| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
علمت «الراي» من مصادر أميركية رفيعة ان الزيارة التي قام بها علي مملوك، المسؤول الامني الموالي للرئيس السوري بشار الأسد، الى المملكة العربية السعودية كانت «في اطار السباق الروسي الايراني للتوصل الى حل للأزمة السورية، وسط تزايد المؤشرات على الضعضعة التي اصابت نظام الأسد والارهاق الذي اضعف قواته». وتقول المصادر نفسها ان «موسكو حاولت تسويق مملوك بديلاً للأسد لدى العواصم الاقليمية المعنية بالشأن السوري».
وتابعت المصادر، ان موسكو تسعى ايضا الى تسويق نظرية الحل «السوري - السوري»، على طراز اتفاقية «جنيف 1» بين الروس والاميركيين ومؤتمر «جنيف 2» بين الأسد ومعارضيه، فيما «تسعى طهران الى حل تتنازل بموجبه واشنطن لها في سورية». وتتابع المصادر الاميركية ان كلتا العاصمتين، اي موسكو وطهران، «تدركان ان السعي لابقاء الاسد في منصبه يعوق الحل الذي تأمل كل عاصمة ان يتم برعايتها». هكذا «قدمت موسكو مملوك بديلاً عن الأسد، فيما اشارت طهران الى قبولها التخلي عن الأسد رغم ضبابية السيناريو الايراني حول هذا التخلي المرتبط باجراء انتخابات رئاسية سورية ما»، حسب المصادر.
وفي سياق تسويق الحل «السوري - السوري»، وهو ما تعتقد موسكو انه يحوز موافقة أوسع لدى العواصم العربية وانقرة، خصوصا لناحية ابقاء الايرانيين خارج الحل، رتبت روسيا زيارة مملوك الى جدة. وتقول المصادر الاميركية ان الروس أبلغوا السعوديين ان مملوك سيقدم اقتراحات لكيفية خروج الأسد وادخال المعارضة في حكومة مشتركة مع النظام، وعلى هذا الاساس فتح السعوديون ابواب جدة للمسؤول الأمني السوري.
لكن مملوك لم يقدم ما هو جديد، بل كرر مطالبة السعوديين «بوقف دعم الارهاب»، حسب المصادر الاميركية، وتحدث عن ضرورة اختيار السوريين لرئيسهم في انتخابات عامة، وهو ما حمل السعوديين على الرد انهم يوافقون على الحل السوري - السوري والانتخابات الرئاسية بمراقبة دولية، لكن الحل السوري - السوري يشترط انسحاب الميليشيات غير السورية، اي العراقية واللبنانية المؤيدة لطهران مثل «حزب الله»، من سورية.
وعلى اثر زيارة مملوك لجدة، دأب نظام الأسد على تسريب حصول الزيارة وروايته لفحوى الاجتماعات، ما دفع بالسعوديين الى الرد بصورة غير رسمية. لكن المسؤولين السعوديين كرروا امام الروس، اثر زيارة مملوك، ان نظام الأسد غير مستعد لحل «سوري - سوري» كالذي تطرحه موسكو، وان التصرفات التي رافقت زيارة مملوك أكدت ان الأسد ملتصق بايران أكثر مما يقبل الروس تصديقه.
اما موقف واشنطن من السباق - الروسي - الايراني حول سورية، فيبدو انه اقرب الى الايرانيين. ومن خلال المواقف التي أدلى بها الرئيس باراك أوباما على مدى الاسابيع الاربعة الماضية، يبدو ان أوباما يعتقد ان المشاركة الايرانية في الحل السوري نتائجها مضمونة أكثر من «الحل السوري - السوري»، الذي اثبت فشله على مدى السنتين الماضيتين.
ومنذ الاعلان عن اتفاقية فيينا النووية بين مجموعة دول خمس زائد واحد وايران، منتصف الشهر الماضي، دأب أوباما على تكرار مقولة انه يرى انفراجا في الأزمة السورية، وان عرابي الرئيس بشار الأسد، اي ايران وروسيا، اصابهما الخوف من احتمال انهيار قواته (الأسد)، وتاليا سيطرة قوات اسلامية متطرفة، ما دفعهما للسعي الى حوار جدي يمكن التوصل خلاله الى تسوية سلمية بين الأسد ومعارضيه.
وفي الايام القليلة التي تلت اعلان اتفاقية فيينا، كشف أوباما في مقابلة ادلى بها الى الصحافي في «نيويورك تايمز» توماس فريدمان ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصل به للمرة الاولى منذ اندلاع الثورة السورية في 2011 وفاتحه بالموضوع السوري. ومما قاله أوباما وقتذاك ان الضعف البالغ الذي اصاب قوات الاسد والقوات المتحالفة معه دفع الروس والايرانيين الى ادارك ان التوصل الى حل سلمي قبل انهيار الاسد كليا هو في مصلحة حكومتيهما.
وبعد مقابلة فريدمان بأيام، أطل أوباما في مؤتمر صحافي عقده في البيت الابيض وكرّر الكلام نفسه، هذه المرة مضيفا انه يأمل ان تتكمن واشنطن من البناء على الايجابية المتولدة من الاتفاقية النووية مع طهران لفتح حوار حول سورية. وقال أوباما في تلك الاطلالة ان ايران هي جزء اساسي من الحل، وهو قول يتعارض مع موقف حلفاء واشنطن الذين كانوا نسفوا الدعوة الاميركية عبر الامم المتحدة الى ايران للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 بين الأسد ومعارضيه مطلع العام 2014.
وتابع البيت الابيض حملته الهادفة الى ادخال ايران في الحل السياسي السوري، فأوعز للصحافيين المقربين له ولطهران بتسريب جزء من حوار بين الرئيس الاميركي وعدد من الصحافيين انعقد الاسبوع الماضي، وكرر فيه أوباما ان ايران هي جزء من الحل السوري. وفي وقت لاحق من الجمعة الماضي، طرح احد الصحافيين المحسوبين على البيت الابيض السؤال نفسه على الناطق باسم الادارة جوش ارنست، الذي أكد صحة التسريب عن لسان أوباما حول رؤيته للحل السوري الذي يجب ان يتضمن الايرانيين.
في هذه الاثناء، كررت الرياض على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير ان الأسد سيخرج من الحكم، ان بتسوية سلمية او بحسم عسكري، فيما كثفت موسكو محاولاتها لحمل الاميركيين على تبني الرؤية الروسية لحماية الأسد من تزايد السيطرة الايرانية عليه. اما طهران، فهي في انتظار التنازل الاميركي «وتاليا العربي والتركي» في سورية في تكرار للهزيمة الاميركية في العراق والانتصار لطهران وحلفائها.
اما أوباما، فيلخص الموقف بتوقعاته الفعلية لما سيحدث في سورية في الأشهر الستة عشر المتبقية له في الحكم. الموقف الاول هو تصريح وزير الدفاع آشتون كارتر في مجلس الشيوخ ان أوباما سيخرج من الحكم قبل الأسد، والثاني تشكيل مستشارة الأمن القومي سوزان رايس لفريق يضع سيناريوات في سورية يتصدرها التعايش مع الأسد. اما الايجابية التي يراها أوباما في سورية، فمناورة تهدف الى خلق اجواء ايجابية يحاول الرئيس الأميركي الايحاء انها ترافق اتفاقيته، التي يراها تاريخية، مع ايران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق