السبت، 20 يونيو 2020

الولايات الأميركية «المنكوبة» تُخفّف القيود ومستعدة لـ «موجة ثانية»

واشنطن - من حسين عبدالحسين

مونتغمري كاونتي مقاطعة في ولاية ميريلاند وتحاذي مقاطعة كولومبيا، التي تستضيف العاصمة الفيديرالية واشنطن. يسكنها مليون ومئة ألف نسمة، وعانت من انتشار وباء كورونا على نطاق واسع، اذ بلغ عدد الإصابات 14 ألفاً، أي أكثر من الدنمارك، التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين.
يوم الجمعة، أعلن مجلس المقاطعة بدء تنفيذ «المرحلة الثانية» من خطة اعادة فتح الاقتصاد، ما يعني أنه، للمرة الأولى منذ 13 مارس الماضي، ستعود المطاعم والمقاهي وصالات الرياضة والحلاقة الى العمل، وسيتم السماح للناس بالتجمع في مجموعات أقصاها 50 شخصاً، بعدما أعلن المجلس أن نسب تفشي الاصابة بين السكان، ونسب استخدام المستشفيات، عادت الى ما كانت عليه يوم 7 مارس. 
وكانت المقاطعة سجلت زيادة في الإصابات بلغت 0.3 في المئة، وهو ما شكل انخفاضاً على مدى اسبوعين على التوالي، في وقت سجلت ولاية ميريلاند، بشكل عام، زيادة في الإصابات الجديدة بلغت 0.4 في المئة، وهو ما شكل كذلك انخفاضاً لمدة اسبوعيين متتاليين.
لو كانت ميريلاند دولة مستقلة، لكان ترتيبها 22 في العالم لناحية اجمالي الاصابات، اذ تبلغ 64 ألفاً في الولاية التي يبلغ عدد سكانها نحو ستة ملايين، خلف الصين وأمام بلجيكا. لكن الرقم الضخم لأعداد الإصابات في الولاية لا يعكس مجريات الاحداث، اذ ان نسب الزيادة في الإصابات والوفيات انخفضت الى ما كانت عليه قبل بدء تنفيذ الحظر الصحي، وهو ما سمح بالانتقال الى المرحلة الثانية، بانتظار الانتقال الى الثالثة، والتي تشهد العودة الكاملة الى الحياة الطبيعية.
صادف انتقال مونتغمري كاونتي الى المرحلة الثانية، مع انتقال ولاية نيويورك بأكملها الى المرحلة الثانية كذلك، وهو ما دفع حاكم ولاية نيويورك اندرو كومو الى إعلان التوقف عن عقده مؤتمره الصحافي بشكل يومي، على غرار ما فعل على مدى الأسابيع الثمانية الماضية. 
ويعتقد المسؤولون الأميركيون والخبراء، ان غالبية الولايات الأميركية - خصوصاً التي عانت من انتشار الوباء على نطاق واسع مثل نيويورك وميريلاند - مستعدة اليوم لمواجهة «موجة ثانية»، في حال حصولها، أفضل بكثير من الأولى، استناداً الى مجموعة من العوامل، أولها الخبرة التي راكمها المسؤولون الحكوميون والصحيون، وكذلك العامة. 
ويقول الخبراء إنه في الأشهر الماضية، نجحت المؤسسات الصحية في تعزيز استعداداتها، وزادت مخزوناتها من أدوات الوقاية الصحية، وعدد الأسرة ووحدات العناية الفائقة.
أضف الى التحسن الكبير في الاستعدادات، راكم الأطباء خبرة أوسع، وصار أمامهم نوعان أو اكثر من الأدوية التي أظهرت فاعليتها في مكافحة المرض، أو على الأقل تقليص فرص الوفاة وتقصير مدة المرض، مثل دوائي «ريمديسيفير» و«ديكساميثازون». 
ومنذ أن خصص الكونغرس 25 مليار دولار لعملية فحوص كشف فيروس كورونا المستجد، انتشرت الفحوص بشكل واسع، وصارت متوافرة في كل مكان، ودقيقة في معظمها، في انتظار بعضها الذي يتم تطويره ويستند الى فحص لعاب يمكن اجراؤه في المنازل، فضلاً عن فحوص «بي سي آر»، ذات النتائج شبه الفورية.
وأقامت حكومات معظم الولايات «مكاتب متابعة» أسندت اليها مهمة متابعة المصابين، والاتصال بمن يُعتقد أنهم تعرضوا للعدوى من مصابين. 
وسجلت الولايات المتحدة، أكثر من مليونين و300 ألف إصابة، ونحو 122 ألف وفاة، بينما شفي ما يزيد على 960 ألف شخص.
ويشير الخبراء الى الخبرة التي راكمها العلماء منذ بدء انتشار الوباء، اذ صار من شبه المؤكد أن مخاطر انتقال الفيروس عبر الأسطح شبه منعدمة، وأن الانتقال في الهواء الطلق صعب كذلك، وأن الوسيلة التي تساهم بشكل أساسي في الانتقال هي الاقتراب من شخص مصاب والتعرض لتنفسه لمدة 15 دقيقة على الأقل. 
لهذا السبب، قام حاكم كاليفورنيا غيفين نوسام بفرض ارتداء الكمامات على سكان ولايته، وهي الأكبر في البلاد (40 مليون نسمة)، اثناء تواجدهم في الأماكن العامة المغلقة والنقل العام.
وتحول موضوع الكمامات الطبية الى خلاف سياسي بامتياز، اذ فيما ينصح غالبية الخبراء بارتداء كمامة في الأماكن المغلقة، ويعتبرون أنها تساهم في تقليص مخاطر الاصابة بالفيروس بشكل كبير، وفي وقت يتمسك الديموقراطيون بارتدائها، يعتبر الجمهوريون أن الوباء بأكمله «من الاخبار المزيفة»، وأن فرض ارتداء الكمامات يأتي «في سياق قمع الحريات والسيطرة على الناس مجتمعياً».
وساهم في تأزيم الانقسام أن الرئيس دونالد ترامب يرفض ارتداء كمامة، وهو لم يظهر حتى الآن بكمامة لأنه - حسب المقربين منه - يعتقد أنه «سيبدو احمقاً» في حال وضع واحدة على وجهه. 
على أن الجمهوريين تحينوا فرصتهم لاعتبار أن الديموقراطيين ينافقون، ودقوا ناقوس الخطر ضد الوباء بهدف تعطيل الاقتصاد والاسهام في حرمان ترامب من الفوز بولاية ثانية، في الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر المقبل. 
وأشار الجمهوريون الى أن الديموقراطيين واصلوا اصرارهم على ضرورة الابقاء على الحجر والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، ثم بعد اندلاع التظاهرات المناهضة لعنف الشرطة، خصوصاً ضد الأفارقة الأميركيين (غالبيتهم الساحقة ديموقراطية)، غض الديموقراطيون النظر عن التظاهرات الحاشدة.
وسمحت تظاهرات الديموقراطيين لترامب بالإصرار على استعادة النشاط الأحب الى قلبه، وهو الادلاء بخطابات أمام مناصريه في ملاعب رياضية ضخمة تتسع لجماهير غفيرة. ولطالما أشار الرئيس الى قدرته على الحشد الجماهيري للدلالة على شعبيته، وقام بمقارنة خطاباته بالخطابات التي يدلي بها منافسوه، ويعتبر ترامب أنها لا تحوز نفس الاهتمام الجماهيري الذي تسرقه خطاباته.
وليل أمس، استأنف الرئيس الأميركي نشاطه عبر تجمّع انتخابي محفوف بالمخاطر في أوكلاهوما، إذ حشد أنصاره داخل قاعة مغلقة للمرّة الأولى منذ تفشي «كوفيد - 19». 
ويرخي التوتر بثقله على المدينة، حيث ثمة خشية من هذا التجمع الذي يحيط به جدل مزدوج: أولاً خطر مفاقمة تفشي الوباء في البلد الأكثر تضرراً في العالم من الفيروس، بالإضافة إلى خيار الرئيس استئناف التجمعات الانتخابية في خضمّ فترة إحياء ذكرى إنهاء العبودية، الأمر الذي اعتبره مسؤول محلي من حركة «حياة السود تهمّ»، «صفعة حقيقية».
في هذا السياق، أحيا آلاف الأميركيين الذكرى 155 لإنهاء العبودية عبر تظاهرات حملت طابعاً احتفالياً في بعض الأحيان، أسقط خلالها التمثال الوحيد في واشنطن لجنرال كونفيديرالي، بينما تهز البلاد توترات عرقية منذ وفاة جورج فلويد أواخر مايو. 
وعمت احتفالات الذكرى التي تعرف بـ«جونتينث» (دمج يونيو و19 وفق لفظهما بالانكليزية)، وهو «يوم التحرير» الذي أدرك خلاله «العبيد» في غالفستون في تكساس أنّهم صاروا أحراراً، كل المناطق. 
في واشنطن، أسقط متظاهرون ليل الجمعة - السبت تمثال الجنرال الكونفيديرالي ألبرت بايك، وهو التمثال الوحيد لشخصية كونفيديرالية في العاصمة. 
وندد ترامب على «تويتر» بالحادث الذي وصفه «بالعار على بلادنا»، بعدما نشر بياناً مشتركاً مع زوجته ميلانيا لمناسبة ذكرى إنهاء العبودية أشاد فيه «بالتحرير».
واتهم شرطة واشنطن بأنها «لم تقم بعملها ووقفت متفرجة على التمثال وهو يسقط ويحرق». 
وتركزت التظاهرات المنددة بـ«العنصرية والقمع وعنف الشرطة» التي تم تنظيمها بدعوة من النوادي المحلية لكرة السلة في محيط النصب التذكاري لمارتن لوثر كينغ في العاصمة، الجمعة. 
وكانت التظاهرة التي خرجت قرب البيت الأبيض احتفالية حيث رقص المئات على وقع موسيقى «غو غو» الشعبية التي نشأت في واشنطن في الستينات والسبعينات، قبل أن يسيروا في شوارع وسط المدينة. 
في الأسابيع الأخيرة، تكثفت الدعوات إلى إزالة النصب التذكارية لشخصيات لعبت دوراً في معسكر الكوفيديراليين خلال الحرب الأهلية (1861 - 1865)، والمنتشرة بكثرة في الجنوب. 
إلى ذلك، رفض قاض فيديرالي، أمس، طلباً تقدمت به إدارة ترامب بمنع إصدار كتاب مستشار الرئيس السابق لشؤون الأمن القومي جون بولتون.
وقال القاضي رويس لامبرث في بيان: «بينما يثير سلوك بولتون أحادي الجانب مخاوف خطيرة تتعلق بالأمن القومي، إلا أن الحكومة لم تثبت أن الأمر بمنع الإصدار هو الإجراء المناسب».
ومن المقرر نشر الكتاب وهو بعنوان «الغرفة حيث حدث ذلك... مذكرات البيت الأبيض»، خلال ايام، إلا أن وزارة العدل حاولت وقف صدوره، واعتبرت انه يحتوي على معلومات سرية.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008