واشنطن - من حسين عبدالحسين
قبل نحو 54 يوماً من موعد الانتخابات المقررة في الثالث من نوفمبر المقبل، ومع بدء أكثر من 20 ولاية عملية التصويت الانتخابي عبر البريد، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه منذ مطلع العام الماضي، أنفقت حملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية 800 مليون دولار، من دون أن تنجح في تحسين شعبيته المتهالكة أو قلب تأخره عن منافسة الديموقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن. وأدى الإسراف الانتخابي لترامب الى غرق حملته في أزمة مالية أجبرتها على اقتطاعات واسعة في إنفاقها، بما في ذلك وقفها بث دعايات انتخابية للرئيس الجمهوري في الولايات المتأرجحة التي تشتد فيها معركة انتخابية حامية الوطيس.
وكان ترامب تقدم بطلب ترشحه لولاية ثانية يوم قسمه اليمين الرئاسية ودخوله البيت الأبيض في يناير 2017، وعزا الرئيس وقتذاك خطوته لاعتقاده بأنه يرغب في تفادي إضاعة الوقت، والبدء بحملة رئاسية تسمح له بجمع التبرعات المالية قبل قرابة أربع سنوات من موعد الانتخابات.
وعلى غرار أي رئيس في البيت الأبيض ممن يمنحه موقعه قدرة على جذب أكبر المتبرعين الماليين الذي يسعون للقاء الرئيس شخصياً، نجح ترامب في جمع أكثر من مليار دولار في مجهود بدا أنه سيكون تاريخياً من نوعه. إلا أن جمع التبرعات تعثر، خصوصا مع انتشار فيروس كورونا المستجد، الذي حرم ترامب إمكانية استخدام وقته الشخصي مع مانحين يدفعون ثمن اللقاءات الرئاسية على شكل تبرعات انتخابية ضخمة.
ولم تعوض التبرعات عبر الإنترنت الأموال التي كان يتوقع أن ترامب يجنيها شخصياً، فصار مدخول الحملة الرئاسية الجمهورية منخفضاً، خصوصا مقارنة بمصروف الحملة الضخم.
وتظهر التقارير المالية أن مبالغ كبيرة أنفقتها الحملة وصلت جيوب الرئيس الأميركي وأفراد عائلته، مثلا عمدت الحملة ومعها الحزب الجمهوري إلى إقامة النشاطات الانتخابية في فنادق ترامب ومطاعمه. كما تظهر التقارير المالية أن حملة ترامب قامت بتسديد بدل أتعاب الى صديقتي نجلي ترامب مقابل تقديم الصديقتين «استشارات انتخابية».
والى الاستشارات الانتخابية، أنفقت حملة ترامب ملايين الدولارات على «استشارات قانونية» لمكاتب محاماة مقربة من الرئيس وعائلته، فضلاً عن تمويل الحملة رحلات باذخة للعاملين فيها للمشاركة في «مناسبات انتخابية» في عموم البلاد. أما مدير الحملة براد باسكال، الذي أقاله ترامب بسبب استطلاعات الرأي التي كانت تظهر استحالة فوز الرئيس بولاية ثانية، فأشارت التقارير المالية الى أنه قام بتوظيف سائق وسيارة له على حساب الحملة، وهو أمر لا سابقة له في تاريخ الحملات الانتخابية في البلاد.
وتضيف «نيويورك تايمز» - الى النفقات غير المبررة التي بددت قرابة مليار دولار في أقل من سنتين - شخصية ترامب المتقلبة، إذ يقوم الرئيس الأميركي غالبا بتغيير رأيه، مثلاً في تغيير موقع انعقاد المؤتمر الحزبي لترشيحه ومن ثم إلغاء المؤتمر واستبداله بواحد عبر الإنترنت، وهو ما كبد الحملة قرابة مليون دولار كجزاء لكسر العقد مع المواقع التي كانت مرشحة لاستضافة مؤتمر الحزب الجمهوري.
أما شخصية ترامب فقد أجبرت الحملة على تبديد أمواله المخصصة للإعلانات الانتخابية على إعلانات لا قيمة لها، من ناحية الأصوات، ولكنها ترضي غرور الرئيس الأميركي، الذي دفع حملته الى شراء دعاية ليلة نهائي كرة القدم الأميركية، وهو الحدث الأكثر مشاهدة في البلاد. لكن ترامب لم يبث إعلانه ذاك لأسباب مقنعة انتخابيا، بل فقط لأنه كان يسعى للتباهي بمنافسة المرشح الديموقراطي السابق مايكل بلومبيرغ، وهو من أثرى خمسة أشخاص على وجه المعمورة.
وفي تبذير آخر لإرضاء غرور الرئيس الأميركي، قامت حملته الرئاسية بتمويل دعاية انتخابية عبر وسائل الإعلام في منطقة العاصمة واشنطن حتى يراها ترامب في مكان إقامته في البيت الأبيض. لكن العاصمة تؤيد الديموقراطيين بأعلى نسبة في عموم الولايات المتحدة، وهي منحت المرشحة الديموقراطية السابقة هيلاري كلينتون 96 في المئة من أصواتها، مقابل ثلاثة في المئة فقط ذهبت لترامب في الانتخابات الماضية.
أما بايدن، الذي كان أوقف بثه الإعلاني وأقفل بعض مكاتبه الانتخابية قبل فوزه بالانتخابات التمهيدية لحزبه في وقت سابق من هذا العام، فعمد الى عقد لقاءات مع المانحين الديموقراطيين عبر الإنترنت، وهي لقاءات لا تكلفة مالية لها البتة. هكذا، أظهرت أرقام حملة بايدن أنه جمع 365 مليون دولار الشهر الماضي، وهو رقم قياسي في تاريخ جمع التبرعات في الحملات الرئاسية.
وبسبب تفوق حملته مالياً، نجح بايدن بتمويل دعايات انتخابية في عشر ولايات متأرجحة، أنفق فيها 10 دولارات دعائية مقابل كل دولار واحد أنفقه ترامب، وهو وضع دعائي كان يجب أن يكون معاكساً بسبب تأخر ترامب في غالبية هذه الولايات أمام خصمه الديموقراطي.
أما آخر استطلاعات الرأي التي عززّت آراء القائلين بشبه استحالة فوز ترامب بولاية ثانية، فرصد آراء «ناخبي الحزب الثالث»، وهؤلاء غالبا ما يصوّتون لمرشحين غير مرشحي الحزبين الرئيسيين. وفي العام 2016، ترشّحت لائحة على أقصى اليسار وأخرى على أقصى اليمين، ونجحتا في اقتناص أصوات يعتقد الخبراء أنها كان معظمها من أصوات الديموقراطيين، مما فتح الطريق امام ترامب للفوز، الذي اقتصر في بعض الولايات على تفوقه بواقع آلاف قليلة من الأصوات.
وتظهر استطلاعات رأي «ناخبي الحزب الثالث» أنهم يفضّلون بايدن على ترامب بنسبة اثنين إلى واحد، وهو ما يعني أنه في ولاية ميتشيغن، مثلا، التي فاز فيها ترامب بعشرة آلاف صوت واقترع فيها ربع المليون، للائحة غير لائحة الحزبين الجمهوري والديموقراطي، أنه ان فاز بايدن بصوتين من كل ثلاثة من أصوات لهؤلاء، فهو سيلغي تفوق العشرة آلاف صوت التي أعطت الولاية لترامب في الانتخابات الماضية.
لكن على الرغم من أن موقع «فايف ثيرتي ايت»، المتخصص في شؤون استطلاعات الرأي والترجيحات الانتخابية، يرى أن بايدن هو الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية، إلا أن مدير الموقع نايت سيلفر، يشير الى أن «الكلية الانتخابية» مازالت في مصلحة ترامب، وهو ما يعني أن الرئيس الحالي قد يفوز بولاية ثانية، حتى لو خسر في إجمالي الأصوات، كما حصل في 2016 عندما تغلب ترامب على كلينتون على الرغم من تفوقها عليه بأكثر من ثلاثة ملايين صوت في الحصيلة النهائية للفرز.
في سياق ثانٍ (وكالات)، رأى ترامب أن قيادة وزارة الدفاع (البنتاغون) لا تريد أي شيء «سوى شن الحروب»، من أجل زيادة ثراء المؤسسات العاملة في مجال إنتاج الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية.
وقال خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، ليل الاثنين: «أنا لا أقول إن (الدوائر) العسكرية تحبني، لكن الجنود (يحبونني). ربما القادة في البنتاغون لا يفعلون ذلك، لأنهم لا يريدون أي شيء سوى شن الحروب، حتى يتسنى لجميع هذه الشركات الرائعة، التي تصنع القنابل، والطائرات وكل شيء آخر، أن تكون سعيدة».
وتابع: «لكن، نحن نخرج من الحروب التي لا نهاية لها».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق