| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
فجأة تحول مكتب وزير خارجية الولايات المتحدة في الطبقة السابعة من مبنى الوزارة، الواقع على «شارع سي» في العاصمة الاميركية، الى خلية عمل متخصصة في الموضوع السوري، الذي سيطر على لقاءات وزير الخارجية جون كيري مع امين عام الامم المتحدة بان كي مون، اول من امس، وقبل ذلك مع نظيره الاردني ناصر الجودة.
وعلمت «الراي» ان كيري حاول عبثا الاتصال بنظيره الروسي سيرغي لافروف في هذه الاثناء للحديث حول سورية، بيد ان مساعدي لافروف ردوا بأن الوزير الروسي مشغول وغير متوافر، ووعدوا بالاتصال فور افراغه من مشاغله، ومرت ثلاثة ايام، ولافروف لم يعاود الاتصال بكيري.
وتقول مصادر مطلعة على ما دار في لقاءات كيري وضيوفه الى ان الوزير الاميركي يعتقد ان روسيا هي مفتاح الحل في سورية، وان الرئيس السوري بشار الاسد سيدرك فورا ان من الافضل له البحث عن بدائل لاستمراره في القتال حال معرفته ان موسكو وافقت على خروجه من الحكم وبدء المرحلة الانتقالية «التي من المفترض ان تشمل اعضاء من نظامه من دونه»، وان «يحافظ من سيخلف الاسد على مصالح روسيا في سورية لنيل مباركتها في التخلي عن الاسد»، وهو ما يتطلب، بحسب المصادر نفسها، تمتين العلاقة بين موسكو والمعارضة السورية، وهو ما يسعى كيري الى القيام به.
وانعكس تفكير كيري في تصريحات الناطقة باسم وزارته فكتوريا نولاند التي قالت للصحافيين اول من امس: «تعلمون اننا نبحث عن ارضية مشتركة مع موسكو حول سورية منذ اكثر من عام، واعتقد انه (كيري) مهتم بالحديث (مع لافروف) حول اقتراح ائتلاف المعارضة السورية القائل بأنهم مستعدون للحوار مع اعضاء في النظام».
واضافت نولاند ان كيري «يرغب في تشجيع روسيا على دعم الائتلاف في ذلك».
ويبدو ان استعجال كيري يرتبط بنظرة صارت تسيطر على التفكير الاميركي ومفادها ان الصراع في سورية في طريقه الى فصل جديد سيشهد تراجع الاسد وبعض قوى المعارضة، لمصلحة صعود ايران وحلفاء سوريين جدد لها، من جهة، وقوى اسلامية متطرفة، من جهة اخرى، ما يعني ان مقدرة الروس للتأثير في مجريات الاحداث في سورية ستتقلص، وكذلك مقدرة واشنطن.
وكانت صحيفة «واشنطن» بوست اول من اثار هذه الفرضية، الاسبوع الماضي، وتحدثت عن سعي ايران وحليفها «حزب الله» الى بناء ما يسمى «الجيش الشعبي»، هدفها ان تقاتل «الى جانب القوات الحكومية السورية من اجل ابقاء الاسد في السلطة، لكن المسؤولين يعتقدون ان هدف ايران على المدى الطويل هو ان يكون لديها نشطاء موثوق بهم في حال تفتت البلاد الى جيوب اثنية وطائفية».
في هذا السياق، اعتبر الباحث المتخصص في شؤون سورية ولبنان في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى» دايفيد شنكر ان قيام طهران و«حزب الله» بانشاء ميليشيا موالية لهما داخل سورية هو «اعتراف ضمني بأن وضع الاسد بات مهزوزا، وانه على وشك السقوط».
وشكك شنكر في مقابلة اجرتها معه «الراي» تعداد مقاتلي «الجيش الشعبي»، وقال ان رقم 50 الفا، الذي اوردته الصحيفة، لا بد من ان يتضمن قوات «الشبيحة» الموالية للأسد، لكنه اعتبر ان «الاسد لن يكون مسرورا لدى سماعه بأن ايران تشكل مجموعة قتالية موالية لها داخل سورية، من دون المرور به».
شنكر اعتبر ان مصلحة ايران تقتضي بسيطرة حلفائها من السوريين على «مرفأ على الاقل»، في حال انهيار الاسد في دمشق وتراجعه الى جيب علوي شمالي غربي البلاد. وقال ان طهران تحتاج الى سورية من اجل تمرير السلاح الى «حزب الله»، وانه على الرغم من سيطرة هذا الحزب على مطار «رفيق الحريري الدولي» في بيروت، الا ان هذا المرفق ليس آمنا «لهبوط طائرات 747 ايرانية محملة بالاسلحة الايرانية فيه».
كما اعتبر الباحث الاميركي ان المرافئ اللبنانية التي يسيطر عليها «حزب الله» هي عرضة للتفتيش الدولي بموجب القرار 1701 الذي يحظر تسليح الحزب، ما يعني ان استمرار سيطرة حلفاء ايران على مرفأ سوري ذات اهمية بالغة، خصوصا انه لا يوجد في الوقت الحالي اي قرار يحظر تصدير الاسلحة الى سورية.
هل هو صعود فعلا ايران على حساب الاسد، من جهة، وتقدم المجموعات الاسلامية المتطرفة، من جهة اخرى، الذي صار يدفع واشنطن الى محاولة التعجيل في التوصل الى حل بين النظام السوري ومعارضيه يقضي بخروج الاسد من الحكم والبدء بمرحلة انتقالية؟
يصعب الاجابة عن هذا السؤال اميركيا، ولكن الواضح ان الروس يتمسكـون بالاسد ولا يرون ان زمام الامور داخل سورية بدأ يفلت منه، اومن معارضيه، وربما يعتقدون ان المماطلة مع الاميركيين تحسن من موقعهم ومن موقع الاسد التفاوضي، وربما تؤدي في ما بعد الى ابقائه في السلطة، ولكن هذا التقييم يبدو ان موسكو صارت تنفرد به، وان حتى واشنطن وطهران صارتا تعتقدان ان الفصل المقبل من المواجهة في سورية قد بدأ، وان العاصمتين تتسابقان لفرض وقائع جديدة، الاولى عبر الديبلوماسية والثانية عبر «حزب الله» وميليشياتها الجديدة التي تنوي انشاءها داخل سورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق