حسين عبدالحسين
ربما هو تهاون ادارة الرئيس باراك أوباما مع ما تصفه المنظمات الدولية جرائم الحرب التي ترتكبها قوات الرئيس السوري بشار الأسد بحق المدنيين، الذي أثار ذعر معارضي الأسد من الانباء عن التوصل لتفاهم عسكري اميركي - روسي في سوريا والاعتقاد انه يأتي في مصلحة النظام. وربما دفع اعتذار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين معارضي الأسد للاعتقاد ان تركيا ادركت ان الرياح الدولية تهب عكس ما تشتهي انقرة، فتراجعت واعتذرت.
لكن التاريخ لا يذكر قيام رؤساء اميركا بتغييرات جذرية في سياستهم الخارجية في الاشهر الاخيرة المتبقية لهم في الحكم، بل إن الرؤساء الاميركيين غالبا ما يحصرون ايامهم الاخيرة بمحاولتهم انهاء الملفات العالقة قبل خروجهم من البيت الابيض، فيما يحبس العالم انفاسه بانتظار الرئيس المقبل.
التغيير في ميزان القوى العسكرية في سوريا لم يأت من واشنطن، ولا من تفاهماتها العسكرية المستجدة مع روسيا، بل جاء من انقرة، التي توصلت الى اتفاق "خفض توتر واعادة العلاقات" مع روسيا، وهو اتفاق يشبه "اتفاق الجزائر" الذي وقعه رئيس العراق الراحل صدام حسين في العام ١٩٧٥ مع شاه ايران، وتخلى فيه الأول عن دعم المعارض الايراني روح الله الخميني ونفاه الى باريس، فيما تراجع الثاني عن دعم اكراد شمال العراق.
في الاتفاق الروسي التركي، الذي جرى بمسعى ألماني وموافقة اميركية، توافق تركيا على انحسار الدعم لسكان شبه جزيرة القرم التي انتزعتها روسيا من اوكرانيا قبل عامين. وسكان الجزيرة هؤلاء هم من الاثنية التركمانية، وينشط معظمهم في اسطنبول حيث يتواصلون مع مجموعات دولية لدعم استقلالهم عن موسكو.
في المقابل، تراجعت روسيا عن دعم أكراد العراق وسوريا الذين يخوضون معارك ضارية ضد القوات التركية جنوب البلاد، ويشنون هجمات تفجير داخلها. كما تراجع الروس عن دعم الأسد عسكرياً بشكل يجبره على الانكفاء الى الجيب الذي يسيطر عليه بمساعدة ايران وحزب الله اللبناني غرب وجنوب غرب سوريا.
ويأتي الاتفاق التركي مع روسيا في اعقاب اتفاق ألماني مشابه يقضي بتراجع موسكو عن دعم انفصاليي دونتسك شرق أوكرانيا، مقابل مرونة برلين في موضوع شبه جزيرة القرم. أما اعادة أميركا لتعاونها العسكري مع روسيا، فهو "حبة البركة" التي يقدمها "تحالف الاطلسي" لموسكو، على أمل خفض التوتر بين الاثنين على الحدود بين روسيا ودول شرق وشمال أوروبا.
ولم يكد يعلن الروس عن الاتصال الرئاسي مع تركيا، حتى بدأت المعارضة السورية تتقدم في مناطق الشمال على حساب قوات نظام الأسد. وبينما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يستقبل نظيره التركي مولود جاوش اوغلو علناً، وفد من الباب الخلفي لموسكو رئيس "مجلس الامن القومي الايراني" علي شمخاني، في ما تبدو محاولة لاقناع موسكو بالاستمرار بدعمها العسكري، على الاقل الجوي، للأسد والقوات المتحالفة معه.
ربما مازالت روسيا ترغب في إقامة النظام الدولي البديل، بالاشتراك مع ايران، عن الذي تقوده الولايات المتحدة. لكن روسيا تعلم ان طهران وقعت للتو عقداً بقيمة ٢٥ مليار دولار مع شركة بوينغ الاميركية العملاقة لشراء طائرات مدنية، وان سوق التحالفات والرهانات الدولية حمّال اوجه، ويتبدل مع الساعات.
روسيا تعيد حساباتها في الملف السوري، بل هي تقدم دعمها لموقف تركيا تجاه الأزمة السورية في اطار صداقة مستجدة بين الاثنين. أما الأسد، فأصبح الاعتماد على ايران وحزب الله خياره الوحيد، وهو خيار كان، قبل تدخل الروس في ايلول/سبتمبر الماضي، يبدو مستنزفاً وبالكاد يمكنه الدفاع عن الجيب الذي يسيطر عليه.
على أن تقديرات واشنطن لا تتوقع انهياراً للأسد، بل العودة إلى خطابه الذي قال فيه انه سيسحب قواته الى النقاط الاستراتيجية للدفاع، ما يعني أن مقدرته على الهجوم ستتضاءل الى اقصى حد. ربما هذا الدور يتناسب مع رفع صورة الأسد في المرتبة الثالثة بعد صورتي الخميني وخامنئي في دمشق، اثناء اقامة احتفالات يوم القدس الاسبوع الماضي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق