| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
الاشارة الوحيدة، التي يرسلها ترشيح الرئيس باراك أوباما للسناتور السابق تشاك هيغل وزيرا للدفاع ومستشاره لشؤون الارهاب جون برينان مديرا لـ «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي اي)، هي تصميم الادارة الأميركية على فتح حوار مع النظام الايراني وحلفائه في المنطقة في اطار الانفتاح على ايران الذي يسعى اليه أوباما منذ ما قبل انتخابه رئيسا في العام 2008.
وسيخلف هيغل وزير الدفاع الحالي ليون بانيتا، الذي بلغ من العمر 75 عاما وقرر التقاعد، فيما سيحل برينان رئيسا للاستخبارات بعد شغور المركز على اثر استقالة رئيس الوكالة السابق الجنرال دايفيد بترايوس بعد انكشاف علاقته العاطفية مع كاتبة سيرته. وسبق لأوباما ان اعلن ترشيح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور الديموقراطي جون كيري وزيرا للخارجية خلفا لهيلاري كلينتون.
وفي حال مصادقة مجلس الشيوخ على تعيين كيري، وهي مصادقة من المتوقع ان تمر بسهولة، وعلى تعيين هيغل، الذي يتوقع ان يمر بعد معركة سياسية، يصبح ثلاثة زملاء واصدقاء من اعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في العام 2008، أوباما وكيري وهيغل، في اعلى ثلاثة مناصب حكومية سيادية في البلاد، الرئاسة والخارجية والدفاع.
المواجهة السياسية التي يتوقع ان يثيرها تعيين هيغل مع معارضي الرئيس الأميركي، وخصوصا من مؤيدي واصدقاء اسرائيل، تأتي على خلفية مواقفه قبل تقاعده وخروجه من المجلس في العام 2008، فهم يأخذون عليه ما يصفونه بعدوانيته تجاه اسرائيل، وهو كان اطلق عليهم في الماضي تسمية «اللوبي اليهودي» بدلا من «الاسرائيلي»، وهي تسمية يضعها كثيرون منهم في خانة «معاداة السامية».
اصدقاء اسرائيل يأخذون على هيغل كذلك معارضته، اثناء عمله سناتورا، لاستمرار واشنطن في تمويل قاعدة عسكرية أميركية - اسرائيلية مشتركة في مدينة حيفا، وينسبون اليه قوله «دع الاسرائيليون يسددون ثمنها».
لكن صراحة هيغل مع الاسرائيليين واصدقائهم ليست وحدها ما يثير قلقهم وقلق مجموعات أميركية اخرى، مثل «المحافظين الجدد»، بل اصراره على ما يعتبره ضرورة مبادرة واشنطن على فتح حوار فوري وغير مشروط مع ايران هو المشكلة الحقيقية بالنسبة لهم. ويعتبر هيغل، وهو مقاتل سابق في فيتنام وحائز على وسامين ما يجعله بطلا عسكريا بامتياز، انه يمكن لواشنطن الانفتاح على طهران مثلما قامت بالانفتاح على بكين في سبعينات القرن الماضي، على الرغم من الاختلاف العقائدي الكبير بين العاصمتين.
وحسب كتابه «أميركا: الفصول المقبلة»، يعتقد هيغل، وهو جنى ثروة طائلة بسبب اعماله في الصين في الثمانينات، انه يمكن للانفتاح الأميركي على ايران ان يعود بفائدة اقتصادية كبيرة على أميركا والمستثمرين الأميركيين. وهو يميل ايضا الى تبني سياسة «عدم التدخل» في العالم، ما اكسبه تأييد «الليبراليين الجمهوريين» من امثال المرشح الرئاسي السابق رون بول، وابنه السناتور الجمهوري راند بول، و»مركز ابحاث كاتو» اليميني، الذي يديره ممولا الحزب الجمهوري الرئيسيان ورجلا النفط الاخوان تشارلز ودايفيد كوك.
على ان المشكلة الرئيسية لدى معارضي تعيين هيغل لا تكمن في مطالبته بالحوار مع ايران، بل في اجندة هذا الحوار، فواشنطن منخرطة في حوار مع الايرانيين منذ مدة، ان كان من خلال محادثات مجموعة «دول خمس زائد واحد» او عن طريق محادثات غير رسمية يقوم بها اكاديميون وباحثون.
المشكلة هي في ما تصر طهران على اضافته الى اجندة الحوار، خصوصا في الشأنين السوري والبحريني، وهو ما رفضته ادارة أوباما حتى الآن على الاقل، وهو ما يبدو ان هيغل لا يعارضه من باب «تجنيد الايرانيين للمساهمة في ايجاد حلول في هذه الدول»، على غرار سياسة «الانخراط» مع بشار الاسد، التي طالب بها كل من هيغل وكيري في الماضي، واعلنا ان هكذا سياسة من شأنها ان تدفع الاسد الى لعب دور ايجابي في حل مشاكل في العراق ولبنان، وذلك قبل ان يتقاعد هيغل من مجلس الشيوخ وقبل ان يتراجع كيري عن تمسكه بـ «الانخراط» مع الاسد على اثر اندلاع الثورة السورية في مارس 2011.
وان كان هيغل وكيري يعتقدان ان بامكانهما مباشرة الحوار مع طهران في ملفات اقليمية مثل سورية والبحرين، فان برينان يعتقد - حسب تصريحاته الماضية - ان على واشنطن «الانخراط مع العناصر المعتدلة في حزب الله» اللبناني.
وبرينان هو احد المستشرقين الذين يجيدون العربية، وسبق ان عاش في مصر في اوائل السبعينات، ودرس في «الجامعة الأميركية في القاهرة»، وينقل عنه اصدقاء انه «يحب الاستماع الى اغاني ام كلثوم والشيخ امام». وفي منتصف السبعينات، انضم برينان الى «سي آي اي»، وتدرج فيها حتى اصبح مديرا اداريا لها منتصف العقد الماضي، قبل ان يجمعه المسؤول السابق في ادارة كلينتون انتوني لايك بالمرشح باراك أوباما في العام 2007، حيث نشأت بينهما علاقة وطيدة جدا.
وكمستشار لشؤون الارهاب، او «قيصر الارهاب» حسب التسمية المحلية، لعب برينان ادوارا اساسية في ملف اليمن، وخصوصا في موضوع مكافحة «تنظيم القاعدة» هناك. كما لعب دورا محوريا في خروج الرئيس السابق علي عبدالله صالح من الحكم. وفي الصورة التي تظهر أوباما وافراد فريق الامن القومي يتابعون عبر النقل الحي عملية مقتل اسامة بن لادن في مايو 2011، ظهر برينان وهو يقف خلف الرئيس الأميركي مباشرة في «غرفة الاوضاع» في قبو البيت الابيض.
بين كيري صديق الاسد السابق، وهيغل المطالب بحوار غير مشروط مع ايران، وبرينان الداعي للانخراط مع «حزب الله»، تبرز مشكلة ادارة أوباما مع اصدقاء القوى الاخرى في منطقة الشرق الاوسط، وخصوصا اسرائيل، اذ يخشى مؤيدو تل ابيب في العاصمة الأميركية من ان يؤدي انفتاحا كالذي يريده هيغل الى عودة ايران، في العقود المقبلة، الى سابق عهدها كحليف رئيسي لواشنطن في المنطقة، لكن هذه المرة على حساب اسرائيل والقوى الاقليمية الاخرى.
هذه الخشية الاسرائيلية من هيغل هي نفسها التي دفعت اللوبي الايراني في العاصمة الأميركية الى تأييد هيغل والى توجيه رسالة الى أوباما طالبت فيها بالانفتاح الفوري على طهران. وجاء في رسالة «المجلس الوطني الايراني الأميركي»، الذي يرأسه الايراني تريتا بارسي، ان العقوبات ادت مفعولها وان طهران صارت مستعدة للحوار والتوصل الى حل. ووقع الرسالة عدد من الناشطين الأميركيين في هذا اللوبي، منهم السفير السابق في السعودية شاس فريمان، ووكيل وزارة الخارجية السابق توماس بيكيرينغ، والاكاديميين جوان كول وجيم والش. وهذه المجموعة نفسها، وقعت مع آخرين، عريضة الى أوباما تؤيد تعيين هيغل وزيرا للدفاع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق