حسين عبدالحسين
مجدداً، يستخدم الرئيس الأميركي باراك أوباما سوريا كبش فداء للصداقة التي يسعى لاقامتها مع الجمهورية الاسلامية في ايران. هذه المرة، جاء الاستغلال الاوبامي للمأساة السورية عن طريق وكالة "اسوشيتد برس"، التي نقلت عن الرئيس الاميركي قوله انه صار يرى "بارقة أمل" في سوريا بسبب ادراك روسيا وايران ان حليفهم الرئيس السوري بشار الأسد اصابه ضعف شديد، ما يجبرهم على البحث عن خيارات اخرى، اذا يبدأ حوار جدي حول الحل.
وتصريح أوباما ليس الاول من نوعه، ففي المقابلة التي منحها لتوماس فريدمان، صحافي نيويورك تايمز في الاسبوع الاول الذي تلا التوصل لاتفاقية فيينا، قال أوباما إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصل به هاتفياً وفاتحه بموضوع سوريا. وقال أوباما حينها ان اتصال بوتين سببه ضعف الأسد، ربما لا ينهار الأسد قريبا، ولكن، هناك خوف من اقتراب حتمية انهياره. وقتذاك، لم تلتقط غالبية المتابعين تصريح أوباما حول بوتين وسوريا، ربما بسبب الانهماك بالملف الايراني.
هذه المرة، جاء التسريب على لسان الصحافية روبن رايت، التي يبدو انها شاركت في لقاء لمجموعة من الصحافيين مع الرئيس الاميركي قبل ايام من ذهابه الى عطلته الصيفية، التي تمتد اسبوعين يقضيها وعائلته في جزيرة مارثاز فينيارد في شمال شرق الولايات المتحدة. و"اسوشيتد برس" وصفت رايت بـ"الصحافي".
ولمن لا يعرفها، روبن رايت هي واحدة من اكثر الصحافيين تأييدا لنظام الجمهورية الاسلامية في ايران منذ الثمانينات، وهي عادت من زيارة لايران قبل اسابيع كتبت على اثرها مقالة نشرتها في مجلة "نيويوركر" المرموقة، قالت فيها ان الايرانيين باشروا ببرنامجهم النووي السلمي ردا على استخدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الاسلحة الكيماوية ضد الجنود الايرانيين اثناء الحرب بينهما.
وان تنقل وكالة انباء الخبر على لسان "الصحافي" رايت المؤيدة للنظام الايراني، وان يلتقط الخبر احد الاعلاميين المقربين من الادارة فيطرحه سؤالا على الناطق باسم البيت الابيض جوش ارنست، الذي اكد بدوره الحوار بين أوباما والصحافيين، وأكد ان الخبر "يصف" رؤية أوباما للوضع السوري، يشي بأن حضور رايت لاجتماع البيت الابيض، ونشر الخبر في وكالة الانباء، واعادت تأكيده هي عملية متكاملة لزرع الخبر وبثه. ربما اعتقدت ادارة أوباما ان رؤية أوباما لـ "بارقة الأمل" في سوريا لم يستوف حقه في المقابلة مع فريدمان، فأرادت اعادة خلق الخبر وبثه. اما تورط رايت فيه فيشير الى مصلحة ايرانية في الأمر. والمصلحة الايرانية - الاوبامية في اعادة تسليط الضوء على رؤية الرئيس الاميركي للحل في سوريا مبنية على اعتبارات متعددة.
أولاً، من شأن تصريح أوباما ان يوحي وكأن الاتفاقية النووية مع ايران تؤدي الى انفراجات حتمية في ملفات شرق اوسطية عالقة اخرى، مثل سوريا. ويأمل أوباما ان يؤدي الحديث عن الانفراجات في سوريا الى حشد المزيد من الدعم للاتفاقية مع ايران المقرر التصويت عليها في الكونغرس بين ٨ و١٧ من الشهر المقبل.
ثانياً، تصريح أوباما يكرس تطابق الرؤيتين الاوبامية والايرانية حول الملف السوري، والقاضية بحوار بمشاركة ايرانية كحل وحيد للخروج من الازمة.
في الفترة السابقة للاتفاقية النووية مع ايران، حرص أوباما على تكرار القول إن اي مشاركة اميركية عسكرية مباشرة في سوريا، او غير مباشرة عن طريق تسليح الثوار، من شأنها ان تنسف حظوظ الاتفاقية، فأحجم عن القيام بأي خطوة وترك الازمة السورية تنفلت من عقالها. بعد الاتفاقية مع ايران، صار أوباما يستخدم "بارقة الحل" في سوريا ليوحي ان نتائج الاتفاقية النووية مع ايران الايجابية بدأت تظهر.
لا أمل لدى أوباما في سوريا ولا خطة ولا رؤية، بل تكرار للازمة الحل السلمي والحوار العقيم نفسه، الذي تشترط ايران ان يتم بشروطها وتصر روسيا على ان ينحصر بمحاربة "الارهاب"، الذي يتضمن كل المجوعات المقاتلة، بحسب رؤية موسكو. وتصور واشنطن لحل في سوريا لا يختلف عن رؤية موسكو وطهران.
أما الاعتقاد الفعلي لإدارة أوباما لما سيحصل في سوريا فيتمثل حتى الآن في موقفين: تصريح وزير الدفاع آشتون كارتر انه يتوقع ان يخرج أوباما من الحكم قبل الأسد، وقيام مستشارة الأمن القومي سوزان رايس بتشكيل فريق من الخبراء يضع سيناريوات سورية في طليعتها بقاء الأسد والتعايش معه. اما كل الثرثرة عن "بارقة أمل" عند الرئيس الاميركي وما شابهها، ففي الغالب هي مناورات اعلامية هدفها خدمة الاتفاقية النووية مع ايران وحشد التأييد الاميركي لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق