| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
تعتقد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة والمرشحة الأقوى للرئاسة في العام 2016 هيلاري كلينتون ان الإيرانيين يكذبون، وتسخر من اصرارهم ان لا نية لديهم بصناعة سلاح نووي فيما يسعون لتشغيل 190 ألف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، وتعتقد انهم يريدون رفعا جزئيا للعقوبات الدولية لانهماكهم بتحقيق انتصارات في العراق وسورية، وربما لبنان وغزة، وصناعة سلاح نووي، وبعد انتهائهم من ذلك، لا يعد هناك أي جدوى من العقوبات او المفاوضات.
تصريحات كلينتون جاءت في مقابلة أحدثت هزة سياسية في واشنطن، التي تغرق في سباتها الصيفي المستمر حتى آخر هذا الشهر.
وقالت كلينتون لجيفري غولدبرغ، مراسل مجلة «ذي اتلانتيك»، ان موقف إيران حسب المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي انهم «سيفعلون ما يريدون فعله». وتضيف، ضاحكة، ان «لا نية لديهم الحصول على سلاح نووي، لكنهم مع ذلك يريدون 190 ألف طرد مركزي». وتصف كلينتون الموقف الإيراني بالقول ان الإيرانيين يقولون لأميركا التالي: «انظروا، رفع العقوبات هو امر مهم لنا اقتصاديا وسياسيا... نحن مشغولون في سورية والعراق، حتى نسمي فقط اثنتين من الدول، وربما بشكل متزايد في لبنان، ومن يعلم ما الذي يمكن ان يحصل بيننا وبين حماس، فما الضرر ان تبقى العقوبات علينا في شكل يمكننا التعايش معها الى ألا نعود مضطرين لذلك».
وتعتبر كلينتون ان موقف إيران هو الإصرار على حصول اقصى ما يطلبونه، فيما «البعض عندنا في الكونغرس وبين اهم أصدقائنا (الدوليين) يتخذون موقفا معاكسا يقضي بلا تخصيب ابدا». وتقول: «لطالما كنت في المخيم القائل ان لا حق (للإيرانيين) بالتخصيب، وعكس ما يدعونه، لا يوجد شيء اسمه حق في التخصيب».
وتقول كلينتون ان «الخيار الأفضل هو لا تخصيب، والموقف البديل هو تخصيب قليل جدا بشكل لا يمكنهم النفاذ» لصناعة قنبلة، مثل السماح للإيرانيين بتخصيب كميات بسيطة مطلوبة لمفاعل طهران الطبي او للأبحاث.
وأضافت كلينتون، فيما بدا وكأنه جزء من اعلان برنامجها والسياسة الخارجية فيما لو قيض لها تسلم الحكم: «اعرف أنني لست على طاولة المفاوضات، ولكن اعتقد انه من المهم ان نرسل إشارة للجميع انه لا يمكن ان يكون هناك اتفاق الا إذا كانت هناك مجموعة ضوابط واضحة على إيران».
وما قالته كلينتون لغولدبرغ حول إيران يمثل عكس السياسة التي ينتهجها أوباما.
وغولدبرغ هو المراسل نفسه الذي أجرى مقابلة مع أوباما في مارس الماضي أحدثت ضجيجا واسعا عندما قال انه على شركاء الولايات المتحدة من السنّة في منطقة الشرق الاوسط قبول التغيير المقبل في علاقة أميركا مع إيران، وانه يعتقد ان هناك تحولات تحصل في المنطقة باغتت الكثير من السنة، وان «التغيير مخيف دائما»، و«لطالما كانت هناك راحة بال ان الولايات المتحدة مرتاحة للوضع القائم وللاصطفاف الموجود، وان الولايات المتحدة على عداء عنيد مع إيران». في تلك المقابلة وصف أوباما الإيرانيين بـ «الاستراتيجيين» و«غير المتهورين»، وقال ان «لديهم نظرة عالمية، ويرون مصالحهم، ويتعاملون مع حسابات الربح والخسارة»، و«انهم دولة كبيرة وقوية ترى نفسها لاعبا مهماً على المسرح الدولي، ولا اعتقد ان لديهم تمنيات بالانتحار، ولذلك جاؤوا الى طاولة المفاوضات من اجل العقوبات».
وكلينتون لا تناقض أوباما في إيران فحسب، بل في سورية كذلك، بقولها انها لا تعتقد ان مقولة الرئيس باراك أوباما حول السياسة الخارجية «لا تفعلوا أمورا بلهاء» مقولة ترتقي كي تكون سياسة لدولة عظمى، وان أميركا بحاجة الى «مبادئ ناظمة» لسياستها الخارجية.
وتكرر كلينتون موقفها المتباين عن أوباما في سورية، والذي كتبت عنه في كتاب مذكراتها «خيارات صعبة» وقالت فيه انها – اثناء عملها وزيرة للخارجية – أيدت تدريب وتسليح ثوار سورية، وهو الموقف الذي رفضه ومازال يرفضه أوباما.
وقالت كلينتون لغولدبرغ: «انا اعتقدت (بالتسليح) ولذلك تبنيته، فلو قمنا في وقت مبكر بالانتقاء بعناية، وتدريب، وتجهيز نواة من الجيش السوري الحر، لكنا – في المقام الأول – لدينا نظرة افضل حول ما يجري على الأرض، وثانيا، كان يمكن لنا ان نساعد في انشاء معارضة سياسية ذات مصداقية، وهو أمر معقد، لأنه لطالما كان هناك صراع بين مجموعة في المنفى تحاول القول انها تمثل المعارضة السياسية، والناس على الأرض، أي أولئك الذين يقاتلون ويموتون، الذين يرفضون (معارضة المنفى)، ولم نتمكن من رأب هذا الصدع على الرغم من المجهود الذي قام به (سفير اميركا السابق في سورية روبرت) فورد وآخرون».
وتتابع كلينتون: «اعتقدت انه في ما بعد، في صراع من هذا النوع، الرجال مع السلاح هم الذين سيكونون على الأرجح جزءاً من أي عملية انتقال سياسية أكثر من أولئك في الخارج الذين يتكلمون فقط، ولذا كان علينا ان نجد طريقة لكيفية دعمهم وتجهيزهم».
واعتبرت كلينتون ان فشل واشنطن في تدريب وتسليح المعارضين، «وكان منهم الإسلاميون والعلمانيون ومن هم بين الاثنين»، خلق فراغا ملأه المتطرفون الإسلاميون، فقامت جهات أخرى بالتسليح في شكل عشوائي، ولم يكن لأميركا وجود على الأرض حتى تمنع ذلك.
إذا، مواقف كلينتون تتناقض مع مواقف أوباما وتقترب أكثر نحو الوسط وصقور السياسة الخارجية، وتبتعد عن اليسار ومؤيدي العزلة، وهو ما ينبئ بتغيير جذري في السياسة الأميركية في حال وصول كلينتون الى البيت الأبيض.
والمعروف ان جزءا كبيرا من سياسة أوباما يرتبط باستطلاعات الرأي، وكذلك مواقف الرئيس الأسبق بيل كلينتون وزوجته.
واظهر آخر الاستطلاعات التي قام بها «معهد بيو» أن 45 في المئة من الاميركيين يؤيدون «القيام بالكثير في العراق»، فيما أيد 40 في المئة «القيام بشيء يسير»، وقال 14 في المئة انهم لا يعتقدون ان على أميركا فعل شيء في العراق أبدا.
ومع أكثر من 85 في المئة من الاميركيين الذي يؤيدون القيام بعمل ما في العراق، كان لابد لأوباما ان يرسل مقاتلتي «اف 18» لقصف مواقع «الدولة الإسلامية»، وكان لابد ان نقرأ انقلابا في السياسة الخارجية من واحدة من أبرز المرشحين للرئاسة في الانتخابات المقبلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق