| واشنطن- من حسين عبدالحسين |
في مكتبه في مبنى مركز «ابحاث كارنيغي للسلام» الواقع على مستديرة دوبونت، وخلف مقعده، وضع مروان المعشر في اطار صورة غلاف مجلة اردنية تصدر بالانكليزية وتظهره واقفا والى جانبه العنوان التالي: «مهندس الاصلاحات». نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية الاردني السابق، ونائب رئيس البنك الدولي، السابق ايضا، ونائب رئيس مركز كارنيغي هو ايضا عضو مجلس امناء «الجامعة الاميركية في بيروت»، وعضو جمعية «الحكماء» التي جمعته مع امثال الرئيس الجنوب افريقي الاسطوري الراحل نلسون مانديلا ورئيس اميركا السابق جيمي كارتر. ولو قيض لنا ان نضع عنوانا جديدا للمعشر، لربما وصفناه بـ «الرجل الاكثر اثارة للاهتمام»، او «الاكثر ثقافة او موسوعية».
على انه بعد سنوات من الاغتراب، قرر المعشر العودة للعيش في المملكة الهاشمية، ولكنه قبل عودته وضع خبرته الطويلة في كتاب، اطلق عليه اسم «النهضة العربية الثانية والمعركة من اجل التعددية»، وصدر عن دار نشر جامعة يال المرموقة. ومن المتوقع ان يصدر الكتاب في نسخته العربية في الاردن عن دار الاهلية للنشر في الصيف المقبل.
كتاب المعشر لاقى حتى الآن استحسانا واسعا في الاوساط الاميركية، فكتب عنه اعلاميون من المشاهير من امثال المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» توم فريدمان، في ما قام المعشر بمجهود استثنائي اطل خلاله على قنوات تلفزيونية وراديوات مختلفة، كما عقد حفلات توقيع في مكتبات اميركية متنوعة. كل هذا المجهود، دفع الكتاب الى المراتب الاولى مبيعا في الولايات المتحدة بين الكتب المتخصصة بالسياسة الخارجية والشرق الاوسط.
والكتاب في ستة فصول، اسلوبه موجز ويبتعد عن الاطالة، ولكنه في الوقت نفسه مركز ويعتمد على احصائيات وارقام ودراسات استقاها المعشر من «البنك الدولي» كما من مراكز استطلاع الرأي، مثل غالوب. وزيادة في التوثيق، يعمد المعشر الى تضمين الكتاب ملاحظاته خلال رحلاته المتكررة الى دول المنطقة العربية، خصوصا مشاركته في مراقبة الانتخابات في «دول النهضة العربية الثانية»، مثل مصر وتونس، ومشاركته في حوارات وندوات ونشاطات مختلفة.
المعشر يفتتح كتابه بلمحة موجزة حول «النهضة العربية الاولى» مطلع القرن الماضي، والتي شهدت حراكا للمثقفين وعامة العرب من اجل الاستقلال، اولا من حكم السلطنة العثمانية، وبعدها من حكم البريطانيين والفرنسيين. ويعتقد المعشر ان مصير النهضة الاولى كان قيام ديكتاتوريات علمانية عمدت على تكريس انفرادها بالسلطة وابعاد منافسيها، الذين تصدرتهم الحركات الاسلامية.
في الفصول التالية، يعمل المعشر على تفنيد الرواية التي رسمتها الديكتاتوريات العربية، والتي تحتكر السلطة تحت شعار تثبيت الامن، وتقمع الحريات بحجة ان «الخبز قبل الحرية»، وتصر على الاستئثار بالحكم، رافضة مبدأ التعددية او مشاركة السلطة، ومعللة رفضها في الغالب بالقول انها لا تأمن للاسلاميين، الذين ان وصلوا الى الحكم سيعمدون بدورهم الى الاستئثار به.
لكن المعشر يتابع بالقول ان الاسلاميين يخسرون من رصيدهم بمجرد دخولهم العملية السياسية، ما يجعل من بقائهم في الحكم بأجل مفتوح موضوع غير مؤكد، وانهم حتى لو تسلموا حكومات، فهم سيجدون عملية الحكم معقدة، وسيجدون انفسهم في مواجهة شعبهم الذي لن يتهاون معهم في طلب العيش الكريم الذي لا يكفي تأمينه الاستناد الى شعارات مثل «الاسلام هو الحل».
كذلك، يعتقد المعشر ان القول ان الاسلاميين وحدهم هم من يحاولون الوصول الى الحكم للاستئثار به هو امر مناف للواقع، اذ ان الديكتاتوريات العلمانية تفعل الشيء نفسه. حتى الليبراليين، الذين تتمحور احزابهم حول اشخاص لا حول برامج سياسية، لا يبدون استعدادا للمشاركة في السلطة او تداولها في حال وصولهم اليها.
هكذا، يكمن الحل، برأي المسؤول الاردني السابق، في ادراك الحكام العرب ان الوقت ليس في مصلحتهم، وان عليهم القيام باصلاحات، عاجلا ام آجلا، وان الاصلاحات يتصدرها موضوع التعددية، فالسياسة ليست «عملية غالب ومغلوب»، وعلى الطرفين الرئيسين، اي الديكتاتوريات المدعومة في الغالب من العسكر، والحركات الاسلامية، قبول الآخر.
في السياق نفسه، يشدد المعشر على ضرورة قيام قوة ثالثة تكسر صراع النقيضين وتعمل على بناء تعددية انتخابية، وهو يعول في ذلك على ما يبدو حتى الآن نجاح التجربة التونسية، وعلى اعتبار ان المرشحين الليبراليين الثلاثة في مصر حصلوا على ما مجموعه 50 في المئة من الاصوات اثناء الانتخابات الرئاسية، ما يشي ان الانقسام في مصر ليس حكرا على الجيش والاسلاميين فقط.
ومن خلال لقاءاته مع شباب «الربيع العربي» في مصر وتونس، يعتقد المعشر ان هؤلاء يختلفون عن جيل آبائهم بتمسكهم بالتعددية والديموقراطية، وان في مجتمع غالبيته من الشباب مثل المجتمع العربي، يمثل رأي الشباب املا في مستقبل افضل، وهو الامل الذي دفع المعشر الى العودة الى الاردن حيث سيقوم «بالتواصل مع الشباب هناك». هل يحاول وزير الخارجية السابق بناء حزب والخوض في السياسة الاردنية؟ «ابدا»، يقول المعشر للـ «الراي»، مضيفا: «لا طموح عندي لاي منصب في الدولة، فهذه تجربة خضتها في الماضي واكتفيت منها».
اما عن سبب تفاؤله، حتى بعد احداث مصر وسورية وليبيا، فيقول المعشر ان التغيير لا يقاس بالاشهر والسنوات، بل بالعقود، وهو في الحالة العربية سيحتاج الى ثلاثة او اربعة عقود، ما يعني ان كل الكبوات الحالية هي آنية على الطريق الى مستقبل افضل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق