| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في الظاهر، تبدو المعركة سياسية قاسية حول امكانية اختيار الرئيس باراك اوباما للسناتور الجمهوري السابق تشاك هيغل وزيرا للدفاع خلفا لليون بانيتا. في الواقع هي معركة بين اللوبين الاسرائيلي والايراني داخل العاصمة الاميركية حول فتح حوار مباشر وغير مشروط بين الولايات المتحدة والنظام في طهران.
اصدقاء اسرائيل اعترفوا بارتكابهم خطأ عندما شن الحزب الجمهوري حملة ضروس من اجل اقصاء مبعوثة الولايات المتحدة الى الامم المتحدة سوزان رايس عن منصب وزيرة الخارجية خلفا لهيلاري كلينتون، بسبب تصريحات رايس حول حادثة مقتل اربع اميركيين بينهم السفير اثناء الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 11 سبتمبر الماضي.
رايس كانت قد قادت عملية تشكيل تحالفات دولية ساهمت في استصدار اقسى عقوبات اقتصادية اممية ضد النظام الايراني. كذلك قادت رايس حملة ضد النظام السوري ورئيسه بشار الاسد، ولكن لان الموضوع السوري ليس في اولوية الرئيس الاميركي، لم تلق سفيرته الدعم الكافي واكتفت بمشاهدة الروس والصينيين يهزمون ثلاثة قرارات في مجلس الامن حول سورية باستخدامهم حق النقض (الفيتو)، ما ادى الى اشتباكات كلامية متعددة، في السر كما في العلن، بين رايس ونظيرها الروسي فيتالي تشوركين.
وبعدما سحبت رايس ترشيحها الى منصب وزيرة خارجية وتسلطت الاضواء على المرشح البديل السناتور الديموقراطي جون كيري، بطل «سياسة الانخراط» مع الرئيس السوري بشار الاسد، ادرك الجمهوريون، وخصوصا قائد الحملة السناتور جون ماكين، انهم اخطأوا باخراجهم حليفة طبيعية هي رايس، واستبدالها بوزير قد يتبنى مواقف معاكسة لكل مواقف الجمهوريين في السياسة الخارجية.
على ان الخطأ الجمهوري الاكبر هو في استنزاف رصيدهم في المعارضة لاخراج رايس، ما سيسمح لاوباما بتعيين ليس كيري فحسب، بل هيغل الذي يتقدم على كيري بدعوته الى فتح حوار مباشر وغير مشروط مع ايران، اذ على اثر معركة رايس، سيبدو الجمهوريون الآن في موقف المعرقل في حال استخدم اعضاؤهم في مجلس الشيوخ «حق تجميد» تعيين هيغل، خصوصا جون ماكين، احد ابطال حرب فيتنام الذي سيجد من الصعب ممارسة «حق التجميد» في تعيين زميل سابق له وحامل اوسمة من حرب فيتنام مثل هيغل.
بدوره، سيبدو اوباما في موقف الضعيف على صعيد اختياره افراد فريقه اذا ما تراجع عند كل منعطف امام رغبات الجمهوريين.
لكن مشكلة اصدقاء اسرائيل وحلفائهم الجمهوريين مع هيغل كبيرة، واعمق بكثير من تحفظهم ضد رايس، بسبب مواقف هيغل من الحوار مع ايران.
ولفهم سبب اندفاعة هيغل تجاه طهران، يجب التأمل في تجربته الحياتية، فهيغل عاد من حرب فيتنام في السبعينات للبحث عن عمل، وكان الرئيس الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسينجر قد عادا للتو من رحلة مفاجئة بدأت حوارا مع الصين الشيوعية. الحوار مع الصين كان يهدف الى التعامي عن المبادئ المتضاربة والحديث عن المصالح المشتركة، وخصوصا الاقتصادية منها، وهو ما ادى الى انفتاح اقتصادي بين البلدين، وكان اول المستفيدين منه هيغل، الذي اسس شركة اتصالات في الصين، وجمع منها ثروة كبيرة.
هيغل يعتقد انه كما نجحت اميركا في التعامي عن تباينها عقائديا وسياسيا مع الصين، وكما نجحت في استيعاب مصالح الصين الاقليمية، يمكن لاميركا التعامي عن الاختلاف السياسي والعقائدي مع ايران، واستيعاب اجندتها الاقليمية، في مقابل انفتاح اقتصادي يعود على الاميركيين والايرانيين بمنافع كبيرة.
اوباما، بدوره، يتبنى نظرية الحوار المباشر وغير المشروط مع ايران، حتى انه قال لمقربين انه لا يخشى الهبوط في طائرة في طهران وعقد لقاء مع مرشد الثورة علي خامنئي وكبار مساعديه ان كان ذلك يساهم في اقناع ايران في التخلي عن ملفها النووي في مقابل انفتاحها على اميركا والعالم والاعتراف بدورها الاقليمي.
المشكلة التي تواجه اوباما هي ان سيناريو الحوار مع ايران تكلفته السياسية كبيرة جدا داخل واشنطن، فمن غير الممكن لاميركا التعامي عن دور ايران في المنطقة من دون ان يثير ذلك خوف وغضب اسرائيل، التي تتمتع بثقل سياسي هائل داخل واشنطن.
اذن، سيجد هيغل او اي داع اميركي الى حوار غير مشروط مع ايران نفسه في مواجهة سياسية مع اسرائيل واصدقائها الاميركيين الكثر، وهو ما بدأ يحصل فعلا مع هيغل الذي وجد نفسه فجأة في مواجهة هجوم ساحق ضد فكرة توليه منصب وزير دفاع.
وللدفاع عن نفسه، حاول هيغل شن حملة مضادة، لكن «فرص هيغل، السناتور المتقاعد والذي انحل فريق عمله وتبعثر، ضئيلة مقارنة برايس مثلا التي مازالت في دائرة الضوء بسبب منصبها في الادارة والفريق الضخم الذي يساعدها»، حسب المعلق الاميركي جوش روغان.
روغان اجرى مقابلة مع آدم باراسيليتي، وهو مستشار هيغل سابقا للشؤون الخارجية ويعمل اليوم رئيسا لتحرير صحيفة «آل مونيتور»، وهذه الاخيرة يملكها رجل النفط الاميركي من اصل سوري جمال دانيال الذي يملك حصة كبيرة كذلك في صحيفة «السفير» اللبنانية.
باراسيليتي وصف من يشنون الحملة ضد هيغل بانهم «منحطون»، وقال ان اعتبار ان هيغل هو «ضد اسرائيل هو هراء، ولا ينعكس في سجل تصويته في مجلس الشيوخ، وهو يعرف الامور واللاعبين هناك (في اسرائيل) مثل اي سياسي آخر في واشنطن».
وفي وقت لاحق، وزع مناصرو هيغل من مساعديه السابقين بيانا تضمن تصريحات تزكية من يهود اميركيين هم سفير اميركا السابق في اسرائيل دان كيرتزر، والباحث دايفد آرون ميلر، ولوبي «جاي ستريت باك» المناهض لـ «آيباك». لكن كيرتزر وميلر من ابرز الداعين الى الانفتاح على ايران، وهو ما يعني ان تصريحاتهم لا تساهم في كسب اصدقاء اسرائيل الاميركيين لمصلحة ترشيح هيغل.
وفي مفارقة لافتة، برز الموقع الانكليزي لقناة «برس تي في» الايرانية كأحد المدافعين عن هيغل وترشيحه، وهو ما يعد ادانة اكثر منه تزكية لهيغل في اوساط واشنطن.
بدورها، هاجمت كل من «واشنطن بوست» في افتتاحيتها، وصحيفة «ويكلي ساتندرد» اليمينية، وعدد من الجمعيات اليهودية - الاميركية هيغل وامكانية تعيينه وزيرا للدفاع.
ومع انه من المتوقع ان يعلن البيت الابيض ترشيح اوباما لكيري في اية لحظة، ستستمر المعركة حول ترشيح هيغل، وتاليا حول امكانية فتح حوار اميركي رسمي ومباشر وغير مشروط مع ايران.
وأوضح المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني الخميس بجلاء مدى تمسك أوباما بهيغل.
وقال دون ان يقر بأن مسألة هيغل قيد البحث كي يخلف بانيتا: «حارب السناتور هيجل واراق دمه من اجل بلاده. ابلى بلاء حسنا في سبيل بلاده. انه سناتور ممتاز».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق