الأربعاء، 24 يونيو 2020

واشنطن تُطلق عملية القضاء على الاتفاقية النووية

واشنطن - من حسين عبدالحسين

حسب ما كان متوقعاً في أوساط العاصمة الأميركية، قدّمت الولايات المتحدة مشروع قرار إلى مجلس الأمن يهدف إلى تمديد حظر استيراد وتصدير الأسلحة التقليدية من وإلى إيران. وكان متوقعاً أن تعمم واشنطن قرارها في الأمم المتحدة قبل نهاية يونيو، وفقاً لجدول زمني عكفت الديبلوماسية الأميركية على الإعداد له، وتوصّلت بموجبه إلى أن الموعد النهائي لتقديم القرار يجب أن يكون قبل نهاية الجاري.
ويرتكز جدول الديبلوماسية الأميركية على موعد انتهاء صلاحية الحظر الأممي المفروض على إيران في 18 أكتوبر المقبل، بموجب انقضاء مهلة خمس سنوات حددتها الاتفاقية النووية مع إيران، وهي الاتفاقية المكرسة بقرار مجلس الأمن الرقم 2231. 
وعلى إثر توزيع واشنطن القرار على الدول الأعضاء، قال وزير الخارجية مايك بومبيو، في تغريدة، ليل الثلاثاء، «إن انتهى حظر الأسلحة في أكتوبر، ستصبح إيران قادرة على شراء مقاتلات جديدة مثل سوخوي - 30 الروسية وجاي - 10 الصينية». 
وأضاف: «بهذه الطائرات المميتة للغاية، تصبح أوروبا (خصوصاً ألمانيا وإيطاليا) وآسيا في مرمى نيران إيران، والولايات المتحدة. لن تسمح بحدوث ذلك».
وردّ وزير الخارجية الإيراني ظريف، على بومبيو، بتغريدة على «تويتر»، فجر أمس، مشيراً إلى أن نظيره الأميركي «يائس من تضليل العالم إلى الحد الذي يزعم فيه أنه بحلول أكتوبر المقبل، ستبادر إيران لشراء مقاتلات وثم سترسلها إلى نقاط أبعد من أقصى مدى لها».
وأضاف: «ربما يمكن لبومبيو أن يوضح لنا كيف ستعود هذه المقاتلات إلى إيران حتى بعد نفاد وقودها!».
وأمس، أعلن بومبيو عن فرض عقوبات على قباطنة خمس ناقلات إيرانية نقلت إجمالاً نحو 1.5 مليون برميل من النفط الإيراني إلى فنزويلا. 
إلى ذلك، ترتكز الخطة الأميركية على مسودة قرار يهدف إلى تمديد الحظر. وتُلزم الدول الأعضاء باتخاذ إجراءات فعالة لمنع إيران من استيراد الأسلحة، أو تصديرها، أو نقلها إلى دول أخرى، ما لم توافق لجنة مجلس الأمن المخولة الإشراف على تطبيق عقوبات الأمم المتحدة حول العالم. 
وتطلب القرار أيضاً من كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فحص الشحنات العابرة عبر أراضيها للتحقق من واردات أو صادرات الأسلحة غير المشروعة من وإلى إيران، ومنح الدول الأعضاء سلطة الاستيلاء على هذه الأسلحة وتدميرها.
العواصم الأوروبية دائمة العضوية في مجلس الأمن، أي لندن وباريس، ومعهما برلين، تؤيدان تمديد حظر الأسلحة، فيما تعارضه موسكو وبكين، وهما تتمتعان كذلك بعضوية دائمة في مجلس الأمن، ما يعني أن القرار أحدث شرخاً داخل الجبهة المؤيدة لاستمرار الاتفاقية النووية مع إيران. 
ويتوقع الديبلوماسيون الأميركيون أن تقوم روسيا والصين بممارسة حق النقض (الفيتو)، وهو ما يضع أميركا والأوروبيين أمام حل وحيد لتمديد الحظر، وهو تدمير الاتفاقية النووية بأكملها. 
وكانت واشنطن حاولت، بالتعاون مع حلفائها الأوروبيين، اقناع روسيا والصين بعدم نقض القرار، مقابل تعهد أميركي بعدم نسف الاتفاقية النووية داخل مجلس الأمن. لكن روسيا والصين تمسكتا بالاتفاقية النووية بحذافيرها، بما فيها البند الذي ينص على انتهاء صلاحية حظر الأسلحة.
في حال تركت روسيا والصين القرار الأميركي يمرّ من دون «فيتو»، لن تسعى أميركا إلى نسف الاتفاقية النووية، ولكن في حال أسقطتا قرار تمديد حظر السلاح، ستعمد واشنطن إلى الطلب من المجلس تفعيل بند التحكيم، بالاستناد إلى أحدث التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي أشار إلى اختراقات إيرانية متعددة للاتفاقية، أبرزها منع طهران المفتشين النوويين من زيارة موقعين يشتبه في أن الإيرانيين قاموا بإجراء تجارب تسليح نووي فيهما. 
ويعتقد بعض الخبراء الدوليين، والأميركيين، أن «الجمهورية الإسلامية» تماطل في فتح أبواب الموقعين في وقت تسعى إلى «تعقيمهما» ومحو آثار أي إشعاعات نووية قد يعثر عليها المفتشون.
وتنص بنود التحكيم، في الاتفاقية النووية، أنه في حال غياب الإجماع، تنهار الاتفاقية وتعود عقوبات الأمم المتحدة على إيران تلقائياً، ولا يحتاج الأمر إلى تصويت أعضاء مجلس الأمن، ما يعني أن لا قدرة لأي من الدول دائمة العضوية على ممارسة «الفيتو» لوقف انهيار الاتفاقية.
ولأن موسكو تدرك الآلية وتعرف أنه يمكن لواشنطن القضاء على الاتفاقية من خلال اللجوء إلى التحكيم، سعت ديبلوماسية روسيا ودعايتها إلى محاولة تعميم مقولة مفادها بأن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاقية النووية، وأنها بذلك لم تعد قادرة على تفعيل بند التحكيم. 
لكن الانسحاب الأميركي جاء بموجب كلمة ألقاها الرئيس دونالد ترامب من دون أي بيان رسمي إلى مجلس الأمن، ما يعني أن الولايات المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن، ما زالت في الاتفاقية، وما زال اسمها مدوناً بين الأعضاء المخولين طلب التحكيم.
وسعى الديبلوماسيون الروس إلى شن حملات من المناورة الديبلوماسية والإعلامية، واتهم نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف الولايات المتحدة بالانتقائية، وقال في ندوة الكترونية نظمها «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك: «أعتقد أنه أمر مشين أن تحاول الإدارة الأميركية اختيار ما يخدم مصالحها ورفضها التام لآراء الآخرين، وحتى رفضها التام للمنطق، في محاولة لهزيمة خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاقية النووية)». 
وأضاف الديبلوماسي الروسي: «إذا كان هذا سيحدث بالطريقة التي يقترحها العديد من خبراء الفكر والعديد من كُتّاب الرأي من المطلعين على القرار داخل واشنطن، عندئذ سننتهي حتماً بأزمة حادة داخل مجلس الأمن». 
وتابع: «ستكون ضربة قوية لسيادة مجلس الأمن... وستتحمل الولايات المتحدة مسؤولية ذلك».
في طهران (وكالات)، قال الرئيس حسن روحاني، إن بلاده ستكون مستعدة لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة إذا اعتذرت عن الانسحاب من الاتفاق النووي، وقدمت تعويضاً. 
وأضاف: «لكننا نعلم أن دعوات الحوار مع طهران ما هي إلّا أقوال وأكاذيب».

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008