واشنطن - من حسين عبدالحسين
تتحرك منذ فترة مجموعات في العاصمة الأميركية لحشد التأييد المطلوب في الكونغرس، بغرفتيه، لتوسيع وتأكيد العقوبات التي تفرضها إدارة الرئيس دونالد ترامب على إيران، في محاولة لتفادي إمكانية قيام البيت الأبيض بتعليق العقوبات في حال فوز المرشح الديموقراطي ونائب الرئيس السابق جو بايدن بالرئاسة في الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل.ويتمتع التشريع الجاري العمل على إقراره بتأييد غالبية الحزبين في مجلس الشيوخ، الذي تسيطر عليه غالبية من الجمهوريين، مع بعض الاستثناءات، مثل معارضة السناتور المستقل بيرني ساندرز، فيما يلاقي التشريع نفسه معارضة واسعة في صفوف مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديموقراطيون، بما في ذلك من رئيسة المجلس نانسي بيلوسي، والجناح الديموقراطي الذي يسمي نفسه تقدمياً ويتضمن في صفوفه مشرعات مثل الفلسطينية الأميركية رشيدة طليب، والصومالية الأميركية الهان عمر، والكسندرا أوكاسيا كورتيز، وعضو الكونغرس روخانا، الذي كان رئيساً لحملة المرشح السابق للرئاسة ساندرز.
ويسعى العاملون على حشد التأييد للتشريع إلى حثّ زعيم الأقلية الديموقراطية تشاك شومر - وهو من اليهود الأميركيين ومن معارضي الاتفاقية النووية مع إيران حتى إبان إقرارها في العام 2015 أثناء ولاية الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما - إلى استخدام علاقاته الطيبة، خصوصاً تلك التي تربطه وبيلوسي، لإقناعها بضرورة دعم إقرار القانون حتى يوقعه ترامب قبل خروجه من البيت الأبيض منتصف يناير، في حال تعثرت محاولاته للفوز بولاية ثانية.
وتروي أوساط الداعمين لتشريع عقوبات جديدة، القصة الكامنة خلف التوصل إلى الاتفاقية النووية مع إيران، التي تم تكريسها في قرار مجلس الأمن رقم 2231، وتقول إنه فور فوز أوباما بولاية ثانية في 2012، أوفد مندوبيه سراً إلى إسرائيل لإقناعها بحاجة واشنطن لتحفيز إيران بالقيام بتعليق بعض العقوبات الدولية المفروضة عليها في سياق عملية «بناء الثقة» معها.
وافق الإسرائيليون لكنهم حذروا من أن هذا النوع من المفاوضات هو بمثابة منزلق قد يؤدي إلى الوصول لاتفاقية نووية لا تتناسب والمطالب التي كان أعلنها المجتمع الدولي هدفاً له حتى يقوم برفع عقوباته التي كانت مفروضة على إيران.
في صلب المطالب الدولية المفروضة على إيران كانت قرارات مجلس الأمن التي تصرّ على انتزاع القدرة الإيرانية على تصنيع أسلحة نووية، إن عبر تخصيب اليورانيوم أو عبر إعادة تكرير مياه البلوتونيوم الثقلية، بالتزامن مع تجميد التجارب الإيرانية، أو استيرادها، للأسلحة القادرة على حمل رؤوس نووية، مثل الصواريخ البالستية.
ولم تتأخر إدارة أوباما في الإفادة من موافقة حليفتها إسرائيل - التي تعتبر حيازة إيران أسلحة نووية بمثابة تهديد وجودي لها - فتوصل المفاوضون الدوليون، بقيادة أميركية، لما يعرف بـ «خطة العمل»، التي أفرجت بموجبها واشنطن عن أموال نقدية مجمدة في أرصدة إيرانية في البنوك الأميركية منذ الثورة التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي في 1979، مقابل قيام طهران بتعليق عمليات التخصيب.
لكن تعليق تخصيب اليورانيوم، حسب أوساط المطالبين بنسف الاتفاقية النووية، يختلف عن انتزاع القدرات الإيرانية على التخصيب. أما الاتفاقية، التي أدت إلى رفع كل العقوبات الدولية عن إيران، فلم تكتفِ بفرض تجميد التخصيب الإيراني لليورانيوم، بل قامت بربط التجميد بمهلة محددة، وكذلك ربطت حظر استيراد إيران للسلاح وللصواريخ البالستية بمهل محددة. وينتهي حظر السلاح الأممي على إيران في 18 أكتوبر المقبل، فيما ينتهي حظر الصواريخ في 2023.
ومع وصول ترامب للرئاسة، حاولت إسرائيل وأصدقاؤها في العاصمة الأميركية التوصل إلى تسوية مع مؤيدي الاتفاقية النووية، فباشرت واشنطن مفاوضات مع طهران عبر الأوروبيين، أعربت فيها عن استعدادها لقبول الاتفاقية، شرط جعل بندي تخصيب اليورانيوم وتكرير مياه البلوتونيوم، بندين مفتوحين لا تنتهي مدتهما أبدا، وهو ما عارضته طهران لاعتقادها أن أميركا لا يمكنها، وحدها، نسف الاتفاقية وفرض عقوبات موجعة على الجمهورية الإسلامية.
لكن العقوبات الأحادية التي فرضها ترامب أوجعت إيران حتى أكثر مما كانت تتوقع واشنطن، وأدت إلى انهيار اقتصادها. مع ذلك، لم تتراجع طهران، بل راحت تراهن على وصول بايدن إلى البيت الأبيض، حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه وترفع أميركا عقوباتها الأحادية، وهي الاحتمالية نفسها التي تقلق من يسعون لاستصدار قانون جديد في الكونغرس لتثبيت العقوبات الأحادية على إيران.
في هذه الأثناء، ما زالت الولايات المتحدة تعمل على نسف الاتفاقية في مجلس الأمن، بموجب «آلية الزناد» التي تعيد العقوبات تلقائياً في حال طلب أحد الأطراف الموقعة على الاتفاقية التحكيم، واعتبارها أن الإجابات لا تفي بالغرض.
ومنذ طلبت واشنطن من الأمم المتحدة، في 20 أغسطس الماضي، البدء بالسير بعملية التحكيم، التي تستغرق 30 يوماً، وافقت إيران على فتح موقعين كانت ترفض السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية دخولهما. على أن عملية تفتيش الموقعين تستغرق 90 يوماً، ما يعني أن نتيجة التفتيش الدولي لن تؤثر في عملية التحكيم التي طلبتها واشنطن.
ورغم أن روسيا والصين والدول الأخرى تتظاهر وكأن إعلان ترامب انسحاب بلاده من الاتفاقية النووية يحرمها طلب التحكيم، إلا أن محامي الأمم المتحدة أشاروا إلى أن المنظمة الدولية لم تتسلم إخطاراً أميركياً بذلك، ما يعني أن واشنطن لا تزال من الموقعين على الاتفاقية، رغم إعلان ترامب الانسحاب في خطاب.
ورغم أن روسيا والصين والدول الأخرى تتظاهر وكأن المطلب الأميركي غير قانوني ولا يعنيها، إلا أن خوفها من فرض واشنطن انهيار الاتفاقية دفعها للقاء في فيينا للتباحث في كيفية جعل الإيرانيين يقدمون أقصى تجاوباً ممكناً لإحراج الأميركيين، مع انقضاء مهلة الـ30 يوماً، وإغلاق أي ثغرات ممكن أن تشير إليها واشنطن كحجة للقضاء على الاتفاقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق