حسين عبدالحسين
يسود العاصمة الاميركية اعتقاد مفاده أن تنظيم "الدولة الاسلامية" سينهار قبل نهاية العام، أو أنه على الأقل سيخسر الموصل ومعظم مناطقه في العراق، وأن وجوده سيتقلص الى جيوب صغيرة في سوريا، بما فيها الرقة وبعض القرى. وعلى أهمية هذه الانباء، تثير تقارير احتمال انهيار "داعش" قلق غالبية مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما حول "اليوم التالي" لانهيار التنظيم، والفراغ الذي سيسود من بعده، وامكانية حلول تنظيمات متطرفة أخرى مكانه.
سدّ الفراغ الذي سيخلّفه انهيار "داعش" يستدعي سلسلة من الاجراءات على مستويات مختلفة، مالية واجتماعية وانسانية وعسكرية وسياسية. ولتفادي انهيار يشبه انهيار نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، عقدت الولايات المتحدة مؤتمر الدول المانحة لتمويل برامج في المناطق التي يتم تحريرها من قبضة "داعش" في العراق، وأعلنت أن هدفها هو جمع ملياري دولار لتمويل اعمال الاغاثة الانسانية، واعادة البناء، واقامة حكومات محلية قادرة على ادارة هذه المناطق وشؤونها.
كذلك تعمل الادارة الاميركية على اقناع الحكومة الفدرالية في بغداد، التي تسيطر عليها الغالبية الشيعية، على ضرورة تقديم تنازلات للحكومات المحلية في المناطق التي يتم تحريرها من "داعش"، وهي ذات غالبية سنية. والى قيام حكومات محلية، تسعى الولايات المتحدة الى انشاء وحدات شرطة، وربما "حرس وطني" من مقاتلي العشائر السنية، على أمل ان تقوم هذه بضبط الأمن، بدلاً من القوات الحكومية وميليشيات "الحشد الشعبي"، التي تشير التقارير الى قيامها بأعمال انتقام وتعذيب واعتقالات تعسفية بحق مدنيي المناطق العراقية المحررة من "داعش".
هذا في الجانبين الانساني والسياسي.
أما في الجانب العسكري، فتخشى واشنطن أن تقوم مجموعات اسلامية متطرفة بملء الفراغ الذي سينتج عن انهيار "داعش"، خصوصاً في سوريا. وتتصدر "جبهة النصرة"، التابعة لتنظيم "القاعدة"، لائحة الفصائل المرشحة للاستيلاء على المناطق السورية المحررة من "داعش".
ولتفادي حلول النصرة محل "داعش"، عمدت وزارة الدفاع الاميركية الى تمويل وتسليح فصائل كردية، وبعض المجموعات العربية التابعة لها، لاعتقاد الاميركيين ان الاكراد لا يقاتلون خارج الاراضي التي يسعون الى ضمّها لاقليم "كردستان السوري"، الذي ينوون إقامته، أي إنهم سيحصرون قتالهم شرق نهر الفرات. لذا، كان لا بد من تجنيد بعض المقاتلين العرب للتوغل غرب الفرات في الشمال السوري، والاستيلاء على نقاط استراتيجية، مثل منبج، تمنع -في حال انهيار "داعش"- هجوما باتجاه الشرق يمكن ان تشنه "النصرة" المتمركزة في الشمال الغربي.
لكن بسبب مواقفها المتقلبة في العراق منذ العام ٢٠١٠ وفي سوريا منذ اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في العام ٢٠١١، تعاني الولايات المتحدة من شحّ في الحلفاء المقاتلين على الارض، وهي على الرغم من تكرار مسؤوليها الحديث عن "شركائنا العراقيين وشركائنا السوريين"، أي المقاتلين، إلا أن برامجها المخصصة لتسليح وتدريب "المعارضة المعتدلة" منيت بفشل ذريع.
هكذا، ترى واشنطن انه لا بد من القضاء على "جبهة النصرة" في عملية متزامنة مع انهاء "داعش". لكن بسبب انعدام الامكانات الاميركية للتخلص من "النصرة"، ابتكرت الديبلوماسية الاميركية حلاً أربك الحلفاء ولم يرض الخصوم، فواشنطن أبدت استعداداً لتعاون عسكري مع روسيا، بتقديمها معلوماتها الاستخباراتية حول اماكن تواجد "النصرة" في الشمال السوري، وهو ما كان مطلباً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الاسابيع الاولى لاشتراك جيشه في الحرب السورية الخريف الماضي.
طرح كيري اقتراحه على نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي ابدى موافقة مشروطة بتوسيع التعاون الاميركي - الروسي، فرمى كيري بتنظيمي "جيش الاسلام" و"أحرار الشام" في الخطة، التي حملها الى موسكو وقدمها لبوتين.
لكن مثلما اعتقد أوباما ان بوتين في موقف ضعف يوم ناشده التوصل الى حل في سوريا الصيف الماضي، اعتقد بوتين ان أميركا اليوم في موقف ضعيف، واجاب كيري ان العرض الاميركي "مثير للاهتمام ولكنه غير كاف". وطالب بوتين بمعلومات أميركا عن "داعش" و"النصرة" و"الاحرار" و"جيش الاسلام" في عموم سوريا، لا في المناطق المجاورة لـ"داعش" فحسب.
ثم إن بوتين رفض اقتراح كيري مبادلة المعلومات الاميركية حول "النصرة" وحلفائها بوقف الضربات الروسية للمجموعات التي تعلنها أميركا من "المعارضة السورية المعتدلة"، وقال ان موسكو مستعدة لتوسيع عملياتها بالتنسيق مع واشنطن، ولكنها "لن تنتظر الاذن من واشنطن لضرب المناطق التي تعتقد ان فيها ارهابيين في سوريا".
هكذا خرج كيري خالي الوفاض، وقضى بوتين على تعاون اميركي - روسي محتمل كان أثار ذعر حلفاء أميركا في سوريا والمنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق