الثلاثاء، 22 سبتمبر 2020

التحامل على السعودية

حسين عبدالحسين

في افتتاحيتها التي حملت عنوان "سلام ترامب في الشرق الأوسط جيد، ولكنه ليس جيدا بما فيه الكفاية"، كتبت صحيفة نيويورك تايمز أن تهديد إسرائيل بضم غور الأردن "لم يكن الدافع الخفي الوحيد في اتفاقيات" التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين. "إسرائيل والسعودية والإمارات ـ وإدارة ترامب ـ متحدون في عداءهم لإيران"، حسب الصحيفة.

لم توقّع السعودية حتى الآن على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولا هي كانت ممثلة في البيت الأبيض، مع ذلك، أقحمتها الصحيفة الأميركية في الموضوع، بل اعتبرت أن السعودية تعادي إيران، أي أن إيران هي الضحية. لا يهم الصحيفة أن النظام الإيراني أحرق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، في اعتداء تجاوز كل القوانين الدولية المخصصة لحماية البعثات الدولية. بعدها بسنوات، ضرب نظام إيران منشآت نفطية في السعودية، في وقت واصلت طهران تزويد ميليشيا الحوثيين الإنقلابية في اليمن بصواريخ تستهدف بها الأراضي السعودية. مع ذلك، ترى الصحيفة الأميركية أن السعودية هي المعادية وإيران هي الضحية.

لم تكن نيويورك تايمز وحيدة في تحاملها على السعودية. أثناء التغطية المباشرة لحفل توقيع السلام الإماراتي والبحريني مع إسرائيل، تحدثت مقدمة البرامج على قناة "أم أس أن بي سي" أندريا ميتشيل عن جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي. ما علاقة خاشقجي بتوقيع الإمارات والبحرين سلاما مع إسرائيل؟ أين ذهبت المهنية الإعلامية؟

التحامل على السعودية بين بعض الأميركيين، خصوصا من الحزب الديمقراطي، الذي يبدو أن دوائر السياسة الخارجية فيه ترزح تحت سيطرة ونفوذ "أصدقاء إيران" في واشنطن، لم يعد سرا، ولم يعد التناقض في سياسة الحزب تجاه كل من إيران والسعودية خافيا. هو تناقض أكثر من عبّر عنه المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة السناتور بيرني ساندرز، الذي دأب إلى الدعوة إلى رفع العقوبات الأميركية الأحادية المفروضة على إيران، والعودة للاتفاقية النووية معها. ساندرز يقول إنه يريد أن تترك أميركا العالم وتهتم بشؤونها الداخلية. عظيم. لكن ساندرز اقترح عدد من القوانين في مجلس الشيوخ ضد السعودية، وهو لا يترك فرصة إلا ويوجه انتقادات لاذعة للمملكة. لماذا يريد ساندرز الاتفاق مع إيران واستعداء السعودية؟

من يعرف العاصمة الأميركية يعلم أن في العقدين الماضيين، ساق المسؤولون والخبراء الأميركيون ثلاثة انتقادات ضد السعودية: الأول أن المملكة ترعى انتشار الإسلام السياسي حول العالم، والثاني أن السعودية تعاني من تقدم سنّ حكامها، وهو ما يضعف قدرتها على إصلاح دولتها التي تعاني التضخم وعدم الفاعلية، فضلا عن شكوك حول عملية الخلافة فيها، والثالث أنها كثيرة الاتكال على الولايات المتحدة في موضوع دفاعها عن أمنها.

تسلَم الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم، ومعه نجله محمد، الذي صار وليا للعهد، وصار مصمما على تبني النموذج الإماراتي، أي رفع مقاييس الحوكمة الرشيدة إلى أقصى حدود، وهو ما من شأنه أن يرفع من فاعلية الدولة وينشّط اقتصادها ويفك ارتباطه عن عائدات النفط. في الوقت نفسه، أظهر الملك وولي عهده عزما ضد الإسلام السياسي، حتى أن قطبي الإسلام السياسي تركيا السنية وإيران الشيعية، سعيا للطعن في إسلامية السعودية للانتقاص من مكانتها. ثم أن قيام السعودية بشن حرب أضعفت فيها تهديد إيران الحوثي على حدودها الجنوبية أظهر أن السعوديين لا يحتاجون أن يقاتل الأميركيون عنهم للدفاع عن بلادهم.

مع ذلك، يمضي أميركيون، غالبهم من الديمقراطيين وأبرزهم الرئيس السابق باراك أوباما، في تقديم مقارنات بين إيران والسعودية تُظهِر وكأن إيران دولة عاقلة واعدة ذات نظام ليبرالي وحريات، فيما السعودية قروسطوية متخلفة، لا بد من التخلص من صداقتها.

على أن أي مقارنة بين السعودية وإيران تشي بأن الدولتين ـ كما تركيا وروسيا والصين وباقي دول العالم غير الغرب واليابان وكوريا الجنوبية ـ ليستا من الديمقراطيات الليبرالية. لكن إن وضعنا طبيعة نظامي الحكم في السعودية وإيران جانبا، يبقى موضوع الحوكمة الرشيدة والحياة الكريمة، وهنا تتفوق السعودية على إيران بما لا يقاس. السعودية هي حيث يذهب الناس للعمل وجني الرزق وبناء العائلات، فيما إيران هي الدولة التي تهاجر منها العائلات بسبب الفساد المدقع، والفقر، وانتشار ثقافة الشهادة والموت، في حرب أو بلا حرب.

ويمكن سؤال أي سوري أو لبناني أو فلسطيني أو مصري أو تونسي، إلى أين يهاجرون للبحث عن حياة أفضل؟ أيهاجرون إلى السعودية ودول الخليج؟ أم إلى إيران؟ والإجابة المؤكدة هي الخليج، على الرغم أن إيران تتمتع باحتياطات نفطية وغازية تضاهي نظيرتها الخليجية.

كذلك، يمكن سؤال العرب ممن بقوا في بلدانهم: أي من الحكومتين ساعدت دولهم اقتصاديا، الرياض وعواصم الخليج أم طهران؟ على مدى العقود الماضية، مثلا، أنفقت السعودية والكويت والإمارات وقطر مئات ملايين الدولارات على لبنان: أودعت عملة صعبة في المصرف المركزي لتثبيت سعر صرف الليرة أمام الدولار. موّلت مشاريع بنية تحتية وصوامع قمح ومنح تعليم. ماذا فعلت إيران؟ موّلت دويلة وميليشيا لبنانية تقسم الولاء لحاكم إيران بدلا من دولة لبنان، وسلّحت الميليشيا بترسانة هائلة، وأنفقت على حروبها في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

أن يقول أوباما إن إيران دولة ذات حضارة وتعرف مصالحها وحسابات الربح والخسارة، وإن الخليج سبب التأخر الحضاري والتطرف هو قول يجافي الحقيقية وينم عن برنامج سياسي منحاز، وهو برنامج ما تزال منطقة الشرق الأوسط تعاني منه، لكن الواقع يعاكسه: الحياة كريمة في السعودية والخليج والفقر والبؤس في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة.

ليست هناك تعليقات:


Since December 2008