حسين عبدالحسين
"حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها"، هي حركة اطلقتها منظمات المجتمع المدني الفلسطيني صيف العام 2005 بهدف تكرار الحملة الشبيهة التي أجبرت نظام الآبرثايد في جنوب افريقيا على التخلي عن عنصريته ومنح السود حقوقهم. هذه الحركة اثبتت حتى الآن فعالية غير مسبوقة، خصوصاً في ظل انهيار شبه كامل للسلطة الفلسطينية، وانتشار الفساد بين مسؤوليها، وتخليهم عن كل الادوار القيادية المطلوبة منهم.
وبسبب فعاليتها، أقلقت "حركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها" عدداً من المسؤولين الإسرائيليين، وفي طليعتهم زعيمة المعارضين تسيبي ليفني، وآخرين غيرها ممن عبّروا صراحة عن قلقهم من ان تتوسع الحركة بشكل يخرج عن تمكّن اسرائيل من احتوائها.
وعلى مدى السنوات الاحدى عشرة الماضية، تحولت الحركة الى كرة ثلج، فراحت تتبناها جمعيات اهلية ودينية حول العالم، مثل نقابات العمال الأوروبية والـميركية، التي حرّمت على قياداتها الاستثمار في اي مصالح اسرائيلية، أو مصالح عالمية تنشط في اسرائيل. كذلك انضمت مجموعة من الكنائس الأميركية الى حملة مقاطعة اسرائيل. ومن النقابات والكنائس الى الجامعات الاميركية المختلفة، التي راحت حكوماتها الطلابية تصادق على قرارات تجبر جامعتها على إبقاء سيولتها واستثماراتها بعيدة من المصالح الاسرائيلية او المتعاملة مع اسرائيل.
وفي السياق الطلابي، مثلاً، صادق في نيسان 2012 مجلس طلبة "جامعة ماساشوستس - بوسطن" على قرار دعا إدارة الجامعة الى سحب الاستثمارات من شركة بوينغ الاميركية العملاقة، والتي تصنع طائرات مدنية ومقاتلات عسكرية، مثل اف - ١٦، المفضلة لدى سلاح الجو الاسرائيلي، بتهمة ان اسرائيل تستخدم هذه المقاتلات في حربها ضد المدنيين الفلسطينيين.
ويحاول ناشطو المقاطعة غالباً تقديم البدائل. في حالة بوينغ، يلفت المقاطعون الى امكانية قيام الحكومات وشركات الطيران الخاصة بشراء طائرات مدنية من نوع "ايرباص" الاوروبية، وذلك بهدف الضغط على بوينغ للابتعاد عن اسرائيل، وتالياً الضغط على اسرائيل لوقف التمييز ضد الفلسطينيين.
في خضم حملة المقاطعة الفلسطينية هذه، أطلت الدولة التي نصبت نفسها زعيمة "الممانعة والمقاومة" في العالم ضد اسرائيل والكولونيالية، اي الجمهورية الاسلامية في ايران، لتوقع عقداً مبدئياً لشراء واستئجار مئة طائرة من شركة بوينغ الاميركية، بصفقة بلغت قيمتها 20 مليار دولار.
ولا يبدو أن إيران التفتت إلى مظلومية الفلسطينيين، ولا هي حاولت مساندة مقاطعتهم.
والطريف أن إيران سبق أن كررت مراراً أنها دولة عظمى، وتالياً ليست بحاجة للغرب ولا لتقنياته المتقدمة. ولطالما تحدث مرشد الثورة، علي خامنئي، عن تفوق إيران في النووي والنانوتكنولوجي، ودعا لاقامة منطقة اقتصادية اقليمية تتزعمها إيران وتجعلها بغنى عن الاقتصاد العالمي برمته، واطلق عليها اسم "اقتصاد المقاومة".
لكن كلام خامنئي شيء، وحاجة إيران لأميركا وطائراتها وصداقتها شيء آخر. هكذا وقّعت إيران عقد شراء طائرات من "بوينغ"، سيقدم للشركة الاميركية سنوات من العمل ببحبوحة، ما يسمح لبوينغ عدم الالتفات لنشاطات مثل "حركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها"، وما يسمح لبوينغ تالياً بالاستمرار بتسليح اسرائيل بمقاتلات اف 15 واف 16 واف 18 وحتى اف 35 الحديثة التي لا تملكها غير القوة الجوية الاميركية في العالم.
غداً سيطل علينا المسؤولون الايرانيون، وتابعوهم حول العالم، بخطابات عن بطولاتهم ضد الصهاينة وعن عزمهم الذي لا يلين لاسترجاع القدس، او على الاقل لاحياء يومها العالمي سنوياً. لكن الخطابات شيء، ومقاطعة اسرائيل والشركات الكبرى التي تزودها بالمقاتلات العسكرية شيء آخر.
بتوقيعها عقداً مع بوينغ، خرقت إيران مقاطعة اسرائيل، وضربت بالنشاط الفلسطيني المقاطع بعرض الحائط، ولا بد أن طهران سترسل للفلسطينيين سلسلة من الخطابات الحماسية المعادية لإسرائيل والهولوكوست. أما الطامة الكبرى، فتكمن في ان بعض العرب والفلسطينيين لن يروا مشكلة في عقد إيران مع "بوينغ"، بل سيصفقون كالبلهاء لخطابات معاداة الهولوكوست التي لا تغني ولا تسمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق