حسين عبدالحسين
قد يعتقد الرئيس السوري بشار الاسد وحلفاؤه في حزب الله أنهم قاربوا الحسم في سوريا. وقد يوافقهم في ذلك بعض مؤيدي الثورة السورية، وربما بعض الثوار السوريين انفسهم ممن يشعرون بتخاذل العالم في دعمهم.
إلا أن شخصاً وحيداً لا يرى نهاية وشيكة للحرب في سوريا، ويعتقد أن الطرفين وصلا إلى طريق مسدود ولا يمكنهما الحسم، وأن الأسد لديه الإمكانات العسكرية ولكن ينقصه العدد، فيما لدى الثوار عدد كبير من المقاتلين، ولكن تنقصهم الإمكانات. هذا الشخص هو الرئيس الأميركي باراك أوباما.
ولأن طريق الحسم مسدود في سوريا، يعتقد أوباما أن استمرار المواجهات له فائدة استراتيجية للولايات المتحدة، تتمثل باستنزاف ايران، الراعي الاكبر للأسد وحزب الله، مالياً وعسكرياً وسياسياً. هكذا، كما تأملت إيران بفرح أميركا وهي تتلقى اللكمات وتنزف في العراق، صار اليوم دور أميركا للوقوف جانباً وتأمل إيران وهي تنزف في سوريا.
على أن في استمرار الحرب السورية مشكلتين للأميركيين: واحدة أمنية وثانية إنسانية. جزء من المشكلة الأمنية كان يكمن في احتمال سقوط ترسانة الأسد الكيماوية في أيدي المجموعات المتطرفة من الثوار، وهذا جزء تمت معالجته، إذ يؤكد مسؤولو أوباما، وكان آخرهم وكيل وزير الخارجية وليام بيرنز في جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ مؤخراً، أن الأسد سيلتزم بمهلة تسليم ترسانته مع حلول 30 يونيو/حزيران، كما هو متفق عليه ومكرس في قرار مجلس الامن رقم 2118.
الجزء الآخر من المشكلة الامنية التي تشكلها الحرب السورية للأميركيين، يكمن في افساحها المجال للمجموعات المتطرفة للتلاقي، والتنظيم، والتدريب، وجمع التبرعات. ويخشى الأميركيون من أن تتحول بعض المناطق التي يسيطر عليها الثوار إلى بؤر تنطلق منها عمليات إرهابية حول العالم، أو أن يعود مقاتلو هذه المجموعات إلى بلدانهم حاملين نوايا ومخططات لتنفيذ أعمال عنف.
لذلك، دأب المسؤولون الأميركيون، وكان بيرنز منهم، على تحديد "مكافحة الارهاب" كأولى أولويات واشنطن اليوم في سوريا.
ويقول العارفون في خبايا واشنطن إن أحد مؤيدي التدخل العسكري الاميركي في سوريا قال في أحد اجتماعات "فريق الامن القومي"، بحضور أوباما، إن استمرار الحرب السورية من شأنه أن يخلق اتعاباً للأميركيين مستقبلاً، وأن على أميركا التدخل عاجلاً لمنع حصول ذلك. إلا أن أوباما قال إن تجربة العراق اظهرت ان تدخل اميركا على الارض لا يحول دون قيام شبكات ارهابية، وأن هذه الشبكات موجودة في العراق واليمن وباكستان اليوم، "ومع ذلك لا ترانا نقصف أيا من هذه الدول".
ويضيف هؤلاء، أن أوباما، كرر أن الدرس الرئيسي من حرب العراق هو أن عملية مواجهة المجموعات المتطرفة يكون من خلال تعاون أمني استخباراتي دولي، وملاحقة مصادر تمويل هؤلاء، من دون تدخل عسكري مباشر.
إذاً، مع استنزاف إيران، وخروج الكيماوي من المعادلة، وتصميم أوباما على أن مواجهة الإرهاب هي مجهود استخباراتي دولي، تنتفي أسباب تدخل أميركا عسكرياً في سوريا من وجهة النظر الاستراتيجية الأميركية، لا بل يتحول استمرار الحرب الى مكسب بسبب استنزاف الايرانيين.
تبقى المشكلة الثانية الناجمة عن الحرب السورية والمتمثلة بالازمة الانسانية وتزايد عدد القتلى والجرحى واللاجئين.
في هذا السياق، يبدي أوباما تعاطفاً كبيراً، ويصر على ان تتصدر بلاده الدول المانحة للمساعدات الانسانية بمبلغ 1,75 مليار دولار، فيما يكثر المسؤولون الاميركيون، من امثال المبعوثة الدائمة في الامم المتحدة سامنتا باور، من تصريحاتهم ضد وحشية الحرب وضد النظام وداعميه.
وفي مخيلة أوباما، انه على الرغم من التعاطف مع مأساة السوريين، فان ذلك لا يستدعي اقحام القوة العسكرية الاميركية في اي حرب من اجل ذلك، وهو في الماضي اطلق مقارنة بين كل الازمات الانسانية، وقال لماذا تتدخل اميركا في سوريا انسانيا من دون الكونغو او غيرها.
كذلك، يبدو أن الرئيس الأميركي يعتقد ان تدخل بلاده عسكرياً من شأنه أن يؤزم الأمور أكثر من أن يؤدي الى حلها، الا اذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لاقحام قرابة مئتي الف جندي وانفاق أكثر من ترليوني دولار لتثبيت الوضع والانسحاب، كما فعلت في العراق. لكن تكرار تجربة العراق، أو أي جزء منها، أمر ينفر أوباما وغالبية الاميركيين.
هكذا، تشير كل الحسابات في واشنطن الى ان المصلحة الاميركية تكمن في استمرار الحرب السورية. طبعاً ذلك لا يعني ان اميركا تغذي هذه الحرب أو تطيل في أمدها، لكنه يعني أن أميركا لن تقوم بأي مجازفة أو تستخدم أي قوة أو نفوذ من أجل إنهائها.
ولأن أميركا لا تسعى لإنهاء الحرب السورية، ولأن الأطراف المعنية صارت متعادلة القوة، من غير الواضح كيف سينتهي بركان الدماء السوري، الذي صار يُجمع المسؤولون الأميركيون، وربما مسؤولو الدول الأخرى، أنه بركان مستمر لسنوات قادمة، من دون أي حلول في الأفق المنظور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق