واشنطن - من حسين عبدالحسين
هزّ وباء «كوفيد - 19» الولايات المتحدة بعنف، في ما بدا وكأنها «موجة اجتياح ثانية» من فيروس كورونا المستجد، في وقت أكد الخبراء أن البلاد ما زالت غارقة في براثن «الموجة الأولى». وتمثّل الاهتزاز في عدد من الأرقام القياسية للإصابات التي سجلتها بعض الولايات، وأميركا عموماً، اذ قارب عدد الجديدة الـ40 ألفاً، بالتزامن مع ارتفاع في نسب الوفيات اليومية.
ودفع ما يبدو انهيار المكافحة الأميركية للوباء، لجنة مكافحته لاطلالة إعلامية للمرة الأولى منذ شهرين، تصدرها نائب الرئيس مايك بنس، بمشاركة الدكتورين انتوني فاوتشي وديبرا بيركس. وكان جلياً أن بنس أدلى بتصريحات سياسية تجافي الواقع، اذ هو أشاد بالخطوات التي اتخذتها الإدارة في مكافحة الوباء، في وقت تعدى اجمالي المصابين المليونين ونصف المليون.
ومثل بنس، الذي حرص على عدم مخالفة الرئيس دونالد ترامب أو اظهار خطأ تصريحاته حول الوباء وكيفية الوقاية منه، حرص فاوتشي كذلك على تفادي الادلاء بأي تصريحات قد تعارض أقوال الرئيس الأميركي. وقال رئيس قسم «مكافحة الأمراض المعدية» في «مركز مكافحة الأوبئة» الفيديرالي: «شيء ما لا يعمل، أقصد أنه يمكننا أن نرسم كل الجداول البيانية الممكنة، لكن شيء ما لا يعمل (في مكافحة أميركا الوباء)».
وسجلت 45242 حالة إصابة جديدة، الجمعة، في أكبر زيادة يومية منذ ظهور الوباء ما يرفع إجمالي عدد المصابين بالفيروس في الولايات المتحدة إلى 2.55 مليون شخص على الأقل. وقد بلغ عدد الوفيات 128 ألفاً، في أكبر حصيلة مؤكدة في العالم.
وتابع الطبيب الأميركي أن الإدارة تعمل على تغيير أسلوبها في المكافحة، وأن الخطة الجديدة تقضي بمحاولة العثور على المصابين ممن لا تبدو عليهم أعراض، فيساهمون تالياً في نشر الفيروس، وينجم عن ذلك قيام جيوب وبائية بين السكان. وأوضح: «ما علينا القيام به هو العثور على الأشخاص المصابين في مجتمعنا وتحديد نسبة الاختراق».
الخطة الجديدة تتطلب، حسب فاوتشي، «انشاء شبكة واسعة» من الفحوصات، أي أن المختبرات ستقوم بفحص شخص من مجموعات مجتمعية تتألف من 10 أو 20 شخصاً، فإن تبين أن الفحص سلبي، لا يخضع من هم في مجموعته لفحوص، وان تبين أنه ايجابي، يتم اخضاع كل فرد لفحوصات لكشف المصابين بينهم وعزلهم.
وعلى عكس بنس وفاوتشي، سرقت بيركس الأضواء بادلائها بتصريحات، خالفت علانية ما سبق لترامب أن أدلى به، اذ سبق للرئيس أن كرر أن سبب الارتفاع في اعداد المصابين يعود الى الزيادة الهائلة في عدد الفحوصات، وانه لولا زيادة الفحوصات، لما سجّلت الولايات المتحدة، زيادة مماثلة في الإصابات.
لكن بيركس أشارت الى أن المشكلة تكمن في أن النسبة الايجابية لمن يتم فحصهم ارتفعت بشكل كبير في عدد من الولايات، وأشارت خصوصا الى تكساس الجنوبية - ثاني أكبر الولايات من حيث عدد السكان، اذ يقطنها نحو 30 مليون نسمة.
وقالت إنه منذ بدء زيادة عدد الفحوصات في تكساس في مايو الماضي، كان عدد المصابين نسبة الى اجمالي من يتم فحصهم في انخفاض، ثم قبل أسبوعين ونصف الأسبوع، بدأت هذه النسبة تسجل ارتفاعاً ملحوظاً ويومياً، وهو ما يعني ان القلق ناجم عن الارتفاع في نسبة المصابين ممن يتم فحصهم، لا بسبب ارتفاع اعداد المصابين بشكل مطلق.
ولا تزال مشكلة الفيروس، سياسية أكثر منها طبية في الولايات المتحدة، خصوصاً بعدما وظّف ترامب ثقله الإعلامي لتصوير الوباء وكأنه مؤامرة نسجها الديموقراطيون والاعلام للنيل من رئاسته وحرمانه الفوز بولاية ثانية.
ومن مآثر الرئيس الأميركي أنه سخر من اجراءات التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات، بل هو عقد حفلات خطابية انتخابية - الأسبوع الماضي - بمشاركة الآلاف من مؤيديه، ولم يرتد، كما غالبية الحاضرين، كمامة. وتحول عداء ترامب للكمامات الى موضوع حسّاس سياسيا، حتى ان بنس لم يجرؤ على الاجابة عن سؤال حول ضرورة ارتداء كمامات، واكتفى بالقول: «نعتقد أن المبدأ الأول هو أنه يجب على الناس الاستماع إلى حكومتهم والسلطات المحلية».
وبسبب ثقافة معاداة الكمامات والسخرية من الفيروس في صفوف مؤيدي ترامب وعدد كبير من الجمهوريين، راحت الأرقام تقفز بشكل كبير في الولايات التي تسكنها غالبية جمهورية، في وقت انخفضت في ولايات الديموقراطيين. هكذا، فيما واصلت نسبة الإصابة بالفيروس انخفاضها في الولايات الموبوءة سابقاً، مثل نيويورك ونيوجرسي وماساشوستس وميشيغن وميريلاند، راحت نسبة الإصابات الجديد ترتفع بشكل حاد في الولايات التي كانت تبدو وكأن الفيروس لم يطلها، وفي طليعتها آريزونا وفلوريدا وساوث كارولينا وتكساس.
وعلى عكس تظاهر حكام الولايات الجمهورية وكأن الوباء لا يعنيهم، واصرارهم على ابقاء كل الأماكن العامة مفتوحة وتعمل، قررت كل من آريزونا وتكساس الانقضاض على المطاعم وأماكن السهر واقفالها في محاولة لتدارك انتشار الوباء.
وفيما يبدو وكأن الوباء ينذر بكارثة سياسية وخيمة على فرص اعادة انتخاب لولاية ثانية، في الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر المقبل، قامت ادارة ترامب بتقديم مطالعة أمام المحكمة الفيديرالية العليا طالبة منها شطب قانون الرعاية الصحية المعروف بـ«أوباما كير»، نسبة الى الرئيس السابق باراك أوباما، الذي عمل على اقراره.
وشطب القانون، في وقت تمر البلاد في فترة أكثر ما تحتاج فيها الى ضمانات صحية واستشفائية، بدا معاكسا لما يحتاجه ترامب. على أن الرئيس، المعروف عنه بأنه صاحب استشعار دقيق لمزاج الغالبية، يبدو هذه المرة متعثرا في مماشاة مزاج أميركيين، بمن فيهم جمهوريون كثر، ينقلبون ضد رئيسهم بسبب فشله في مواجهة وباء صحي «عاث في الأرض بلاء».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق