واشنطن - حسين عبدالحسين
قد تبدو كوبا نداً للولايات المتحدة في المحافل الديبلوماسية الدولية، لكن الندية تتبخر في عالم التجارة والاقتصاد بين كوبا، التي يبلغ ناتجها المحلي السنوي 72 بليون دولار، والولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم مع ناتج محلي سنوي يبلغ 17 تريليون دولار.مع ذلك، يعتقد الخبراء الأميركيون أن كوبا قد تتحول إلى «سوق صغيرة» للصادرات الأميركية، تدر الأرباح على بعض الشركات وتساهم في خلق بعض الوظائف.
وتشير التوقعات إلى أن قيمة الصادرات الأميركية إلى كوبا ستبلغ 6 بلايين دولار مقارنة بصادرات إلى المكسيك وكندا بلغت 277 و208 بلايين دولار على التوالي. كما تشير التوقعات إلى أن الولايات المتحدة ستستورد من كوبا ما قيمته سبعة بلايين دولار سنوياً، أي أن التجارة الأميركية – الكوبية ستؤدي إلى عجز في الميزان التجاري الأميركي بواقع بليون دولار سنوياً.
لكن على رغم صغر سوقها، تشكل كوبا هدفاً تجارياً لبعض الشركات الأميركية. وفي هذا السياق، يعتقد الخبراء الأميركيون أن الاستثمارات الخارجية المباشرة في كوبا سترتفع، من بليون دولار حالياً إلى 17 بليوناً في السنوات القليلة المقبلة بسبب قرب إنهاء واشنطن القطيعة الطويلة مع هافانا.
ومن الإجراءات الأولية التي رافقت إعلان الرئيس باراك أوباما إعادة العلاقات مع كوبا عن الجزيرة الجارة رفع كمية التحويلات المسموحة لكل كوبي يعمل في الولايات المتحدة من 500 دولار كل ثلاثة أشهر إلى ألفي دولار. كما رفعت الحكومة الأميركية الحظر على بيع مواد تحتاج إليها كوبا بشدة، مثل مواد البناء المطلوبة لصيانة المباني الكوبية التي قاربت الانهيار. وسمحت أميركا بتصدير معدات وماكينات زراعية تحتاجها كوبا.
كذلك، وافقت واشنطن على رفع الحظر عن بيع الأدوات التكنولوجية للكوبيين، مثل الهواتف الذكية والكومبيوترات، على رغم الاعتقاد أن غالبية المواطنين الكوبيين لا يملكون ثمنها. وصار مسموحاً أيضاً للأميركيين السفر إلى كوبا والعودة منها مع كميات محدودة من السيغار الكوبي الشهير للاستهلاك الفردي فقط.
ومن آثار نهاية العداء الأميركي الكوبي تمكين المؤسسات الدولية من تحويل أموال مستحقة للكوبيين، مثل الأمم المتحدة التي تعذر عليها تسديد مستحقات الأطباء الكوبيين الذين شاركوا في مكافحة وباء الإيبولا في دول غرب أفريقيا. ويخشى بعض الخبراء الأميركيين من أن لا يؤدي الانفتاح على كوبا إلى تحسين وضعها الاقتصادي أو إلى انتقالها بسهولة من حكومة شيوعية إلى أخرى رأسمالية. وكان رئيس كوبا راوول كاسترو أجرى أخيراً بعض الإصلاحات، مثل رفع الحظر عن بيع الأملاك غير المنقولة والسماح بالملكية الخاصة.
وفي هذا السياق، كتب الخبيران غاري هوفبار وباربرا كوتشوار أن «رفع الحصار لن يؤدي ببساطة إلى ضمان بيئة اقتصادية وسياسية في كوبا تسمح بعودة السوق الحرة وحقوق الإنسان».
وأضافا «عوضاً عن ذلك، على الإدارة الأميركية تبني مقاربة هادئة وتدريجية تشجع بموجبها كوبا على بناء مؤسسات اقتصادية وسياسية صلبة، تمنع انتقال كوبا من الديكتاتورية الشيوعية إلى الأوتوقراطية الأوليغاركية». والأتوقراطية الأوليغاركية تشبه النموذج الروسي، حيث ينفرد حاكم واحد بالقرارات كافة ويحصل على دعم مجموعة من رجال الأعمال المحيطين به الذين يستفيدون وأعمالهم من قربهم إليه.
ويقول هوفبار وكوتشوار، وهما مؤلفا كتاب «التطبيع الاقتصادي مع كوبا»، أن «مزيداً من تراخي العقوبات الاقتصادية على كوبا يجب أن لا يضيع فرصة ذهبية من شأنها أن تضمن تغيرات ذات معنى في البنى الاقتصادية والسياسية الكوبية». ويتابعان أن المطلوب هو مزيد من المفاوضات الأميركية مع كوبا لضمان أن «الشركات الأميركية والعمال ينالون حصتهم العادلة في اقتصاد كوبا الجديد، والأهم من ذلك أن يستفيد العمال والمستهلكون الكوبيون من ذلك».
في الإطار الصحيح، يتابع الخبيران، «يمكن للولايات المتحدة أن تقدم مروحة عريضة من السلع والخدمات، بما في ذلك تحرير قطاع السياحة الكوبي، فضلاً عن تقديم مساعدات تقنية ومالية، في المقابل، يمكن لكوبا أن تمنح السلع والخدمات والاستثمارات الأميركية، وأن تمنح الشركات الأميركية، معاملة شبيهة للتي تمنحها حالياً للشركات الأوروبية والكندية والصينية».
ويختم الباحثان، في مطالعة، أنه إذا منح أوباما كوبا رفعاً فورياً للعقوبات، قد يتحول انتقال كوبا إلى الليبرالية تحولاً بطيئاً، وقد يسمح بازدهار الفساد والمحاباة، وقد يدفع بالمستثمرين الكوبيين الجدد وبالشركات الأميركية إلى الهامش، ما يعني أن على الإدارة والكونغرس التعاون معاً لضمان كيفية التدرج في رفع العقوبات عن كوبا بطريقة تضمن نتائج إيجابية للبلدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق