| واشنطن - من حسين عبدالحسين |
كان متوقعا ان تلقى تصريحات الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله زوبعة من ردود الفعل بين الاميركيين المعارضين للاتفاقية النووية بين المجتمع الدولي وايران، على اعتبار ان الاموال التي جنتها طهران من الاتفاقية النووية تقيض وعد الرئيس باراك أوباما القاضي بكبح «نشاطات ايران المزعزعة في المنطقة». لكن تصريحات زعيم «حزب الله» لم تثر ردود فعل تذكر.
وكان نصرالله قال، في خطاب له الاسبوع الماضي، ان كل اموال حزبه، بما في ذلك «ميزانيته، ومدخوله، ومصاريفه، وكل ما يأكله ويشربه، واسلحته وصواريخه، هي من الجمهورية الاسلامية في ايران».
غياب ردود الفعل الاميركية اسبابها متعددة، يتصدرها اعتقاد معارضي ايران والاتفاقية النووية و«حزب الله» بان الحزب لا يعتمد على ايران كليا في ميزانيته، بل على مصادر متنوعة، تراوح بين التهريب وانواع التجارة الدولية المحرمة، على حد زعمهم، كما الاعتماد على تبرعات ومساعدات مغتربين لبنانيين.
وبسبب اعتقاد معارضي طهران و«حزب الله»، خصوصا من بين اصدقاء اسرائيل في العاصمة الاميركية، بان للحزب مصادر تمويل اوسع من ايران، عملوا على اجراء مقايضة سياسية ضمنية مع الرئيس الاميركي اثناء قيام الاخير بحملة تسويق الاتفاقية النووية، الصيف الماضي. وبموجب المقايضة بين أوباما، صديق ايران، وخصومها في واشنطن، صادق الكونغرس على الاتفاقية النووية، لكنه في الوقت نفسه عزز قوانين «مكافحة الارهاب»، خصوصا المفروضة على تنظيمات تابعة لطهران.
هكذا، عمل لوبي واسع من اصدقاء اسرائيل ومن اعداء «حزب الله عموما، على تقديم نص قانون مفصّل، وقعه الرئيس أوباما في ديسمبر الماضي، كثمن موافقة الكونغرس على الاتفاقية النووية. وتضمن القانون، الذي حمل عنوان (مكافحة التمويل الدولي لحزب الله) او(هيبفا) اختصارا، بنودا مشددة تفرضها الحكومة الاميركية على حكومات العالم ومصارفها المركزية لكشف اي حسابات في البنوك تشتبه واشنطن انها تابعة للحزب».
وفي 3 مايو الماضي، اصدر «حاكم مصرف لبنان» رياض سلامة تعميما على المصارف اللبنانية طلب فيه التزام القانون الاميركي والتعاون مع الطلبات الاميركية، وهو ما اثار حفيظة مؤيدي الحزب الذين شنوا حملة ضده.
ويعتقد مراقبون ان الانفجار الذي وقع امام المقر الرئيسي لاكبر بنوك لبنان، قبل اسبوعين،«كان بمثابة انذار من الحزب لسلامة والمصارف»، وهذا ما يبدو انه دفع نصرالله الى اعلان ان حزبه لا يتأثر بسياسات سلامة، وان تمويله يأتي بالكامل من ايران، ما يعني ان الاموال التي جنتها ايران من الاتفاقية النووية، ومجموعها 150 مليار دولار هي ارصدة ايرانية كانت مجمدة بموجب عقوبات الامم المتحدة النووية، تقيض قانون الكونغرس ضد تمويل الحزب.
التطورات المتلاحقة منذ الصيف الماضي تجاه ايران و«حزب الله» خلقت، في واشنطن، وقائع جديدة لكل المعنيين بالاتفاقية النووية مع ايران والعقوبات، ان التي تم رفعها عنها، او تلك التي تم فرضها على الحزب. وأدت هذه التطورات الى خلق تمييز لدى الاميركيين بين العقوبات النووية، التي رفعتها أميركا والمجتمع الدولي، والعقوبات المفروضة على ايران لاسباب تتعلق بالارهاب، والتي ابقتها واشنطن، وهو ما خلق ارباكا، اذ احجم المستثمرون الدوليون عن التهافت على طهران، على الرغم من رفع العقوبات النووية، بسبب خوفهم من ان يتورطوا في مشاكل قانونية مع الحكومة الاميركية بسبب عقوبات الارهاب.
هكذا، وجد خصوم ايران في «مكافحة تمويل الارهاب» سبيلا لتعويض خسارتهم نوويا، فاداروا اهتمامهم نحو عقوبات الارهاب، وهو اهتمام يبدو انه يأتي ثماره، اذ دفع احجام المستثمرين الدوليين عن الذهاب الى طهران وزير الخارجية الايراني جواد ظريف الى الشكوى علنا من الامر، وهو ما حمل نظيره الاميركي جون كيري على القول، مرارا وعلنا، ان «التعامل مع ايران صار مسموحا» حسب القوانين الاميركية.
لكن تصريحات كيري لم تطمئن المستثمرين، وهو ما دفع ادارة أوباما الى التوسط شخصيا مع كبرى الشركات الاميركية للاستثمار في ايران، لاعتقادهم ان في الامر افادة لاميركا واقتصادها وفرص عمالها، ولاعتقادهم كذلك انه في اللحظة التي يصبح في ايران مجموعة من الشركات الاميركية الكبيرة المستثمرة، تقوم هذه باستخدام نفوذها في الكونغرس لحماية الاتفاقيات مع ايران ضد اي عقوبات مستقبلية، وربما تدفع هذه الشركات ايضا الى المزيد من توطيد العلاقة بين حكومتي البلدين.
هكذا، وقعت شركة «بوينغ» العملاقة عقدا بقيمة 25 مليار دولار مع طهران ثمنا لعدد من الطائرات المدنية التي اشترتها ايران وصارت تنتظر تسلمها.
خصوم ايران الاميركيون يدركون ان سياسة أوباما صارت واضحة وصريحة، وان المتبقي له من الوقت قليل، وان من غير المجدي محاولة التأثير في سياساته الانفتاحية تجاه ايران، لذا صبوا اهتمامهم تجاه حملة المرشحة الديموقراطية للرئاسة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، وبدأوا اتصالات مع مسؤولي السياسة الخارجية في حملتها، وفي طليعتهم جايك سوليفان، وهو احد مسؤولين شارك في المفاوضات السرية في سلطنة عمان صيف العام 2013، وهي القناة السرية الاميركية - الايرانية التي افضت لاتفاقية موقتة، فاتفاقية نهائية.
على ان اللوبي المؤيد لطهران في واشنطن لم يتأخر عن خصمه المعادي لها، فباشر بعملية استرضاء كلينتون، وشرع اميركيون من اصول ايرانية في عقد حفلات جمع التبرعات والاصوات، خصوصا في مناطق ثقلهم في مدينة لوس انجليس غرب البلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق