| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
يقول رئيس تحرير مجلة «نيويوركر» المرموقة واحد أبرز الخبراء الاميركيين المتخصصين في الشؤون الروسية دايفيد رمنك، ان «عقيدة او رؤية عالمية آخذة في التشكل: (رئيس روسيا فلاديمير) بوتين ماض في وضعه روسيا في قلب محور معاد للغرب، ومحافظ اجتماعيا، وفي تحويلها الى ما يعتقده حصنا منيعا في وجه اميركا الخطيرة».
وينقل رمنك عن سفير اميركا السابق في روسيا مايكل ماكفاول، انه اثناء زيارة قام بها وزير الخارجية جون كيري واجتمع اثناءها مع بوتين، نظر الأخير الى ماكفاول وقال له: «نعلم ان سفارتك تعمل مع المعارضة لإسقاطي». هنا تدخل كيري وسأل بوتين «ماذا تعني؟»، فلم يجب الرئيس الروسي وتابع التحديق بالسفير الأميركي مرددا «نحن نعرف ذلك». وقال مكفاول لرمنك: «لم يشأ بوتين الخوض في تفاصيل، لكنه حدق بي في شكل مباشر، ورمقني بتلك النظرة التي تقول انه سيفوز في نهاية المطاف».
هذا هو ما تبقى من سياسة «التصفير» التي ارادتها الولايات المتحدة مع روسيا ابان تولي الرئيس باراك أوباما الحكم في العام 2009. منذ ذلك الحين، لم يكد يمر شهر من دون ان تنفجر علانية الخلافات بين البلدين، من استقبال بوتين للمتعاقد السابق مع الحكومة الاميركية وفاشي اسرارها حول برامجها التجسسية ادوارد سنودن، الى ابتلاع روسيا القرم واتهام اميركا لها بإسقاطها طائرة ركاب مدنية تابعة للخطوط الماليزية راح ضحيتها أكثر من 200 شخصا.
وبعد الجولة الأخيرة من العقوبات التي فرضتها اميركا وحلفاؤها على مقربين من بوتين وعلى شركات نفط روسية، أعلن بوتين نية بلاده مبادلة العقوبات بعقوبات على المصالح الغربية داخل روسيا، وفي اليوم التالي أعلن رئيس الحكومة ديميتري ميدفيديف حظرا روسيا لمدة عام على استيراد اللحوم والمواد الغذائية من اميركا وكندا والاتحاد الأوروبي وأستراليا والنرويج.
وللمزيد من الامعان في تأزيم الوضع مع الغرب، خصوصا اميركا، أعلنت روسيا مطلع هذا الأسبوع توقيعها مذكرة تعاون تجاري واقتصادي مع إيران، كما أعلنت عن نية المسؤولين الروس عقد لقاء ثنائي مع نظرائهم الإيرانيين في طهران في التاسع والعاشر من الشهر المقبل للتباحث في تطبيق اتفاقية التعاون الموقعة.
وفي هذا السياق أوردت وكالة «ايتار تاس» الروسية ان موسكو تسعى خصوصا لإقامه شراكات نفطية بين الشركات الروسية ونظيرتها الإيرانية، وهو ما من شأنه ان يعزز من كميات الإنتاج النفطي الإيراني الخام والمكرر.
وكانت شركة «زاروب نفت» الروسية حازت في شهر سبتمبر الماضي على ترخيص، كان الأول من نوعه لشركة اجنبية، للعمل في طهران.
لكن الخبرات التي تملكها شركات النفط الروسية متواضعة مقارنة بنظيرتها الأميركية والأوروبية، وكانت «روزنفت» الروسية وقعت عقدا مع «اكسون موبيل» الأميركية لاستخراج النفط في القطب الشمالي، فيما تعول شركات النفط الروسية على الخبرات الغربية لتطوير نشاطاتها.
كذلك، تعتمد روسيا في شكل كبير على الاتحاد الأوروبي اذا أظهرت دراسة أصدرتها «خدمة أبحاث الكونغرس» ان 53 في المئة من صادرات روسيا تذهب الى الاتحاد الأوروبي، فيما تستورد روسيا 45 في المئة من اجمالي مستورداتها من هذا الاتحاد، ما يعني ان تعطيل التجارة بين البلدين ينعكس سلبيا، خصوصا على روسيا، التي يبلغ حجم الاقتصاد الأوروبي تسع مرات حجم اقتصادها.
وفي وقت تظهر الدراسة ان التجارة بين اميركا وروسيا لا تتجاوز خمسة في المئة من حجم التجارة الروسية، الا ان المصارف الأميركية تقرض روسيا 15 في المئة من اجمالي ديونها الخارجية، مقارنة بـ 75 في المئة تستدينها موسكو من المصارف الأوروبية، ما يعني ان للعقوبات الأوروبية - الأميركية تأثيراً سلبياً جدا على أداء الاقتصاد الروسي الذي يتراوح بين نمو ضئيل جدا وبين ركود.
وتعتبر «خدمة أبحاث الكونغرس» انه «على رغم ان العلاقة الاقتصادية بين الولايات المتحدة وروسيا محدودة نسبيا، الا ان العلاقات على مستوى الشركات والقطاع الخاص كبيرة». وتضرب الخدمة شركة «بيبسي كو»، أكبر شركة مأكولات ومشروبات في روسيا، مثالا، وكذلك شركات فورد وجنرال اليكتريك وبوينغ.
وتختم الدراسة بالقول ان العقوبات الأوروبية اهم بكثير من الأميركية، وتعتبر ان الأوروبيين يفكرون حاليا بعقوبات شاملة وقاسية على بوتين ونظامه.
«في المدى القصير»، يقول ماكفاول في مقالة في صحيفة «نيويورك تايمز» اول من أمس، «من غير المتوقع ان يغير بوتين رأيه، وهذه الخطوات (العقوبات) وحدها ستجعله أكثر عنادا». لذا، يعتقد السفير الأميركي السابق في روسيا ان الحل يكون باتخاذ خطوات أخرى، من قبيل تسليح الجيش الاوكراني، الذي يخوض معارك شرق البلاد في وجه متمردين انفصاليين مدعومين من موسكو.
وما يقترحة ماكفاول في أوكرانيا يقترحه كثيرون في سورية، اذ يعتقد سياسيون من الحزبين ان تسليح ثوار سورية من شأنه ان يساهم في زيادة الضغط على حلفاء بوتين، وان يجبره على صب المزيد من الأموال والأسلحة على حليفه المتهالك الرئيس السوري بشار الأسد.
تسليح الحلفاء المتخاصمين في دول حول العالم، إضافة الى جولات العقوبات المتبادلة بين البلدين، يعيدان الصراع بين روسيا والغرب الى أيام الحرب الباردة.
صحيح ان الرئيس أوباما وادارته يصرّون على رفض احياء هذه التسمية، ولكن مواجهة اقتصادية وعسكرية غير مباشرة هي، الى حد كبير، حرب باردة، وهي تفرض الاستمرار حتى يتراجع أحد الفريقين وينهار كما حصل للروس في الحرب الأولى التي انتهت في العام 1990 بخسارتهم.
لكن ليس أوباما وحده من يرفض الحديث عن حرب باردة، بل أصوات روسية تعتبر ان إعادة احياء الإمبراطورية السوفياتية الميتة هو ضرب من ضروب الخيال، رغم كل محاولات بوتين البائسة. «نحن دولة فاسدة من العالم الثالث تختبئ خلف شعارات امبراطورية، لكن ليست لدينا موارد لإعادة احياء الامبريالية الروسية فعليا»، ينقل رمنك عن الكاتب الروسي ستانيسلاس بيلكوفسكي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق