حسين عبدالحسين
في ما يبدو انها حملة إعلامية مدروسة، عكفت حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية على اظهار قوتها العسكرية المزعومة منذ مطلع الشهر الحالي. في الأول منه، أطل قائد الجيش عطاء الله صالحي، ليقدم مروحيتين وحوامة ومقاتلة وصفتها "وكالة تسنيم الإخبارية" على أنها جديدة، موحية وكأنها صناعة إيرانية. بعد ذلك بيوم، تواترت تقارير مصورة حول مقاتلات إيرانية أميركية الصنع من طراز "أف-4" وهي تقوم بقصف مواقع يفترض انها تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" على أراض عراقية محاذية لإيران. ويوم الأحد قال قائد الدفاعات الجوية الإيرانية، فرزد اسماعيلي، إن وحداته الأرضية رصدت طائرة تجسس أميركية تطير فوق الحدود الإيرانية – العراقية، وحذرتها وأجبرتها على الرحيل. اما الاثنين، فصرح قائد البحرية حبيب الله سياري ان البحرية الإيرانية "ستكون موجودة حتما في المحيط الأطلسي في المستقبل القريب".
هذا في الاعلام. أما في الواقع، فالمروحيات والحوامة هي من صناعة أميركية موجودة لدى إيران منذ زمن الشاه محمد رضا بهلوي، الذي أطاحت به الثورة الإيرانية في العام 1979، ويمكن ان الصناعة الإيرانية رممتها وحدثت أجهزتها قليلاً، لكن هذه الماكينات مكانها المتاحف في الدول المتقدمة عسكرياً.
وكما الحوامات، كذلك مقاتلات "اف-4"، التي أوقفت المصانع الأميركية انتاجها في العام 1979 ويستخدمها الجيش الأميركي اليوم كأهداف لتدريب طياريه على اسقاطها، وهي ماكينات عسكرية ذات تقنية صارت متأخرة وتفتقر الى الدقة في اهدافها. حتى أهداف داعش التي يفترض ان المقاتلات الإيرانية اصابتها، من غير الواضح أهميتها، في وقت لا تبدو الغارات الإيرانية وكأنها أثرت في داعش او اثارت حفيظته.
ما هدف استعراض القوة الإيرانية المزعومة، خصوصاً في وقت لا ينفك المسؤولون الإيرانيون يتبجحون بنجاح نموذج الميليشيات الشعبية المقاتلة، على غرار الباسيدج، في لبنان وسوريا والعراق؟ وأين القوة الإيرانية الجبارة عندما تغير المقاتلات الإسرائيلية وتستهدف مواقع تابعة لحليف طهران، الرئيس السوري بشار الأسد؟
ثم إن الدول المجاورة لإيران، في معظمها، لا تخشى مواجهة عسكرية تقليدية، فغالبية هذه الدول تتمتع بعلاقات دولية وحماية أميركية، فضلاً عن ترسانات عسكرية هي الارفع شأناً في العالم.
أما الولايات المتحدة نفسها، فلم يسبق ان أبدى مسؤولوها يوما انزعاجا من نشاطات إيران العسكرية او استعراضاتها او صناعاتها، باستثناء تخصيب اليورانيوم، الذي يمكنه ان ينقلب من برنامج سلمي الى آخر عسكري بسهولة نسبية.
ربما تسعى طهران الى عرض قوة يخفي تراجعا محتملا في البرنامج النووي تمهيدا للتوصل لاتفاق. وربما يسعى معتدلو الحكومة الإيرانية، مثل الرئيس حسن روحاني، الى اشباع شبق القوة لدى المحافظين لاستمالتهم وانتزاع قبولهم المطلوب لتقديم تنازلات نووية والتوصل لاتفاق مع المجتمع الدولي ينهي عزلة إيران الاقتصادية ويرفع العقوبات عنها.
ربما يعرف روحاني ان دعوات مرشد الثورة علي خامنئي، لتحقيق اكتفاء ذاتي من شأنه اخراج إيران من ورطتها الاقتصادية واعفائها من التوصل لأي اتفاقيات مع المجتمع الدولي تنهي طموحها النووي، هي دعوات غير واقعية وتحقيقها شبه مستحيل.
لذا، لجأ روحاني الى اشباع شبق القوة لدى جنرالات إيران وبعض جمهورها؛ ففي إعلانه الموازنة السنوية للعام المقبل، طلب روحاني من البرلمان، حسب وكالة تسنيم، زيادة بلغت 32 في المئة في الموازنة العسكرية لإيران لتصل الى 10 مليارات دولار (للمقارنة بلغ الانفاق العسكري السعودية العام الماضي 67 مليار دولار وتركيا 20 مليارا).
وتأتي زيادة روحاني للإنفاق العسكري في وقت يحاول فيه الرئيس الإيراني مواجهة أزمة خانقة تعاني منها بلاده بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط، ما أطاح بجزء كبير من المداخيل الإيرانية وأدى الى زيادة في التضخم بلغت 30 في المئة، وسط مؤشرات ان الناتج المحلي الإيراني للعام الحالي تقلص بواقع 2 في المئة هذا العام، على الرغم من رفع دولي جزئي للعقوبات المفروضة على إيران بموجب اتفاقية جنيف المؤقتة الموقعة في 24 نوفمبر 2013.
هل تدفع مليارات روحاني جنرالات إيران على السكوت وقبول الاتفاقية النووية؟ او يبتلع الجنرالات المليارات الإضافية ويمضون قدما في برنامج نووي سيكبد الإيرانيين المزيد من التكاليف الاقتصادية والمعيشية؟
مهما يفعل الجنرالات، قد تكون مليارات روحاني للإنفاق العسكري هي رصاصته الأخيرة لشراء قبولهم. بعد ذلك، قد لا يجد فريق روحاني أي مليارات، او حتى ملايين، متبقية لشراء موافقة عسكر إيران او محافظيها او لدفع بلاده في اتجاه أي اتفاقية من شأنها اخراج إيران من كابوسها الاقتصادي الذي لا تخففه اضغاث الاحلام بالقوة العسكرية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق