الجمعة، 22 فبراير 2013

كيري يراهن على «عقلانية» الأسد لدخول التاريخ ... رغم إخفاقه سابقاً

| واشنطن - من حسين عبدالحسين |

يعتقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري ان انجازا عظيما ينتظره في سورية، وان هذا الانجاز في حال تحقق، من شأنه ان يسمح له دخول التاريخ من بابه الواسع، والانضام الى عدد من اسلافه من وزراء الخارجية الذين يصنفهم التاريخ الاميركي في مصاف الكبار، من امثال جورج مارشال وهنري كيسينجر وجيمس بايكر.
ويقول احد كبار الديبلوماسيين ممن يعرفون كيري في مقابلة اجرتها معه صحيفة «بوليتيكو» امس: «اذا ما استطاع التوصل الى اتفاقية يخرج فيها (الرئيس السوري بشار) الاسد من الحكم، على سبيل المثال، سيكون ذلك انجازا هائلا له». 
كيري يبني آماله لدخول التاريخ على تحقيق اختراق ديبلوماسي في سورية، وفي هذا النوع من التفكير استعادة لرؤية الرجل لطموحاته ابان تسلمه منصب رئيس «لجنة الشؤون الخارجية» في مجلس الشيوخ، خلفا لزميله السناتور جو بيدن، الذي تم انتخابه نائبا للرئيس في نوفمبر من العام 2008.
في 2008، كما اليوم، اعتقد كيري ان سورية هي «الثمرة الناضجة على الغصن المتدلي»، حسب التعبير الاميركي، والتي تنتظر فقط من يقطفها. وفي 2008، كان كيري يحلم بتحقيق انجاز عبر سياسة «الانخراط مع الاسد»، الذي كان كيري يرى ان من شأنها ان تؤدي الى حلحلة امور كثيرة في منطقة الشرق الاوسط، اذ لو اصبح الاسد صديقا وحليفا لواشنطن، كان يمكن التعويل على دور ايجابي له في العراق حيث كان الجيش الاميركي، وفي لبنان حيث كانت اميركا تسعى الى بناء ديموقراطية على حساب دور «حزب الله» المسلح.
وختاما، توهم كيري وفريقه انه يمكن للأسد استخدام علاقاته الجيدة في وساطة مع طهران للتوصل الى اختراق ديبلوماسي يؤدي الى ابرام «التسوية الكبرى» بين اميركا وايران، وهو سيناريو تشاركه كيري الديموقراطي، على صفحات الرأي للصحف الاميركية، مع زميله الجمهوري الذي تقاعد في ذلك العام السناتور تشاك هيغل، والذي يستعد لتولي منصب وزير دفاع، الاسبوع المقبل، على الرغم من العرقلة المستمرة للجمهوريين في مجلس الشيوخ لتعيينه.
لكن الاسد لم يتحول الى حليف لواشنطن بل تحول كيري الى حليف للأسد داخل واشنطن. 
فبين العام 2008 واندلاع الثورة السورية في مارس 2011، قاد كيري اكبر حملة تأهيل لصورة الاسد في الولايات المتحدة، واستخدم علاقاته الممتازة بالرئيس باراك اوباما لتسريع عملية الانفتاح على الاسد، وارسلت الادارة وقتذاك، على جناح السرعة الى دمشق، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان، وهو يعمل الآمن مستشارا لامين عام الامم المتحدة للشؤون السياسية، ورافقه في رحلاته المتعددة عضو «مجلس الامن القومي» دان شابيرو، الذي يعمل اليوم سفيرا لبلاده في اسرائيل والموجود حاليا في واشنطن للاعداد لزيارة اوباما المتوقعة الى تل ابيب ورام الله وعمان الشهر القادم.
ثم نشأت صداقة بين الزوجين كيري والاسد، وتكررت زيارات كيري الى دمشق الى درجة انه في يوم من الايام، عندما دعاه السفير الاسرائيلي في واشنطن الى مأدبة عشاء في منزله، اصر كيري على اصطحاب السفير السوري السابق عماد مصطفى الى المأدبة، بيد ان الاسرائيليين اعتذروا بلباقة من كيري، وقالوا له ان استضافة سفير دولة هي في حالة حرب رسميا مع اسرائيل هو خارج الاصول والبروتوكولات الديبلوماسية المعتمدة.
وبلغ اعجاب كيري بالاسد الى حد انه حتى بعد اندلاع الثورة، نجح في اقناع ادارة اوباما بأنه يمكن استخدام التظاهرات لسلمية للسوريين للضغط على الاسد من اجل القيام بـ «اصلاحات»، وعبر كيري عن ذلك علنا، وتبعته في ذلك وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. حتى ان الخطاب الرسمي لاوباما تأثر بكيري الى درجة انه عندما انبرى الرئيس الاميركي للتعليق على الاحداث في سورية في يوليو 2011، اي بعد خمسة اشهر على اندلاعها، لم يطلب من الاسد الرحيل، بل طلب منه افساح المجال امام الاصلاح.
اليوم، يحاول كيري، المعروف عنه الاعتداد برأيه الى حد الغرور، ان يكرر «انجاز» 2008 - 2011، وهو يعتقد انه يمكن لمهاراته الديبلوماسية ان تقلب الصورة في سورية.
وكما في العام 2008، كذلك في العام 2013، تعتمد طموحات كيري على نقطة جوهرية هي «عقلانية الاسد»، واعتبار ان حاكم سورية يسعى فعليا الى تسويات، وان كل ما على الاميركيين فعله هو تمهيد الطريق للأسد للتوصل الى حلول ديبلوماسية تخدم في نهاية المطاف المصالح الاميركية.
لكن في العام 2013، تقلص ايمان كيري بعقلانية الاسد الى حد ما، بل صار يعتقد ان حسابات الاسد مبنية بشكل كبير على موسكو، لذا، يعتقد كيري اليوم انه يمكن الاعتماد على عقلانية وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهو ما حمل كيري على الاصرار على الحديث مع الاخير، ودار حديث هاتفي بينهما قبل يومين، بعدما تفادى لافروف الحديث الى كيري لمدة اسبوع، في وقت يكثر لافروف من تصريحاته العلنية القائلة بأن الاسد سيبقى بموجب اي تسوية تحصل.
لكن كيري يثق بمقدرته على تغيير حسابات الروس، التي من شأنها ان تغير من حسابات الاسد، حسبما ينقل ديبلوماسيون كبار في وزارة الخارجية تحدثت اليهم «الراي» ورفضوا الافصاح عن اسمائهم لاسباب مهنية.
ويقول الديبلوماسيون ان كيري جعل من سورية اهتمامه الرئيسي، وانه صمم من اجلها رحلته الدولية الاولى التي تبدأ غدا وتستمر حتى السادس من مارس، وتشمل زيارته لندن وبرلين وباريس وروما وانقرة والقاهرة والرياض وابوظبي والدوحة. وسيلتقي كيري خلال زياراته كبار المسؤولين في هذه العواصم للتباحث معهم في الشأن السوري.
وعلمت «الراي» ان كيري سيعمل على حشد دولي لرؤيته لحل الازمة السورية، وان هذه الرؤية مبنية على نقاط متعددة، اولها التوصل الى حظر ضمني وغير رسمي على ارسال الاسلحة الى الثوار السوريين، كما الى الاسد، والى استخدام هذه الدول لنفوذها لدى المعارضة كما لدى الاسد، في حالة ايطاليا ومصر والامارات، لحض الطرفين على عقد حوار فوري ومباشر وغير مشروط من اجل التوصل الى صيغة وجدول زمني يخرج بموجبهما الاسد من الحكم في سورية.
كم هي واقعية رؤية كيري وحلوله للازمة السورية، وكم هي متجذرة في خياله الذي اثبتت احداث 2008 - 2011 عدم واقعيته بشكل قاطع؟ 
سيسعى كيري الى تسويق رؤيته، ولكن يبدو ان الديبلوماسية في الشأن السوري في مكان، فيما قرقعة السلاح واصوات المدافع في سورية في مكان آخر.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008