واشنطن - من حسين عبدالحسين
قالت مصادر أميركية رفيعة المستوى إن إكثار الرئيس السوري بشار الأسد ومعاونيه من ترداد معارضتهم لأي تدخل خارجي في شؤون سورية ينبع من معرفتهم بأن زيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف دمشق تهدف للبحث في مصير الأسد، وفي وجوب تنحيته، مقابل بقاء نظامه وتوصله لاتفاق مع المعارضة.
وأضافت المصادر أن موسكو تعمل على مبادرتها منذ فترة، وأنه تم بحثها أثناء لقاء الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين في بكين الشهر الماضي، وأنه يتم تداولها بشكل متواصل بين العاصمتين، وهو ما أشار إليه المسؤول الروسي أثناء زيارته دمشق بصراحة بقوله «نحن نتواصل مع شركائنا الأميركيين» حول هذا الموضوع.
ورغم محاولة الأسد الإيحاء بأن موسكو تدعم بقاءه، إذ نقلت عنه وكالة «سانا» قوله إنه «لطالما وقفت روسيا في صف الشعب السوري وقدمت براهين أنها تدعم حق الشعب في تقرير مصيره»، وهي إشارة من الأسد أن روسيا سبق أن اعترفت بنتائج الانتخابات التي أقامها نظامه وفاز فيها بولاية رئاسية ثالثة مدتها سبع سنوات، إلا أن المصادر الأميركية لفتت إلى قول بوغدانوف، بديبلوماسية لبقة: «نريد أن نصل إلى اتفاق حول قضايا كثيرة مع سلطات دمشق»، وهذه إشارة إلى أن روسيا تختلف مع الأسد في عدد من القضايا، الأمر الذي يتطلب زيارة المسؤول الروسي سورية ومحاولته التوصل لاتفاق مع الأسد حولها.
وتابعت المصادر الأميركية أن هذه القضايا تتمثل في قبول الأسد مشاركة نظامه في مؤتمر ينعقد في موسكو ويتضمن حواراً وجهاً لوجه مع المعارضة السورية، التي أمضت موسكو الأسابيع الأخيرة في التنسيق معها. أما هدف موسكو، فهو التوصل لاتفاق بين النظام والمعارضة، من أجل مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) و«جبهة النصرة». أما ثمن إنهاء المواجهة بين المعارضة والنظام ودخولهما في تحالف لمواجهة التنظيمين المذكورين، فهو خروج الأسد من الحكم.
وتأتي الأنباء عن المبادرة الروسية برضى أميركي في وقت نقلت وكالة «ماكلاتشي» الأميركية للأنباء عن قوات المعارضة السورية المعتدلة في إدلب وريف حماه قولها إن الولايات المتحدة أوقفت الأموال والتسليح الذي كانت تقدمه لهذه القوات بسبب سيطرة «النصرة» على مخازن سلاح زودتهم بها واشنطن.
ونقلت الوكالة عن العقيد في «الجيش السوري الحر» فارس بيوش قوله: «في نوفمبر، تسلمنا كل أنواع الدعم، بما في ذلك المرتبات، أما هذا الشهر فتوقف الدعم تماماً». وأضاف بيوش أن ممثلاً عن وزارة الخارجية الأميركية أبلغه أن أميركا ستواصل تزويد الثوار السوريين بالطعام والمعدات الطبية، ولكنها لن تدفع رواتب مقاتلين ولن تزودهم بأسلحة. وقدرت الوكالة عدد المقاتلين من «الجيش السوري الحر»، الذين سبق أن دربتهم أميركا والذين انتقلوا إلى صفوف «جبهة النصرة» بسبب انقطاع المرتبات والتسليح، بما بين 800 وألف مقاتل في الأسابيع القليلة الأخيرة.
وقال السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد في مقابلة مع مجلة «بروسبكت»: «لم أكن مرتاحاً أبداً يوماً لاستخدام المعارضة السلاح. أعتقد أننا إذا نظرنا إلى الموضوع قد نعتبر أنه غلطة»، مضيفاً: «أنا قلت ذلك في الماضي، تكراراً، وأتذكر أن أحد الناشطين السوريين قال لي إنك تتوقعنا أن نتصرف مثل غاندي في وقت النظام الذي نقاتله هو أسوأ بكثير من البريطانيين في الهند».
وتابع فورد أن ما قاله الناشط كان صحيحاً، فالبريطانيون في الهند لم يستخدموا السلاح الكيماوي مثلما فعل الأسد بحق شعبه، ولا أسقط البريطانيون براميل متفجرة على رؤوس الهنود. وقال إن «الأمر الأهم هو تحديد كيفية الضغط على النظام بشكل كافٍ لحمله على التفاوض».
وروى فورد عن مؤتمر جنيف الثاني قائلاً: «ذهبنا إلى جنيف في يناير وفبراير، و وضعت المعارضة على الطاولة أمام الأمم المتحدة اقتراحاً مكتوباً لحكومة وحدة انتقالية، ولم يطلب الاقتراح من بشار التنحي».
وتابع: «حاولت الأمم المتحدة حمل النظام على قبول التفاوض كمخرج للأزمة السورية، لكن النظام رفض قطعياً التفاوض، لذا في ظل هذه الظروف، ليس غريباً أن نتوقع أن يفاوض النظام فقط إن شعر بالمزيد من الضغط العسكري».
وقال فورد: «لذلك تركت أنا الحكومة، لأننا إلى أن نبدي استعداداً لفعل المزيد للضغط على النظام، لن نتوصل إلى الحل السياسي الذي نتحدث عنه».
ومن نافل القول إنه رغم حديث واشنطن المتواصل عن نيتها تدريب وتسليح خمسة آلاف مقاتل سوري، إلا أن هذه الأحاديث مازالت في حيز الثرثرة، ما يعني أن رهان أميركا على الروس هو المخرج الوحيد الذي يرونه حالياً للخروج من الأزمة السورية.
على أن المصادر الأميركية لا تستبشر خيراً بزيارة بوغدانوف دمشق، إذ هي لا تعتقد أن للروس تأثيراً على الأسد إلى الحد الذي يدعونه إلى الرحيل.
وقالت: «الأسد أصبح، منذ زمن، رجل إيران، وهي وحدها تؤثر فيه وفي قراراته، ونحن في واشنطن لا نعتقد أن الأسد سيد قراره بعد الآن، ونستبعد أن ينجح الروس في مسعاهم، لكننا ندعم هذا المسعى في كل الأحوال».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق