واشنطن - من حسين عبدالحسين
لن تنتظر الولايات المتحدة نتائج الديبلوماسية التي يقودها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لبنان، ولا ترى أي فارق بين «الجناح العسكري» لـ«حزب الله» و«الجناح السياسي» حسب ما ترى فرنسا والأوروبيون. كما أن واشنطن لا ترى لبنان بتعقيداته السياسية، بل تراه حصراً من زاوية مكافحة الإرهاب. وبما أن وزارة الخارجية تضع «حزب الله»، على لائحة الإرهاب، ستضع كل مَنْ يرتبط به مالياً على اللائحة نفسها، بما في ذلك مسؤولون حاليون وسابقون.في هذا السياق، فرض «مكتب مراقبة الأصول الأجنبية» التابع لوزارة الخزانة، مساء الثلاثاء، عقوبات على وزيرين لبنانيين سابقين، هما يوسف فنيانوس، المرتبط بحزب المردة الذي يقوده سليمان فرنجية، وعلي حسن خليل، القيادي في«حركة أمل» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري.
ورغم أن البيان الصادر عن وزارة الخزانة حاول إظهار أن هدف العقوبات هو الاقتصاص من فساد السياسيين اللبنانيين، إلّا أن السند القانوني للعقوبات الأميركية هو الأمر التنفيذي رقم 13224، المخصص لمكافحة تمويل الإرهاب، فيما الهيئة الناظمة للعقوبات على الوزيرين السابقين، هي قوانين وكالة مكافحة هذا التمويل، وهو ما يعني أنه من دون الارتباط بـ«حزب الله» مالياً، لا تطول العقوبات المسؤولين الفاسدين، على عكس ما ألمح اليه البعض في واشنطن وبيروت، أن أميركا ستلجأ إلى «قانون ماغنتسكي» لمحاسبة المسؤولين على فسادهم.
ونقل البيان عن وزير الخزانة ستيفن منوشين، أن الفساد تفشى في لبنان، وأن «حزب الله» استغل النظام السياسي لنشر نفوذه الخبيث، وأن الولايات المتحدة «تقف إلى جانب شعب لبنان في مطالبته للإصلاح، وستواصل استخدام ما بوسعها لاستهداف الذين يضطهدون (اللبنانيين) ويستغلونهم».
على أن بيان وزارة الخزانة حمل زخرفة حاولت إظهار أن سبب القرار الأميركي هو مكافحة الفساد ومناصرة اللبنانيين المعارضين للطبقة السياسة برمتها. وجاء فيه أن سبب الأزمة في لبنان «عقود من الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية... استخدم خلالها بعض القادة السياسيين اللبنانيين الصفقات السرية، واعتمدوا على حزب الله، لتحقيق مكاسب شخصية ومكاسب لحلفائهم السياسيين على حساب احتياجات الشعب اللبناني».
وأضاف البيان أنه منذ أكتوبر العام 2019، قامت احتجاجات شعبية عابرة للطوائف وطالبت بإصلاح سياسي واقتصادي، وأن دعوات المتظاهرين «كلهم يعني كلهم» أظهرت جدية الرغبة الشعبية في رؤية الإصلاح ورفع الغطاء عن فساد مجموعات معينة، «بما في ذلك حزب الله».
وعن فنيانوس، ذكر البيان أن الوزير السابق يلتقي «بانتظام مع وفيق صفا، الذي كانت وزارة الخزانة صنفته إرهابياً في 2019 لدوره القيادي في جهاز الأمن التابع لحزب الله».
وأضاف أن فنيانوس «ساعد حزب الله في الوصول إلى الوثائق القانونية الحساسة المتعلقة بالمحكمة الخاصة بلبنان»، فضلاً عن قيامه، أثناء «توليه منصب وزير الأشغال العامة النقل بتحويل الأموال من وزارته لدعم حلفائه السياسيين».
أما خليل، فجاء في البيان أنه سبق أن عمل وزيراً للمالية، وقبل ذلك وزيراً للصحة، وأنه أثناء عمله في المالية، كان ممَنْ استفادوا من علاقته بالحزب لتحقيق مكاسب مالية، وأنه عمل «على نقل الأموال بطريقة لتفادي العقوبات الأميركية من الوزارات الحكومية إلى المؤسسات المرتبطة بحزب الله».
وتابع أن خليل استخدم منصبه كوزير للمالية لمحاولة تخفيف القيود المالية الأميركية على «حزب الله»، كما «لإعفاء أحد منتسبي الحزب من دفع معظم الضرائب على الإلكترونيات المستوردة إلى لبنان، وتم تحصيل جزء مما تم دفعه لدعم حزب الله».
وأضاف البيان أنه في أواخر 2019، «رفض خليل كوزير للمالية التوقيع على شيكات مستحقة الدفع للموردين الحكوميين في محاولة للحصول على عمولات، وطالب بدفع نسبة من العقود له مباشرة».
وختم البيان الأميركي أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قام بتنسيق خطوته مع «وكالة مكافحة المخدرات» (دي اي ايه)، وذلك «كجزء من مجهود أوسع لمكافحة المخدرات في إطار مشروع كاساندرا التابع لها لاستهداف شبكة الدعم الإجرامي العالمية لحزب الله، والتي تعمل كذراع لوجستي ومشتريات وتمويل لحزب الله».
وعلمت «الراي» أن فرض العقوبات على الوزيرين السابقين بتهم تمويل الإرهاب، هو عمل استغرق شهوراً من التحقيقات والإعداد القانوني، وأن الولايات المتحدة ما زالت تحقق في إمكانية تورط مسؤولين حاليين وسابقين مع الحزب مالياً، وهو ما يعني أن عقوبات جديدة سيتم الإعلان عنها فور إنجازها.
كما علمت «الراي» أن العقوبات على فنيانوس وخليل تم إنجازها منذ أشهر، وأن تطبيقها والإعلان عنها كان ينتظر القرار السياسي، وهو ما حصل قبل أسبوعين، وهي تقارير إن صحت، تشي بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب أرادت توجيه عدد من الرسائل إلى المسؤولين اللبنانيين والدوليين المعنيين بالشأن اللبناني، أن المشكلة هي «ميليشيا حزب الله»، وأن أي أطراف دولية تُعلن أنه يمكن حل المشكلة اللبنانية من دون حلّ هذه الميليشيا، تتكلم باسمها وحدها، لا باسم واشنطن، وأن ما يعني أميركا هو وقف الانهيار اللبناني الذي يتسبّب به الحزب.
وذكّرت مصادر أميركية بأنه «حتى الساعة، لا توجد أي عقوبات أميركية على دولة لبنان أو مؤسساتها»، وأن كل العقوبات المرتبطة بلبنانيين، هي على أشخاص وكيانات غير حكومية، وأن الانهيار الاقتصادي سببه سوء الإدارة التي يحميها «حزب الله»، وأن لا عقوبات على لبنان تتسبّب بالانهيار الاقتصادي الحاصل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق