| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
لم يكن في بال المرشح الرئاسي السناتور باراك اوباما ان بلاده ستعود الى صدارة الدول المنتجة للنفط والغاز في عهده يوم حضر جلسة استماع كانت تعقدها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، في ابريل العام 2008، ليسأل قائد القوات الاميركية في العراق دايفيد بترايوس والسفير رايان كروكر حول امكانية تحويل العراق الى دولة بـ «التي هي احسن، لا تشكل خطرا على جيرانها، ولا تكون مقرا لتنظيم القاعدة».
يومها لم يكترث اوباما للعراق، ولا لاحتياطه النفطي الذي يأتي في المرتبة الرابعة او الخامسة عالميا. كان المرشح اوباما يعتقد، حسب ما ورد في كتابه «جرأة الامل»، انه لا يمكن للولايات المتحدة ان تنفق «800 مليون دولار على النفط الاجنبي يوميا»، وان عليها ان تمول ابحاثا وبنية تحتية لموارد الطاقة البديلة للاستغناء عن النفط كمصدر رئيسي للطاقة.
ومما كتبه اوباما ان «كمية كبيرة» من الـ 800 مليون دولار الاميركية «تذهب الى اكثر الانظمة المتقلبة في العالم».
بعد اقل من 5 سنوات، صار استغناء اميركا عن العراق، وعن «الانظمة المتقلبة» عموما، ممكنا، ولكن ليس بسبب جهوزية الطاقة الاميركية البديلة، التي انفق اوباما على ابحاثها وانتاجها قرابة المليار دولار في ولايته الاولى، بل بسبب توافر تقنية ضاعفت من احتياطي النفط الاميركي، البالغ 20 مليار برميل، بنسبة 40 في المئة. والرقم مازال في تصاعد.
هذا يعني ان انتاج الولايات المتحدة النفطي ارتفع بنسبة 30 في المئة منذ العام 2008، ليصل الى ستة ونصف مليون برميل يوميا الشهر الجاري، وهو رقم مرتفع مقارنة بانتاج السعودية، الاولى في العالم، والذي يبلغ 9 ملايين و700 الف برميل في اليوم. وهذا يعني ان الولايات المتحدة قد تسبق حتى التقارير التي تتوقعها ان تتحول الى الاولى في العالم للانتاج النفطي مع حلول العام 2020، مع العلم انه صار من المحسوم انها ستصبح الاولى في انتاج الغاز في العام 2016 او قبل ذلك.
الارقام تشير كذلك الى ان الزيادة في الانتاج النفطي الاميركي في العام 2011 هي الاعلى منذ ان تم اكتشاف هذه المادة للمرة الاولى في ولاية بنسلفانيا في العام 1859.
ماذا تعني هذه الارقام النفطية في لغة السياسة؟
تعني ان اميركا ستصبح مكتفية ذاتيا على صعيد الطاقة في غضون السنوات الخمس المقبلة، للمرة الاولى منذ العام 1952، وسيستمر ذلك حتى العام 2035، ما سيعطي واشنطن ربع قرن من الاستقلالية في الطاقة، ويعفيها من السباق مع دول العالم الاخرى للوصول الى الاسواق النفطية او لمحاولة تثبيت دولها امنيا وسياسيا.
وتشير التقارير الاميركية الى انه بسبب التقنية ذاتها، يمكن للاستقلالية النفطية الاميركية ان تستمر لخمسة عقود اضافية بفضل استغلال موارد كندا النفطية الشاسعة، والتي تضاهي السعودية من حيث ضخامة الاحتياطي.
«هذا يعطينا حرية اكثر للحديث عن الشرق الاوسط الذي نريد ان نراه، والعالم الذي نريد ان نراه»، يقول اوباما في مقابلته الاسبوع الماضي مع مجلة التايم، التي اختارته رجل العام.
ولا مبالغة في تصريح اوباما. فاكتشاف تقنية الاستخراج الجديدة لم تؤد الى ثورة في قطاع الطاقة فحسب، بل في التفكير والرؤية الجيوسياسية للحكومة الاميركية ككل، ودور الولايات المتحدة في العالم في القرن المقبل.
في منتصف سبتمبر 2008، كانت اميركا تشعر بأن ايامها كقوة عظمى اصبحت من الماضي: الاقتصاد في انهيار، حربا العراق وافغانستان زعزعتا الثقة بالقوة الاميركية، صعود قوى اخرى حول العالم وفي طليعتها الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا، او ما عرف بدول البريكس، كان ينذر بأفول الامبراطورية الاميركية.
«اين هي مجموعة دول البريكس اليوم؟» يتساءل احد العاملين في مجلس الامن القومي في مجلس خاص. صحيح ان روسيا والصين مارستا حق النقض الفيتو في مجلس الامن في الموضوع السوري، لكنهما نجحتا في ذلك غالبا بسبب عدم الاكتراث الاميركي لما يحدث في سورية.
انتاج روسيا من النفط والغاز يعاني تراجعا بسبب عدم تحديث بنيته التحتية وقلة الاستثمارات التي تهرب من حكم فلاديمير بوتين. نمو الناتج المحلي في البرازيل لا يتعدى النصف نقطة مئوية. الهند تعاني من فساد يرهق نموها ويعطله. الصين تواجه مأزق شيخوخة سكانية وارتفاع اسعار يدها العاملة مقارنة بدول الجوار، فيما فشلت بكين حتى الآن في تحويل اقتصادها من صناعات ثقيلة الى صناعات ذكية وتكنولوجية.
اما في اميركا، فيخلق قطاع الطاقة المزدهر حديثا وظائف جديدة، ويعيد الى الحياة صناعات كانت هربت الى دول اخرى، مثل البتروكيماويات، لانخفاض سعر البترول داخل البلاد. وتفيد هذه القطاعات الاميركية من بنية تحتية وموارد بشرية لا مثيل لها في العالم.
هكذا، فيما الاقتصاد الاميركي ينمو، اوروبا واليابان تعانيان، والصين مهزوزة.
في واشنطن شعور ان الطفرة النفطية الجديدة ستعيد اميركا الى الصدارة كقوة عالمية عظمى للعقود الخمسة المقبلة، وهذه فترة زمنية ستكون كافية لاكتشاف موارد طاقة بديلة والاستغناء تاليا عن النفط والغاز. في هذه الاثناء، ينصب اهتمام واشنطن على اتفاقية «الشراكة عبر المحيط الهادئ»، والتي ستقيم سوقا مشتركة وتحالفات سياسية وعسكرية بين اميركا ودول الشرق الادنى واستراليا، من دون الصين. اما احدث الانباء السارة في هذا السياق فجاءت من اليابان، حيث عاد الليبراليون برئاسة شينزو آيب الى الحكومة، فيما المعروف ان الحزب الليبرالي الياباني يسعى دائما الى علاقة مميزة مع واشنطن.
وواشنطن اليوم تفكر في قرن اميركي ثان، بعدما سمى الرئيس السابق بيل كلينتون، في خطاب قسمه لولاية ثانية في العام 1996، القرن الماضي بـ «القرن الاميركي».
في وسط هذه الصورة الاميركية العالمية، يأتي الشرق الاوسط بثوراته وحروبه وبرامجه النووية. اوباما اراد الخروج منه ومسايرة حكامه، بمن فيهم بشار الاسد في سورية وعلي خامنئي في ايران، حتى قبل الفورة النفطية الاميركية، متبنيا بذلك مدرسة وزيري الخارجية السابقين هنري كيسينجر وجيمس بيكر في السياسة الخارجية العملانية، والتي تقضي بالتعامي عن المبادئ، والبحث عن المصالح، حتى لو كان ذلك يعني صداقات مع اعتى الديكتاتوريات حول العالم.
يقول مسؤولون أميركيون انه مع الفورة النفطية الاميركية، حتى هذه الصداقات مع الديكتاتوريات لم تعد في خانة المصالح الاميركية الحيوية، وصارت واشنطن تشعر انها ليست بحاجة الى الشرق الاوسط، الذي يلعب دور خزان النفط لها وللعالم منذ العام 1970.
اوباما يشعر فعلا ان بامكانه الالتفات الى شؤون اكثر الحاحا، مثل استعادة قوة اميركا والتفاتها للمواجهة مع القوة الوحيدة التي يمكن ان تقترب منها في الطليعة، اي الصين.
الشرق الاوسط، بدوره، يمكنه الانتظار، حتى يتسنى لاوباما، او من سيخلفه في الرئاسة، ان يأخذ ما يريده من الوقت للوصول الى «الشرق الاوسط الذي نريد ان نراه». ولكن حتى ذلك الحين، لا يبدو ان الشرق الاوسط هذا يدخل في حسابات القرن الاميركي الجديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق