الخميس، 6 مارس 2014

خطط الإصلاح الضريبي ... للكسب الانتخابي


في أواخر عام 1974، حاول فريق الرئيس الجمهوري الراحل جيرالد فورد إنعاش الاقتصاد الأميركي لتحسين فرص فوزه في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة بعد أقل من سنتين. وفي كانون الأول (ديسمبر) من العام ذاته، جلس رئيس موظفي فورد، دونالد رامسفلد، في إحدى صالات «فندق واشنطن» المواجه لوزارة الخزانة المجاورة للبيت الأبيض، ومعه جلس نائبه ديك تشيني، وزميل تشيني السابق في جامعة «يال» الاقتصادي آرثر لافر، ومحرر في صحيفة «وول ستريت جورنال».

وأثناء النقاش، حاول لافر إقناع رامسفلد وتشيني بضرورة خفض ضرائب الدخل الأميركية، وتناول منديلاً ورقياً رسم عليه رسماً بيانياً يظهر إمكان رفع الضرائب إلى حد معين، وعندما تصبح الضريبة أكبر من الدخل الفردي، يتوقف العمال عن العمل، فتنخفض عائداتهم، وتالياً عائدات الدولة. ولذلك، اقترح لافر خفض الضرائب، ما يشجع العمل من أجل الكسب الأكبر، ما يضع أموالاً في أيدي المستهلكين، فينفقونها ويسرعون بذلك عجلة الاقتصاد.

وبات هذا الرسم الشهير يُعرف باسم «رسم لافر»، وتحول إلى عقيدة الحزب الجمهوري الضرائبية. ومنذ ذلك الحين، نفذ اثنان من الرؤساء الجمهوريين الثلاثة الذين تسلموا مقاليد الحكم، هم رونالد ريغان وجورج بوش الابن، خفوضات ضريبية كبيرة بهدف تنشيط الاقتصاد. ولكنها لم تكفِ الجمهوريين وسياسييهم، وخصوصاً المعروفين بـ «الليبرتاريين» الذين يسعون إلى تقليص دور الحكومة إلى أكبر درجة ممكنة، ومن قبيل ذلك جملة ريغان الشهيرة إن «الحكومة ليست الحل، بل هي المشكلة». وفي عام 2010، جدد لافر تمسكه بنظريته وأصدر كتاباً دعا فيه إلى توحيد ضريبة الدخل الأميركية، التصاعدية حالياً، وتحديدها عند 15 في المئة، معتبراً أن ذلك من شأنه تنشيط الاقتصاد، ما يؤمن للحكومة مداخيل أكبر على رغم الخفض.

تخفيضات بوش
ولكن الرئيسين الديموقراطيين اللذين حكما منذ نهاية السبعينات، أي بيل كلينتون وباراك اوباما، عمدا إلى رفع الضريبة، خصوصاً على أصحاب المداخيل المرتفعة. وأدى انتهاء مفاعيل خفوضات الرئيس السابق جورج بوش نهاية عام 2012، إلى مواجهة سياسـية قاسـية بين أوبـاما والكونـغرس، الذي يـسـيـطر عليه الجمهوريون، عرفت بمعركة «حافة الهاوية المالية»، وانتهت بتسوية قضت برفع الضرائب على أعلى درجتين من أصل سبعة في السلم الضرائبي.

ومع كشف اوباما عن موازنته للعام المقبل، تبين انه ينوي تقديم خفوضات ضرائبية لـ13.5 مليون أميركي في درجات المداخيل الدنيا، وزيادة الضرائب على الدرجات الأعلى بما يؤمن للحكومة نحو 60 بليون دولار سنوياً، ينفق معظمها لتعويض الخفوضات على الأدنى دخلاً، بينما يُستخدم الفائض لتمويل برامج اجتماعية أخرى.

أما الجمهوريون، فقدموا عبر رئيس اللجنة المالية في الكونغرس دايف كامب، خطة سموها «الإصلاح الضرائبي لعام 2014»، تقضي بتحويل السلّم الضريبي من سبع درجات إلى ثلاث، وتحدد سقفاً يبلغ 18 في المئة، ما يمنح أصحاب المداخيل المرتفعة إعفاءات ضخمة.

وأكد الجمهوريون أن الخطة تؤدي إلى «تبسيط عملية احتساب الضريبة السنوية» الأميركية، وهي من الأعقد في العالم، ولا تؤثر على مداخيل الحكومة، بل تساهم في تنشيط القطاع الخاص وخلق 1.8 مليون وظيفة وإضافة 3.4 تريليون دولار إلى الناتج المحلي خلال العقد المقبل، أي بنمو نسبته 20 في المئة مقارنة بحجم الناتج اليوم.

ويحجز أصحاب العمل نسبة تقديرية من رواتب موظفيهم ويرسلونها إلى «وكالة الدخل»، وكذلك يفعل أصحاب المهن الحرة. وبعد انقضاء العام، يحضّر صاحب كل مدخول بيانات معقدة بما جناه وبما يحق له من اقتطاعات بموجب القوانين، التي تقدم تسهيلات ضريبية في حقول عدة، مثل الخفوضات الضريبية المخصصة للعائلات التي تنفق على قاصرين أو على الأهل المتقاعدين.

وبعد إجراء البيانات والحسابات، تعيد الحكومة جزءاً من الأموال التي احتجزتها، أو يدفع العاملون أموالاً للوفاء بكل المستحقات الضريبية المفروضة عليهم. وهكذا، يقدم الأميركيون، يتصدرهم الرئيس ونائبه، سنوياً وقبل حلول منتصف نيسان (ابريل)، بياناتهم الضريبية، التي تظهر بالتفصيل مصادر أموالهم وكميتها وضرائبهم. وبين الحين والآخر، يتوافق الديموقراطيون والجمهوريون على ضرورة «تبسيط» العملية الضريبية وإلغاء عدد من الإعفاءات، ما من شأنه تعزيز مداخيل الحكومة الفيديرالية في شكل كبير ومن دون إقرار قوانين زيادة فعلية.

توافق فاختلاف
وعلى رغم إجماع الحزبين على ضرورة التبسيط وزيادة عائدات الخزينة، إلا أن نادراً ما يتفقان على الطريقة. فالديموقراطيون يريدون خفوضات للأكثر فقراً وزيادات على الأعلى كسباً، والجمهوريون يريدون إلغاء العامل التصاعدي بفرض ضرائب يتساوى فيها الفقراء والأغنياء، مع ما يعني ذلك من انتقاص للعدالة الاجتماعية يبررونها بالقول إن الأغنياء يمكنهم أن يحركوا الاقتصاد أكثر وأن يخلقوا وظائف عندما ترتفع مداخيلهم.

ويختلط هذا الجدال الفلسفي مع الحسابات السياسية، خصوصاً خلال السنة الانتخابية للكونغرس، أي هذه السنة، ما يعني أن الحزبين يقدمان خططاً ضريبية «عقائدية» تهدف إلى تسجيل مواقف سياسية وكسب تأييد القاعدة، مع علمهما بأن هذه الخطط يستحيل أن تؤدي إلى تسوية يسهل إقرارها في الكونغرس.

ومع اقتراب انتخابات الكونغرس المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، قدم اوباما موازنة شعبوية تتضمن بنوداً ضرائبـية يعشقها الديموقراطيون، ولكن يستحيل أن يصادق عليها الكونغرس، وكـذلـك قدم الـجـمهوريـون خطة تبـسيط تريدها قاعدتـهم الشـعبـية، ولكـن يسـتحيل أن تمر في مجلس الشيوخ أو أن يصادق عليها الرئيس.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008