| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
اكثر من 80 من مانحي العقود الحكومية والمتعهدين تمت محاكمتهم بتهم فساد، 22 منهم لضلوعهم فيما عرف بـ «مخطط الكويت»، و91 آخرين مازالوا قيد التحقيق، فيما نجحت الحكومة الاميركية في استعادة قرابة 200 مليون دولار من الاموال المهدورة، من اصل 60 مليارا انفقتها على برامج اعادة الاعمار في العراق منذ العام 2004.
كل ذلك تحقق بفضل جهود «مكتب المفتش العام لاعادة اعمار في العراق»، الذي انشأته ادارة الرئيس السابق جورج بوش في اكتوبر 2004، والذي سيقفل ابوابه في مارس المقبل مع نفاد الاموال التي يخصصها الكونغرس له سنويا.
ومنذ قيامه، اصدر المكتب 217 تقريرا، و487 توصية، شملت الادارات والمشاريع المختلفة. ويقدر المكتب ان توصياته ساهمت في زيادة فاعلية الاموال المصروفة بواقع مليار دولار، فيما ساهمت في اقتطاع مبلغ 600 مليون دولار «غير لازمة» من الاموال التي كانت مرصودة.
ويتباهى المسؤولون في هذه الوكالة الحكومية بكشفهم ما يسمونه «مخطط الكويت»، لا لتورط كويتيين او الحكومة الكويتية فيه، بل لان كل المشبوهين فيه كانوا او مازالوا يقيمون في الكويت.
وتظهر تقارير «مكتب المفتش العام» ووثائق المحاكمات اللاحقة ان معظم المتورطين تم الحكم عليهم باحكام مختلفة، وبعضهم في السجن اليوم، فيما عدد منهم مازال حرا طليقا، مثل جورج لي، الذي «يعتقد المحققون انه مازال في الكويت، مع الكثير من المال المسروق»، حسب صحيفة «واشنطن بوست».
وحسب الرواية الاميركية، ارسل المتعهد الاميركي المقيم في الكويت جورج لي «ايميل» الى غلوريا دايفيس، وهي برتبة رائد في الجيش الاميركي وتقوم بمنح عقود، حذرها من زيارته، وكتب: «لا احد منا يريد انكل سام (عبارة تستخدم للدلالة على حكومة الولايات المتحدة)، او اي احد آخر، ان ينظروا في امكان من غير المفروض ان ينظروا فيها».
ذاك الـ «ايميل» كان اول خيط قاد «مكتب المفتش العام»، بالتعاون مع «مكتب التحقيق الفيدرالي» (اف بي آي) ووكالات حكومية اخرى، الى المباشرة بالتحقيق، الذي تضمن التجسس على رسائل الكترونية، والتنصت على مكالمات هاتفية، والطلب من مصارف حول العالم كشف حسوبات بنكية للمشبوهين.
وكان لي ودايفيس قد تعارفا للمرة الاولى في العام 2003، في الكويت، بعد فترة قصيرة من تسلم دايفيس منصبها. وفي يناير 2004، منحت دايفيس شركة لي عقدا «يتعلق بالحافلات»، حسب وثائق المحكمة الاميركية.
وفي صيف 2004، توطدت العلاقة بين الاثنين، فتكفل لي بنفقات «علاج المساج» في الكويت للضابطة الاميركية، ثم عين ابنها مسؤولا في شركته، وهي بالتالي منحته خريف 2004 عقدا بملايين الدولارات من اجل تعبئة «المياه المعدنية» للجيش الاميركي، فقدم لها تذكرة سفر درجة اولى الى تايلاند حيث قامت برحلة استجمام، وفتحت اثناءها حسابا مصرفيا باسمها، حولت اليه في ما بعد مبلغ 80 الف دولار.
ومطلع العام 2005، بعد ان انتقل ابن دايفيس للاقامة في الكويت والعمل في شركة لي، كتبت الضابطة الى لي تشكره على «كل ما فعلته لي ولعائلتي»، وعرضت عليه ان «تقوم بما تقدر عليه من جهتها لمساعدة» شركته. وبالفعل، قامت دايفيس بتقديم جورج لي وابنه جاستن الى ضباط آخرين ممن يمنحون عقودا عسكرية.
ومن ابرز من تعرف اليهم جاستن لي الرائد جون كوكرهام، «الذي اصبح بمثابة قائد عصابة لمجموعة من ضباط منح العقود ممن تدربوا في فورت سام هيوستن، في تكساس، وممن اعطوا عقودا كبيرة لعائلة لي، في مقابل رشاوى»، حسب المحققين الاميركيين.
وفي العام 2006، وصلت الرائدة دايفيس الى بغداد في ابتعاث عسكري ثان لها، لكنها لم تكن مدركة ان المحققين الفيدراليين ينتظرونها هناك بعدما وشى بها صاحب احدى شركات التعهدات المنافسة لشركة عائلة لي.
في تلك الليلة، اعترفت دايفيس بتقاضيها رشاوى بلغ مجموعها 225 الف دولار، وصعدت الى غرفتها في الفندق، وانتحرت باطلاقها النار على رأسها من مسدسها العسكري.
وقدم الادعاء العام احكاما بالسجن مدتها اقصر لكل من يعترف بالذنب من افراد مجموعة الفساد في العقود الاميركية، واعترف كوكرهام قائد المجموعة بجمعه اكثر من 9 ملايين دولار من تقاضيه الرشاوى، فيما كان آخر المعترفين، في يوليو الماضي، المتعهد جاستين لي، الذي يقضي حكما بالسجن فيما والده جورج حر ويفترض انه في الكويت.
تقارير «مكتب المفتش العام لاعادة اعمار العراق» مليئة بالروايات حول الفساد الذي رافق حرب العراق، يعزز هذه التقارير تحقيقات ووثائق المحاكمات الاميركية التي ادت الى احكام مختلفة بالسجن وباعادة الاموال المسروقة.
لكن الحرب في العراق انتهت، وحرب افغانستان شارفت النهاية اواخر العام المقبل، ومع انسحاب آخر جندي اميركي من البلدين، ومحاسبة آخر مرتكب في قضايا الفساد المالي، تسعى واشنطن الى اقفال صفحة من الماضي المرير لهاتين الحربين.
ومن المرجح ان يتوقف الكونغرس عن تمويل «مكتب المفتش العام لاعادة اعمار العراق» في شهر مارس المقبل، فيما يقبع بعض الفاسدين في السجن، ويهيم البعض الآخر في دنيا الله الواسعة، الا اذ طالتهم يوما يد العدالة الاميركية، وهي المعروفة بأنها لا تسامح ولا تنسى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق