حسين عبدالحسين - واشنطن
يتواصل صدور التقارير الاقتصادية الإيجابية في واشنطن، والتي أشار آخرها إلى قفزة بلغت 22.6 في المئة في إجمالي طلبات السلع المعمرة وهي الزيادة الشهرية الأكبر منذ بدأت وزارة التجارة إصدار هذا النوع من التقارير في 1992.
ونتيجة هذه الزيادة ارتفعت مؤشرات الأسواق المالية، في وقت أعادت وحدة الدراسات في «بنك باركليز» النظر في توقعاتها للنمو الأميركي في الفصل الثالث من 2.4 إلى 2.7 في المئة، بالتزامن مع توافر ما يشبه الإجماع على أن الولايات المتحدة ستنهي هذه السنة بمعدل نمو يبلغ ثلاثة في المئة.
وتوقع «باركليز» أن يشير تقرير الوظائف لهذا الشهر الذي سيصدر الأسبوع المقبل إلى خلق الاقتصاد 200 ألف وظيفة، ما يخفض البطالة إلى 6.1 في المئة، و5.8 في المئة مع نهاية السنة، وإن حصل هذا السيناريو فستصل هذه النسبة إلى حدها الأدنى الذي بلغته منذ العام 2008.
ويأتي التقرير بعد آخر سبقه وأشار إلى زيادة في الثقة لدى المستهلكين الأميركيين في آب (أغسطس) إلى 92.4، بارتفاع 2.1 عن الشهر الماضي. والقراءتان هما الأعلى منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2007.
التقريران المذكوران لا يخرجان عن سياق سيل التقارير الأخرى الصادرة في واشنطن على مدى الأسابيع العشرين الماضية، والتي دفعت الخبراء إلى إصدار تكهنات مفادها أن مجلس الاحتياط الفيديرالي، الذي كان أعلن تقليص سياسة الإنعاش النقدي بهدف إنهائها، سيعمد إلى رفع الفائدة على السندات ذات المدى القصير، والتي تراوح في أدنى مستوياتها منذ أكثر من ست سنوات.
ويعتبر رفع الفائدة للجم التضخم مؤشراً إيجابياً في الدورة الاقتصادية، لكنه يثير القلق في الحال الأميركية، إذ من شأنه أن يؤدي إلى زيادة كلفة الدين العام الذي يبلغ 17.7 تريليون دولار، ويرتفع بواقع 2.37 بليون دولار يومياً. وأصدر مركز «هتشنز» للبحوث الاقتصادية، التابع لمعهد «بروكنغز»، وثائقياً يشير إلى أن واشنطن نجحت في السيطرة عليه، وهو يبلغ اليوم 75 في المئة من الناتج المحلي، بسبب إقرار زيادة في الضرائب على الأميركيين ذوي الدخل المرتفع، والاقتطاع في الإنفاق في موازنة الحكومة الفيديرالية السنوية. لكن الشريط يشير إلى توقع بلوغ الدين العام 80 في المئة من الناتج المحلي بحلول عام 2024، وأن يمضي بوتيرة تصاعدية مقلقة بعد ذلك.
ويبني الوثائقي على تقرير أعده فريق من المعهد في آذار (مارس) الماضي، ويشير إلى أن عائدات الحكومة الفيديرالية هذه السنة بلغت 16.5 في المئة من الناتج المحلي، فيما بلغ الإنفاق من دون فوائد الدين 19 في المئة، ومع زيادتها يصبح 20.5 في المئة.
وعام 2024، ووفق التقرير ذاته، ترتفع العائدات إلى 18 في المئة من الناتج، ويبقى الإنفاق في حدود 19 في المئة فيما تساهم خدمة الدين في رفع الإنفاق أربعة في المئة ليصل إلى 23 في المئة.
وستبلغ فوائد الدين العام الأميركي أربعة في المئة في 2024، وهي نسبة تساوي العجز السنوي المتوقع في العام ذاته وفق مكتب الموازنة في الكونغرس، وهو أمر مثير للقلق ولا يخفى أنه أحد العوامل التي تدفع رئيسة مجلس الاحتياط، جانيت يلين، إلى التريث في رفع الفائدة على رغم تعالي الأصوات داخل المجلس مطالبة برفعها خوفاً من زيادة مفاجئة في التضخم.
ولاحظ مراقبون أن يلين في خطابها الأخير تحدثت عن الشيء وعكسه، على سبيل المثال ذكرت عودة الاقتصاد إلى عافيته لكنها في الوقت ذاته لفتت إلى أن البطالة لم تعد إلى أدنى مستوياتها، ما يحتم على «الاحتياط الفيديرالي» الاستمرار في الحوافز عبر إبقاء الفائدة منخفضة على الأقل. لكن يلين تدرك أن إبقاء الفائدة منخفضة يرتبط بأمور أخرى، إذ من شأن رفعها إجبار الحكومة على الاستدانة بفائدة أعلى لسنداتها ذات المدى القصير، ما يساهم في رفع كلفة الدين العام. ومن شأن رفع الفائدة أيضاً أن يقتنص بعض المستثمرين من أسواق المال، ما سيتسبب بهزات في الأسواق وخلق بعض التعثر للاقتصاد، ما يعني أن الحكومة الفيديرالية تخسر من عائداتها.
هذه التعقيدات تساهم في حيرة يلين و «مجلس الاحتياط»: هل يرفع الأخير الفائدة على رغم الارتدادات السلبية لذلك على المالية العامة؟ أم يتركها منخفضة ويجازف بإمكان خروج التضخم عن السيطرة ما قد يؤذي الاقتصاد بطرق مجهولة؟
التقارير الاقتصادية الأميركية إيجابية، لكن ارتفاع الدين العام يجعل من الخطوة المقبلة لمجلس الاحتياط الفيديرالي خطوة تشوبها الحيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق