| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
في تصريحات بدت وكأنها تناقِض مواقف زميله وزير الخارجية الأميركي جون كيري، اعتبر وزير الدفاع آشتون كارتر ورئيس الاركان جو دنفورد أن الاتفاقية التي اقترحتها واشنطن على موسكو ليست مبنيّة على ثقة أميركية بالروس، بل على اجراءات وضوابط معينة تسمح للاميركيين بحماية أسرارهم العسكرية.
وجاءت تصريحات مسؤولي وزارة الدفاع «بنتاغون» في مؤتمر صحافي في الوزارة، أول من أمس، في وقت كثر الحديث عن توتر داخل ادارة الرئيس باراك أوباما حول كيفية التعامل مع روسيا في ملف سورية. ويبدو ان أوباما ورئيس موظفيه دينيس ماكدنو ومستشارته للأمن القومي سوزان رايس وكيري يثقون بروسيا، ويعتقدون أنه يمكن التوصّل الى حل سوري بالاتفاق مع موسكو.
ويمكن تلخيص الاقتراح الذي قدمه كيري الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل اسبوعين في موسكو، على انه يهدف الى «توحيد الرؤية والجهود» بين الدولتين تجاه سورية، مع ما يعني ذلك من تحديد الإثنين لأهداف محددة، وتشارك المعلومات الاستخباراتية، واقامة تنسيق عسكري، والضغط على الحلفاء، من اجل فرض تسوية سلمية في سورية.
وبموجب الاقتراح الاميركي، تقوم الدولتان بمشاركة استخباراتية، تهدفان من خلالها الى توحيد تعريف المجموعات الارهابية وتحديد اماكن تواجدها بهدف قصفها جويا وتدميرها. وتلزم واشنطن وموسكو حلفاءهما وقف النار قبل الحصول على موافقة من الغرفة العسكرية الاميركية الروسية المشتركة. بمعنى، تصبح واشنطن شريكة لموسكو في الاماكن التي يمكن السماح لها ولقوات الرئيس السوري بشار الأسد، والقوات المتحالفة معه، باستهدافها.
الرد الروسي جاء على شكل رفض مغلّف بحديث عن التمسّك بالسيادة السورية. وقال بوتين إن قواته تعمل في سورية بطلب من حكومتها، وإن الاقتراح الاميركي يحتاج الى قرار يصدر عن مجلس الأمن، لانه يتجاوز السيادة السورية، وإن صلاحية مجلس الأمن بتجاوز سيادة الحكومات تنحصر في حال هددت هذه الحكومات الأمن العالمي، ولا يمكن تجاوز السيادة في حالات اخرى، خصوصا في حالات تتعلق بالشؤون الداخلية للدول، إذ من الواضح لدى بوتين ان الحكومة السورية تواجه خطرا داخليا، وانه يمكنها وحدها طلب المساعدة من المجتمع الدولي، وان العالم لا يمكنه فرض المساعدة او اي املاءات عليها.
وسرت في العاصمة الاميركية تقارير، لم تتمكن «الراي» من المصادقة على صحّتها، مفادها ان «بوتين عرض على كيري الحصول على موافقة من الحكومة السورية من اجل المضي قدما بعملية توحيد الجهود للقضاء على الارهاب». بكلام آخر، يعتقد بعض المسؤولين الاميركيين ان بوتين عرض على كيري الموافقة على طلب واشنطن لناحية وقف الأسد هجماته ضد معارضيه، في حال وافقت أميركا على ادخال الأسد في غرفة العمليات الاميركية - السورية المشتركة.
واعتبر بوتين - حسب المصادر نفسها - انه اذا كانت أميركا تريد تصويب الخيارات في استهداف الارهابيين وتفادي استهداف غير الارهابيين داخل سورية، فيمكن للأسد المساهمة في صناعة القرار، الذي تدعو اميركا روسيا إلى مطالبة الأسد بالالتزام به، والمساهمة في تطبيقه.
ويبدو ان رد بوتين حطّم آمال كيري، الذي عاد الى واشنطن خالي الوفاض، واقترح على الفور العمل على خطة بديلة تضمن ان»جبهة النصرة»لن تملأ الفراغ الذي سيخلفه انهيار تنظيم»الدولة الاسلامية»(داعش)، وهو انهيار صارت غالبية المسؤولين الاميركيين تعتقد انه قد يحصل في اية لحظة.
وامام خيبة كيري، انتفض جناح آخر داخل ادارة أوباما، بقيادة كارتر ودنفورد، ودعْم المبعوثة الى الأمم المتحدة سامنثا باور. ويعتقد هذا الجناح ان التجربة الماضية مع بوتين تشير الى انه لا يمكن الوثوق بموسكو، وان الروس- في كل مرة يقدم فيها الأميركيون تنازلات في قرارات ما - لا يلتزمون الشق المتعلق بهم ولا يستطيعون الحفاظ على الهدنة التي يعدون بأنها ستبدأ يوماً بعد يوم في سورية.
ويرى الجناح المناوئ لأوباما وكيري ان لبوتين موقف واحد، وهو انه يعتقد انه سيخرج منتصرا في سورية، وسيبقي الأسد رئيسا، وان الطريقة الوحيدة للتصدي له هي بإظهار بعض الحزم والقوة، ودعم المجموعات السورية المعارضة لملأ الفراغ الذي سيخلفه»داعش»والمساهمة في التصدي لـ»النصرة».
وعلمت»الراي»في هذا السياق ان السعي الغربي - خصوصا الاوروبي - ينصبّ على بناء قوى سورية إسلامية معتدلة يمكنها حمل لواء المعارضة، بدلا من»داعش»و»النصرة». وكان حلفاء أميركا حاولوا تسويق عدد من هذه الفصائل، مثل حركة»أحرار الشام»، التي سبق للناطق باسمها لبيب النحاس ان زار واشنطن قبل اشهر.
ويعتقد الغربيون ان الولاءات داخل الفصائل السورية ليست ثابتة، وانه يمكن استقطاب مقاتلين من فصيل الى آخر شرط اظهار الدعم الثابت ماليا وعسكريا. أما الشرط المطلوب من الفصائل الاسلامية المعتدلة المزمع انشاؤها فهو التخلي عن شعار اقامة دولة اسلامية، وحصر اهدافها بالحدود السورية فحسب.
وسبق للـ»الراي»ان اشارت الى فكّ»النصرة»ارتباطها بتنظيم»القاعدة»، والتقارير الواردة الى العواصم الغربية تشير الى ان»تغييرا كبيرا مقبلا على شكل وطبيعة الفصائل الاسلامية المعارضة في سورية».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق