حسين عبدالحسين
في جلسة مغلقة في الكونغرس الأميركي، استضاف خلالها مشرعون، مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، قدم المسؤولون تبريراً مطولاً لسماح واشنطن لشركة "بوينغ" العملاقة بيع وتأجير طائرات مدنية الى ايران، بصفقة بلغت قيمتها ٢٥ مليار دولار أميركي. وقال المسؤول الأميركي أمام الكونغرس إن على الولايات المتحدة أن تدرك انها تواجه إيرانَين، واحدة نووية توصلت أميركا لاتفاق معها، وتأتي صفقة الطائرات من ضمن هذا الاتفاق، واخرى ارهابية ما زالت أميركا تفرض عليها عقوبات قاسية وتخوض معها مواجهة مالية وسياسية واستخباراتية.
هنا سأل احد المشرّعين، المسؤول: "وماذا ستفعلون عندما يستقل الجنرال قاسم سليماني وارهابيوه طائرات بوينغ التي سنبيعها اليهم، ويحمّل طائراته اسلحة، ويطير بها في ارجاء منطقة الشرق الاوسط لدعم وتسليح الميليشيات التابعة لايران؟".
تلعثم المسؤول الاميركي، وبدا عليه التشنج، وقدم اجابة مبعثرة مفادها انه لم يكن ممكنا افضل من الموجود، وانه لولا الاتفاقية النووية لمضت ايران في صناعة قنبلة نووية، او لتففكت العقوبات الدولية عليها مع مرور الوقت، وأن على الولايات المتحدة التعامل بايجابية مع المجموعة الايرانية التي امكن التوصل لاتفاقية نووية معها، وكان يقصد الرئيس حسن روحاني وحكومته، وفي الوقت نفسه مواجهة متطرفي إيران الذي تؤذيهم الاتفاقيات السلمية، ويؤثرون الخوض في مواجهات لانهم يعتاشون على الحروب.
طبعا أميركا ليست الدولة الغربية الوحيدة التي ترتبك في كيفية التعاطي مع ايران، فألمانيا وجدت نفسها في موقف تحاول فيه التمسك بالاتفاقية النووية وتصويرها انجازاً ديبلوماسياً، لكنها في الوقت عينه، مضطرة لإدانة تجارب ايران الصاروخية الباليسيتة، وهو ما أثار رد فعل لدى الايرانيين.
ونظريات الفصل في التعامل مع أزمات لا فصل فيها، هي عنوان الديبلوماسية الاميركية في عهد أوباما، فهذه الإدارة هي نفسها التي ارتبكت بعدما انتشرت انباء حول قيام قوات الرئيس السوري بشار الأسد بضرب ضواحي دمشق بأسلحة كيماوية، فأعلن وزير الخارجية الاميركي أن نية أميركا هي توجيه ضربة "صغيرة جداً" لقوات الأسد لمعاقبتها. لكن، في الوقت نفسه، تمسكت أميركا بالتسوية السياسية في سوريا، وهذه غير ممكنة من دون الأسد، ما يعني ان أميركا كانت تحاول ضرب فريق الأسد نفسه الذي تسعى للتعاون معه للتوصل الى تسوية.
ومن بلاهة الادارة الحالية أيضاً الاعتقاد بأن الأسد سيجلس الى طاولة المفاوضات للدخول في تسوية تؤدي الى خروجه هو من الحكم، فإذا كان الأسد مستعداً لتسوية يشارك فيها وتؤدي الى خروجه من الحكم، لماذا لا يخرج أصلاً ويسمح للتسوية بأن تأخذ مجراها؟
على ان الارتباك الديبلوماسي الغربي والاميركي في التعامل مع ايران هو ارتباك ظاهري، فباطن الأمور يشي بأن الادارة الاميركية كانت تتمنى لو أنها تتمتع بثقل سياسي كاف يسمح لها بعقد اتفاقية شاملة مع الايرانين، النووية والارهابية، ومع الأسد ونظامه كذلك. لكن أوباما يعلم انه، على الرغم من أن الدستور يمنح الرئيس صلاحيات واسعة في السياسة الخارجية، يصعب تمرير رؤيته تجاه إيران والأسد كما هي، وهو ما اضطره للمساومة مع معارضيه، خصوصاً في الكونغرس، فانتزع منهم موافقتهم على الاتفاقية النووية مع ايران، وكافأهم بتشديد "عقوبات الارهاب" عليها.
وسياسة اوباما هذه زادت ارتباكه ارتباكاً، فلا اتفاقيته مع إيران اتفاقية، ولا مواجهته لها مواجهة، بل إن نتيجة سياسته هي اتفاقية نووية عرجاء وعقوبات على الارهاب تمنع الاقتصاد الايراني من الازدهار، وتمنع تالياً قيام طبقة مصالح ايرانية تأخذ البلاد في اتجاه عالم الاعمال وبعيدا عن عالم الثورة.
وكانت ادارة أوباما اعلنت انها سمحت لشركة بوينغ ببيع طائرات لإيران بعد عثور الفريق الرئاسي على "ثغرة" في العقوبات الاميركية يسمح بإتمام عملية البيع.
هذه هي ادارة أوباما، تتحايل على القوانين الاميركية، وتتلاعب بالاصدقاء والحلفاء، وتكون نتيجة سياستها أن "الدولة الاسلامية" تتوسع كدولة أو تقوى كتمرد، وكذلك يتوسع الأسد وإيران. أما الخاسرون الوحيدون فهم المعتدلون، في سوريا كما في العراق ولبنان وإيران وغيرها من الدول، وهم الذين تعتقد الادارة الاميركية ان سياستها تستهدف دعمهم وتقويتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق