واشنطن - من حسين عبدالحسين
على عادته، فجّر نائب رئيس تحرير صحيفة «واشنطن بوست» المخضرم بوب وودورد، قنبلة سياسية بإصداره آخر كتبه التي تناولت إدارة دونالد ترامب، وتضمنت مقابلات مع الرئيس الجمهوري ظهر فيها، وهو يقول إنه كان يعرف أن فيروس كورونا المستجد هو «كارثة بكل المقاييس»، لكنه عمد الى التقليل من شأنه من أجل تجنيب الأميركيين «الهلع والهستيريا».وفور صدور النسخات المخصصة للإعلاميين من كتاب «غضب»، المقرّر نشره في 15 سبتمبر الجاري، راحت وسائل الإعلام توجه الانتقادات الى ترامب لمعرفته بفداحة مشكلة الوباء، ومحاولته التقليل من شأنها. وليؤكد وودورد صحة المعلومات الواردة في كتابه، قام بتزويد وسائل الإعلام بتسجيلات المحادثات، التي راحت وسائل الإعلام تبثها على مدار الساعة في نشراتها الإخبارية وبرامجها السياسية.
وجود «تسجيلات» تدين ترامب، كالتي نشرها وودورد، أعادت الى أذهان الأميركيين أشرطة التسجيل التي أجبرت المحكمة العليا، البيت الأبيض على تسليمها للقضاء في السبعينات، والتي سمع عبرها الأميركيون صوت رئيسهم الجمهوري الراحل ريتشارد نيكسون، وهو الرئيس الوحيد الذي استقال من الرئاسة خوفاً من قيام الكونغرس بالتصويت على خلعه في فضيحة «ووترغيت»، من خلال التجسس على الحزب الديموقراطي.
هذه المرة، سمع الأميركيون، ترامب، وهو يقول أن فيروس كورونا «خطير جداً»، وأنه من ناحية اللمس، يمكن توعية الناس على تفاديه، ولكن الفيروس «ينتقل بسهولة في الهواء بشكل لا يصدق».
وقال وودورد إن رئيس موظفي البيت الأبيض روبرت أوبراين عقد جلسة سرية أبلغ بها ترامب عن خطورة الموضوع في فبراير الماضي، لكن الرئيس الأميركي قال لوودورد، في مارس، إنه قام بالتقليل من شأن الفيروس حتى لا يثير الهلع بين الأميركيين، وهو تصريح حمل غالبية المراقبين الى انتقاد التباين بين ما كان يعرفه ترامب، وبين ما كان يقوله، وهو أن الفيروس «أخبار كاذبة» يبثها الديموقراطيون للنيل من رئاسته ومن الولايات المتحدة بشكل عام.
على أن الأميركيين أعربوا عن غضبهم على وودورد كذلك، بسبب إحجامه عن الكشف عن موقف ترامب والتسجيلات ابان وقوع المحادثة بينه وبين الرئيس الأميركي، واتهموه بالسعي الى الربح المالي عن طريق الإحجام عن الكشف عن الفضيحة لربطها بكتابه لزيادة المبيعات. وانتشرت تغريدة حملت هاشتاغ «وودورد كان يعرف».
وقال مراقبون إنه لو عرف الأميركيون الموقف الفعلي لرئيسهم، لربما كانوا قاموا بتوخي إجراءات حيطة وحذر أكثر صرامة لتفادي انتشار عدوى الفيروس بينهم.
أما ترامب، الذي يعاني من تدهور في شعبيته يهدد فرص فوزه بولاية ثانية في انتخابات الثالث من نوفمبر المقبل، فحاول تفادي التعليق على ما جاء في «غضب»، لكن يبدو أن التغطية الإعلامية الكثيفة أجبرته على الرد، فانخرط في صفوف مهاجمي وودورد، لكنه اعتبر أن تأخر الكاتب في النشر مرده الى أن أجوبة الرئيس كانت ”صحيحة“.
وعلى صفحته على موقع «تويتر»، كان جلياً أن سلسلة تغريدات الرئيس الأميركي ونشاطاته الإعلامية انصبت على مواقف هدفها تحسين شعبيته، من قبيل إعلان لائحة بأسماء القضاء الذين ينوي ترشيحهم في حال شغور أي من مقاعد المحكمة الفيديرالية العليا.
وفي المحكمة المذكورة تسعة قضاة معينين مدى الحياة، خمسة منهم من الجمهوريين وأربعة من الديموقراطيين. وكان ترامب قام بتعيين قاضيين، في وقت تعاني القاضية الديموقراطية روث بايدر غينسبرغ من تدهور في صحتها قد يؤدي الى شغور مقعدها، وهو ما يسمح للرئيس المقبل في البيت الأبيض - ان كان ترامب أو منافسه الديموقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن - بتعيين قاض جديد.
والمحكمة العليا هي التي شرّعت قوانين يعارضها الجمهوريون، مثل الإجهاض وزواج المثليين، وهو ما يجعلها عرضة لمعارك سياسية دائمة بين الحزبين، ويقوم كل من الحزبين بتذكير قاعدته الشعبية بأهميتها لاستنهاض الحماسة الانتخابية في صفوف المؤيدين ودفعهم للانتخاب.
وفي سياق مشابه، قال ترامب في تغريدة، أن وزارة الدفاع لن تلغي عقودها مع رجال الدين الكاثوليك الذي يقومون بتقديم ”خدمات روحانية“ لأفراد القوات المسلحة.
وعلت أصوات معترضة على العقود مع رجال الدين، معتبرة أن الأمر يتعارض والدستور الذي يفصل الدين عن الدولة، وأن أفراد القوات المسلحة يؤمنون بأديان وعقائد مختلفة، وأنه ان كان رجال الدين يتعاقدون مع الجيش، فلا بد من التعاقد مع رجال دين من كل الأديان.
في المقابل، استغل المرشح الديموقراطي للرئاسة جو بايدن مأزق ترامب وتسجيلات وودورد بالقول أثناء تجمع انتخابي في ميتشيغن، إنه «لو قام ترامب بالتصرف قبل أسبوعين فقط، لكان من الممكن إنقاذ حياة 54 ألف شخص في مارس وأبريل فقط».
وتابع ان ترامب «كان يعلم كم كان (الفيروس) مميتاً». وأضاف: «كذب على الشعب الأميركي. كذب عن دراية وعن قصد بشأن التهديد الذي كان يشكله (الفيروس) على البلاد على مدى أشهر».
وأضاف: «لقد كانت خيانة حياة أو موت للشعب الأميركي».
في سياق متصل، جدّد موقع 538 المتخصص التأكيد أنه يتوقع بنسبة 74 في المئة فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية، مقابل 26 في المئة لترامب. وأشار إلى أنه منذ انعقاد المؤتمر الحزبي للديموقراطيين، تم إجراء عشر استطلاعات للرأي، أجمعت كلها على ثبات في نسب التأييد، التي تميل لمصلحة الديموقراطي على حساب الجمهوري.
على أن الاستثناء الوحيد، حسب الموقع، هو فلوريدا، وهي ولاية متأرجحة ومتوسطة الحجم انتخابياً ولكنها غالباً ما ترجح كفة مرشح على آخر.
واعتبر الموقع أنه رغم أن فلوريدا هي جزء من منظومة «حزام الشمس» الجنوبية، إلا أنها تختلف عن الولايات المجاورة لها بارتفاع نسبة الناخبين من أصل كوبي ليبلغوا أكثر من ثلث الناخبين من أصول أميركية لاتينية.
والأميركيون من أصل كوبي يساندون الجمهوريين، بشكل ثابت، لأنهم يحافظون على الضغط على النظام القائم في كوبا، فيما يعمد الديموقراطيون الى التراخي مع هافانا والانفتاح عليها، كما حصل مع الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي كان أول رئيس أميركي يزور الجزيرة الشيوعية في التاريخ الأميركي الحديث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق