واشنطن - من حسين عبدالحسين
يندر أن يتراجع دونالد ترامب عن موقف أو سياسة. كما يندر أن يعتذر عن خطأ أو يعترف بارتكابه. وغالباً ما يمعن الرئيس الأميركي في أمر، حتى لو ثبت خطأه، لاعتقاده أن شخصيته المتمردة هي جزء من السحر الذي يجذب مؤيديه إليه ويمنحه أصواتهم. لكن فيروس كورونا المستجد وتأرجع شعبيته، أجبراه على تبني بعض التغييرات.
هكذا، في أقل من أسبوع، تراجع ترامب عن عدد من السياسات، كان أبرزها استبدال، مدير حملته الانتخابية، في قرار يأتي قبل أربعة أشهر فقط من الاستحقاق الرئاسي ويأمل من خلاله الملياردير الجمهوري تحسين شعبيته الآخذة في التراجع في استطلاعات الرأي.
وقال الرئيس الأميركي في تغريدة على «تويتر»، الاربعاء: «يسرّني أن أعلن ترقية بيل ستيبيين إلى منصب مدير حملة ترامب».
وكان ستيبيين يشغل منصب نائب مدير الحملة، وقد حلّ بموجب هذا القرار محلّ براد بارسكيل الذي قال ترامب إنّه لن يغادر فريق حملته بل سيعود لمزاولة مهامه السابقة بصفته مسؤولاً عن «الاستراتيجيات الرقمية والبيانية العظيمة» للحملة.
كما ظهر ترامب، علناً، مرتديا كمامة واقية من الفيروس، بعدما أمضى الأشهر القليلة الماضية وهو يسخر من الكمامات وممن يرتدونها، ويعيّرهم بالجبن، بما في ذلك سخريته من ارتداء منافسه، المرشح الديموقراطي للرئاسة جو بايدن، كمامة.
كذلك لفت الأنظار قيام ادارة ترامب بالتراجع عن إعلان سابق لها، كانت منعت بموجبه الطلبة غير الأميركيين، المقيمين في الولايات المتحدة بموجب تأشيرة مخصصة للطلبة، من البقاء في حال قامت الجامعات والكلّيات التي يدرسون فيها بتحويل صفوفها الى صفوف عبر الإنترنت فقط.
وفي المواقف التي لم يتراجع فيها ترامب، قام الحزب الجمهوري بتزوير تغريدته تفادياً للمشكلة التي أثارتها. وفي التفاصيل، أن ترامب دأب على مهاجمة التصويت الانتخابي عبر البريد لاعتقاده أن الجمهوريين يقبلون على صناديق الاقتراع بكثافة أكثر من نظرائهم الديموقراطيين، وهو ما يعطي ترامب وحزبه الجمهوري أفضلية في عدد المقترعين.
ثم ان التصويت في أقلام الاقتراع يتطلب وثائق ثبوتية تكلّف أصحابها رسوما حكومية، وهي رسوم تبقي الأقل دخلاً بعيدين عن استصدار هذه الوثائق، وتالياً يحرمهم التصويت.
والجمهوريون عموماً أعلى دخلاً من الديموقراطيين، وهو ما يعني أن الاقتراع شخصياً هو في مصلحة الحزب الجمهوري، فيما الاقتراع في البريد لا يتطلب وثائق ثبوتية لأنه يرتكز الى مقارنة اسم الناخب ورقمه الوطني السري مع الكشوفات الحكومية، وهو ما يعني أن الاقتراع في البريد لمصلحة الديموقراطيين، أو هكذا على الأقل يعتقد ترامب.
لكن في ولاية فلوريدا الجنوبية، أكبر الولايات المتأرجحة انتخابيا بين الحزبين، تعتمد غالبية سكان الولاية، وعدد كبير منهم من المسنين والمتقاعدين، على الانتخاب عبر البريد، لصعوبة تنقل هؤلاء، خصوصا في وقت يفرض غالبية المسنين على أنفسهم حجراً منزلياً خوفاً من امكانية اصابتهم بعدوى فيروس كورونا المستجد.
وتظهر بيانات الانتخابات الماضية أن الاقتراع البريدي بين الجمهوريين كان أكبر بكثير، في فلوريدا، من اقتراع الديموقراطيين، البريدي.
لكن حملة الرئيس الأميركي ضد الاقتراع بريدياً دفعت الجمهوريين، بمن فيهم جمهوريي فلوريدا، الى الاحجام عن طلب أوراق اقتراع لاستخدامها في اقتراعهم بريديا، وهو ما أظهر تفوقا بين الديموقراطيين، الذين تقدم عدد ناخبيهم البريديين على نظرائهم الجمهوريين بنحو نصف المليون ناخب.
وكان ترامب تغلب على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، في فلوريدا في انتخابات 2016، بأقل من 80 ألف صوت، وهو ما يعني ان تأخر الجمهوريين بنصف المليون ناخب يؤدي الى خسارة جمهورية حتمية في هذه الولاية.
للتعامل مع هذا المأزق، قام مسؤولو الحزب الجمهوري في الولاية بارسال رسائل بريدية لقاعدة الحزب اقتبسوا من تغريدة لترامب يقول فيها إنه لا يمانع التصويت الغيابي في البريد، لكنه يمانع التصويت عبر البريد لمن استطاع الحضور الى اقلام الاقتراع، فحذف الجمهوريون الجزء الذي يعبّر فيه ترامب عن معارضته التصويت البريدي بشكل عام، وأبقوا على الجزء الأول الذي أظهر وكأن ترامب يؤيد هذا النوع من الاقتراع، وهو اجتزاء يجافي الحقيقة.
الفوضى التي يثيرها ترامب لم تعد مربحة انتخابياً له وللجمهوريين، خصوصاً أن مواقفه المعارضة لارتداء كمامة، والمعارضة لقيام الحكومة الفيديرالية بدور مركزي في مكافحة وباء فيروس كورونا وترك الأمر بيد حكّام الولايات، ثم الاصرار على تعليق الحجر الصحي للاسراع في اعادة اطلاق عجلة الاقتصاد، فشنّ هجوم على الاقتراع بالبريد الذي يساهم في فوز الجمهوريين في فلوريدا، كلها مواقف وسياسات صارت تتطلب تراجعاً.
اما علنياً، كما في انقلاب ترامب في مواقفه من ساخر من الكمامات الى مؤيد لها، أو سرا، كما في قيام قادة الحزب الجمهوري في فلوريدا باجتزاء تغريدة لترامب لتحسين موقفهم في الانتخابات بـ«التي هي أحسن»، طالما ان اقناع الرئيس بالتراجع عن موقفه المعادي للتصويت البريدي يبدو أمراً متعذراً.
أما سبب تراجع ترامب العلني، وان من دون تبرير، وتراجع الجمهوريين، فيعود إلى شبه الانهيار الذي يعانيه الرئيس قبل أشهر قليلة من الانتخابات المقررة في 3 نوفمبر المقبل، والتي يسعى فيها للفوز بولاية رئاسية ثانية.
وبلغ تدني أرقام شعبية ترامب، ليس في الولايات المتأرجحة فحسب بل في ولايات محسوبة على الجمهوريين مثل تكساس، ان رأت حملة بايدن فرصة سانحة لبث دعايتها الانتخابية عبر التلفزيون ووسائل الاعلام الاخرى في الولاية الجنوبية، وهو ما يشي أن الديموقراطيين باتوا يعتقدون أنه يمكنهم التغلب على الجمهوريين في عقر دارهم، وتحقيق انتصار انتخابي كاسح لاستعادة البيت الأبيض ومجلس الشيوخ.
وأظهر أحدث استطلاعات الرأي أن «معدل الموافقة» على أداء ترامب تدنى إلى مستوى قياسي بلغ 45 في المئة بين الناخبين المحتملين في ست ولايات متأرجحة. ووفقاً لاستفتاء أجرته شبكة «سي إن بي سي»، بلغت نسبة الناخبين الراضين عن اداء ترامب في ولايات أريزونا وفلوريدا وميشيغن ونورث كارولينا وبنسلفانيا وويسكونسن 45 في المئة فقط، مقابل 55 في المئة ممن عبّروا عن عدم رضاهم على اداء الرئيس الأميركي.
ولحظ الاستطلاع زيادة 4 نقاط مئوية في عدد الناخبين ممن يعتقدون ان انتشار الوباء يزداد سوءا، لتبلغ نسبتهم 59 في المئة. وقال أكثر من 45 في المئة في الولايات المتأرجحة ان الشركات والمؤسسات الأخرى تمت إعادة فتحها بسرعة كبيرة جداً.
وبلغت نسبة المعترضين على سرعة اعادة الفتح 62 في المئة في فلوريدا، و60 في المئة في أريزونا، وكلاهما تعانيان من تفشي كبير لوباء فيروس كورونا المستجد.
وسجّلت الولايات المتّحدة مساء الأربعاء، أكثر من 67,632 إصابة جديدة بالفيروس خلال 24 ساعة، في حصيلة يومية قياسية، إضافة إلى 795 وفاة، ليرتفع بذلك إجمالي ضحايا الفيروس الفتّاك إلى أكثر من 140 ألف شخص من أصل أكثر من 3.62 مليون مصاب.
وقال حاكم ولاية أوكلاهوما كيفن ستيت، إنه أصيب بمرض «كوفيد - 19»، ليصبح أحد أبرز السياسيين الأميركيين المنتخبين الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس.
من جانبه (وكالات)، قال بايدن، إن ترامب يصر على إعادة فتح المدارس انقاذاً لمساعيه للفوز بفترة ولاية ثانية، وذلك رداً على أسئلة لأطفال سألوا عن الموضوع أثناء لقاء ضم 25 مانحاً، الأربعاء، وأمكن فيه جمع 3.8 مليون دولار لحملته.
وتتبنى الإدارات التعليمية في أرجاء الولايات المتحدة نهجاً حذراً إزاء إعادة فتح أبوابها بعد العطلة الصيفية، ما يثير توتر أولياء الأمور الذين يسعون جاهدين لتحقيق توازن بين واجبات العمل ومسؤوليات المنزل.
وطالب ترامب الأسبوع الماضي، بإعادة فتح المدارس، وهو ما يتعارض مع الإرشادات التي وضعها خبراء الصحة العامة في الحكومة. وهدد بحرمان المدارس من الأموال الحكومية إذا لم تمتثل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق