| واشنطن – من حسين عبدالحسين |
تظهر دراسة اقتصادية ان النمو في زمن الرؤساء الديموقراطيين في نصف القرن الأخير، ومنهم باراك أوباما، يبلغ معدل 3.3 في المئة، متفوقا على معدل النمو في زمن نظرائهم من الحزب الجمهوري. لكن الدراسة تقول في الوقت نفسه، انه على الرغم من مساهمة الرؤساء في توجيه الاقتصاد، الا ان الاقتصاد أكبر منهم بكثير، ويصدف فقط ان حظ الرؤساء الديموقراطيين أفضل من الجمهوريين. وكما في الاقتصاد، كذلك في السياسة الخارجية، يدرك غالبية المعنيين انه على الرغم من الصلاحيات الهائلة التي يتمتع بها الرؤساء، الا ان الاحداث حول العالم والمزاج الأميركي العام يحددان مواقف الرئيس الأميركي وسياسته.
فالرئيس السابق جورج بوش لم يختر ان يكون «رئيس حرب» لولا هجمات 11 سبتمبر 2001، التي لم يخترها هو بل هي اختارته ووقعت في عهده. كذلك، لم يختر أوباما ان يرث حربين ومزاجاً أميركياً انعزالياً، ولكنه وجد نفسه في هذا الموقع.
هذه الأيام، المزاج الأميركي حول السياسة الخارجية يتغير ويصبح أقل انعزالية، وكذلك سياسات أوباما الذي، للمرة الأولى منذ ست سنوات، يتلفظ أحد مسؤوليه، وهو وزير الدفاع تشاك هيغل، بتصريح تحدث فيه عن إمكانية استخدام قوات أميركية لكسر حصار «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) حول جبل سنجار لإخراج المجموعة الايزيدية التي كانت محاصرة في أعاليه.
لحسن حظ أوباما، خارت قوة «داعش»، ربما بسبب الغارات الأميركية وتحت وطأة ضربات البشمركة الكردية، التي أخرجت المحاصرين الى أماكن أبعد عن قبضة «داعش» في طريق اجلائهم نحو كردستان.
ولكن حتى لو استخدم أوباما قوات خاصة لإنقاذ الايزيديين، فكان ليفعل ذلك من دون معارضة أميركية تذكر.
اما أسباب التغير في المزاج الأميركي العام، حسب استطلاعات الرأي، فيعزوها المراقبون في شكل رئيسي الى التحسن الكبير في الاقتصاد، فالقطاع الخاص يخلق وظائف من دون انقطاع منذ 53 شهرا، وهي أطول فترة يحصل ذلك منذ العام 2001، فيما النمو في الربع الثاني بلغ أربعة في المئة. والتحسن الأميركي يقابله تعثر صيني، وان نسبي، وتراجع أوروبي، ما عزز ثقة الأميركيين بقوة بلادهم ومتانة اقتصادها الذي ينمو في وقت يواجه الاقتصاد العالمي مطبات وعثرات.
سبب آخر، حسب عاملين في فريق الرئيس الأميركي، يكمن في ان الرأي العام صار مقتنعا انه على عكس بوش، أوباما حذر جدا في استخدام قوة اميركا العسكرية وفي توريطها في حروب مفتوحة ومرهقة. لذا، حاز أوباما على ثقة المشككين والمعارضين في جدوى أي تدخل خارجي، وصار هؤلاء يعتبرون انه اذا ما قرر الرئيس الأميركي التدخل، فان ذلك ضروري وغير مفتوح الأمد.
لكن أوباما نفسه صار يسعى الى اظهار انه ليس ركيكا او ضعيفا كما يحاول الكثيرون تصويره. ولأن غالبية من الحزب الجمهوري المنافس تسيطر على الكونغرس ونجحت في احباط أوباما وتعطيل كل مشاريعه الداخلية، لم يعد للرئيس الأميركي في سنتيه الأخيرتين من حكمه الا اظهار عزمه وبراعته في السياسة الخارجية، حيث صلاحياته أوسع بما لا يقاس.
اما أول من التقط التغيير في المزاج الأميركي تجاه السياسة الخارجية، فكانت الوزيرة السابقة والمرشحة الأقوى للرئاسة في العام 2016 هيلاري كلينتون، التي اثارت تصريحاتها حول اختلافها مع مواقف أوباما في إيران وسورية عاصفة انتقادات وردود من جهة الفريق الرئاسي الذي يشعر انه تعرض للطعن بالظهر.
ويقول مساعدو أوباما أن كلينتون تضع الرئيس الأميركي في موقف حرج، خصوصا مع اقتراب انتخابات الكونغرس المقررة في نوفمبر المقبل، اذا ان انتقاد واحد من اهل البيت لأوباما يعطي معارضيه حججا كافية للمزايدة في السياسة الخارجية.
ومع ان السياسة الخارجية لا تلعب دوراً يذكر في تحديد خيارات الناخبين الاميركيين التي تتركز حول الأمور الداخلية، الا ان الخارجية تساهم في صناعة صورة الرئيس، الذي كلما بدا ضعيفا أكثر، كلما ساهم في تأزيم المأزق الانتخابي الذي يعاني منه الحزب الديموقراطي، الذي يبدو انه صار سيخسر الغالبية التي يتمتع بها في مجلس الشيوخ.
ومع خسارة الكونغرس كليا، يتحول أوباما الى بطة عرجاء بالكامل، وهو على الأرجح ما دفع كلينتون الى التبرؤ منه قبل ان يصبح الرئيس «مسموماً» سياسيا ويجب الابتعاد عنه، حسب التعبير الأميركي.
الرياح الأميركية تتغير، وأوباما لم يعد من المستقبل بل اصبح من الماضي، فيما يتصارع من يسعون لخلافته على الالتحاق بالمستقبل بابتعادهم عنه.
أما أوباما، فلم يعد امامه الكثير الا التمسك بمقولته في السياسة الخارجية «لا تفعلوا أشياء بلهاء»، حتى انقضاء ولايته الثانية على سلام وحتى يبدأ التاريخ عملية الحكم على رئاسته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق