فيما كان من المتوقع ان تسيطر أزمات الشرق الأوسط على الديبلوماسية الأميركية التي انهمكت بها اثناء المفاوضات النووية مع إيران في جنيف وفي لقاء وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في روما، تقدمت فجأة ملفات عالقة من سنين الحرب الباردة الى الصدارة لتحتل المشهد السياسي في العاصمة الأميركية.
أولى الملفات التي اعادت الحرب الباردة الى الاذهان كان الانخفاض الهائل في سعر صرف العملة الوطنية الروسية، الروبل، والذي بلغ انحداره، على مدى الشهور القليلة الماضية وحتى الأمس، مئة في المئة امام الدولار. والأزمة الروسية مدفوعة جزئيا بالعقوبات الأوروبية والأميركية على موسكو بسبب دورها السلبي في أوكرانيا، وجزئيا بسبب الانخفاض الكبير في سعر النفط العالمي.
لكن في المحصلة، أظهرت الأزمة الاقتصادية الروسية فشلا ذريعا لسنوات من محاولات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اظهار وكأن بلاده عادت لتلعب دور القوة العظمى، فاذ بالأزمة تظهر روسيا على حقيقتها: أي انها دولة تعيش بشكل أساسي من ريع مبيعاتها النفطية.
وعلى رغم ان بوتين سعى لعقد اتفاقات بيع طاقة بأسعار مخفضة مع الصين للالتفاف على العقوبات الغربية، ثم سعى مع مجموعة دول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا) الى انشاء مؤسسات تنافس العالمية، مثل بنك كان مقررا ان ينافس البنك الدولي، الا ان أحلام بوتين يبدو انها تحطمت.
وبدلا من ان تعود أميركا وروسيا الى زمن الحرب الباردة، اعادت أزمة روسيا الاذهان الى عقد التسعينات الذي تلى انتهاء هذه الحرب بفوز أميركا على روسيا. وليزيد الرئيس باراك أوباما من مشاكل غريمه بوتين، قال أوباما ان بلاده تنوي فرض مجموعة جديدة من العقوبات الاقتصادية على روسيا، في وقت تراجع بوتين وفتح قنوات اتصال سرية مع نظرائه الاوروبيين، وابدى استعدادا للتوصل الى حل في أوكرانيا، وهو ما بدا جليا في وقف انفصاليي أوكرانيا إطلاق النار واعلانهم الاستعداد للدخول في مفاوضات مع كييف.
ولم يكد أوباما يظهر زهوه بانتصار سياسته على عناد بوتين حتى أعلن البيت الأبيض مفاجأته حول انهاء أكثر من نصف قرن من القطيعة والعداء مع الجارة كوبا، وحول قرب عودة العلاقات الديبلوماسية والتجارية بين البلدين.
وكوبا لا تتمتع بثقل دولي يذكر في الاميركيتين غير المشاكسة الديبلوماسية والإعلامية، فحجم ناتجها المحلي السنوي هو بحجم ناتج سورية، وعدد سكانها لا يتجاوز 12 مليون نسمة. وبعد نهاية الحرب الباردة والتهديد الذي كان يمكن ان تشكله كوبا كشوكة شيوعية في الخاصرة الأميركية وكمنصة إطلاق صواريخ ضد الولايات المتحدة، تراجعت أهمية كوبا واستمر الحصار الأميركي المفروض عليها بسبب المجهود الكبير الذي قام به اللوبي الكوبي المعادي لنظام كاسترو الحاكم، خصوصا ان ولاية فلوريدا – حيث للكوبيين المهاجرين ثقل انتخابي وازن – هي من الولايات المتأرجحة انتخابيا والتي يشتبك الحزبان الديموقراطي والجمهوري فيها كل سنتين في معارك انتخابية ضارية.
لكن اللوبي الكوبي لم ينجح في وقف أطماع الشركات الأميركية في العودة الى السوق الكوبية، ولا في وقف السياح الأميركيين الذين دأبوا على زيارة الجزيرة الجارة التي تتمتع بشواطئ دافئة سرا بسبب حظر القانون الأميركي على المواطنين السفر الى كوبا او شراء أي منتوجات كوبية، منها السيجار الكوبي الشهير.
وكوبا هي ثان ديكتاتورية يعيد معها أوباما العلاقات الديبلوماسية، بعد بورما، في وقت كرر المقربون من الإدارة – عبر الوسائل الإعلامية المختلفة – القول ان المصالحة الأميركية مع كوبا وبورما يجب ان تبرهن لإيران جدية إدارة أوباما في طوي واشنطن لصفحات الماضي وفتح صفحات جديدة مبنية على إعادة العلاقات، الديبلوماسية منها وخصوصا التجارية.
وبين أزمة روسيا وانفراج كوبا أطلت أزمة أقل جدية مع كوريا الشمالية الشيوعية، التي قام «هاكرز» تابعون لها باختراق حسابات شركة «سوني» الهوليوودية العملاقة للإنتاج السينمائي، حسبما أعلنت الحكومة الأميركية.
وفي التفاصيل ، ان «سوني» كانت تنوي عرض فيلم «المقابلة»، وهو فيلم فكاهي يحكي قصة شابين منحهما زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون فرصة لإجراء مقابلة معه، فطلبت منهما «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي ايه) القيام بمحاولة اغتياله.
وقام «الهاكرز» الكوريون بنشر مراسلات داخلية لشركة «سوني» أظهرت بعضها ان الشركة عرضت الفيلم على موظفين في وزارة الخارجية الأميركية، الذين أبدوا رضاهم. وفي وقت لاحق، هدد الكوريون الشماليون بتهكير كل صالات السينما الأميركية التي ستعرض الفيلم، ما دفع «سوني» والصالات الى التراجع عن العرض وسحب الفيلم، رغم تأكيدات الحكومة الأميركية للشركة والصالات انه يمكن لهم عرضه بأمان، وأن الحكومة تكفل حقهم بذلك بموجب بند حقوق الانسان الذي ينص عليه الدستور الأميركي.
وفيما كان متوقعا ان يتصدر المشهد الشرق أوسطي الأسبوع الأميركي، أقفل الأسبوع فيما الاعلام الأميركي يضج بروسيا وكوبا وكوريا الشمالية في مشهد أوحى وكأن الحرب الباردة عادت الى الصدارة فجأة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق