» كان محاولة من سورية وحلفائها «لوضع (رئيس حكومة لبنان سعد) الحريري امام مفترق طرق، اما يدين المحكمة لاتهامها الحزب، واما يوافق على تورط الحزب، ما يضعه في موقف مواجهة معه».
الحريري رفض التعليق، الصيف الماضي، على تقرير المجلة الالمانية، معتبرا انه واحد من عدد كبير من التكهنات الاعلامية. «اليوم»، تقول المصادر، «تحاول دمشق وحلفاؤها اكثر فاكثر انتزاع موقفا ضد المحكمة من الحريري».
المصادر الاميركية ختمت بالقول: «لا يمكن للحريري ايقاف المحكمة... حتى (النائب وليد جنبلاط)، قد تطلب المحكمة حضوره بصفته ادلى بشهادة ووقع عليها تفيد ان الاسد هدد رفيق الحريري قبل اغتياله... نعم يمكن لجنبلاط تغيير موقفه السياسي، ولكن تغيير شهادته قد ينقلب ضده وتعتبره المحكمة محاولة تضليل للعدالة».<>
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق